- عمر حلمي الغول
إنتهت محاكمة الرئيس السابق، دونالد ترامب يوم السبت الماضي الموافق 13 من شباط/ فبراير الحالي بتبرئته من التهم، رغم وضوح الأدلة على انتهاك القانون والدستور والديمقراطية الأميركية. لكن الأزمة لم تنتهِ بانتهاء محاكمته، لا بل انها تتفاقم على المستويين الأميركي العام، وداخل نطاق الحزب الجمهوري، الذي شهد ولإول مرة في تاريخه تمرد هذا العدد من النواب واعضاء مجلس الشيوخ عن الموقف الحزبي بالدفاع عن رئيس الحزب، الذي هدد مستقبل بلاد العم سام، عندما حرض أنصاره الإفنجليكان ومن العصابات الإرهابية على اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، وأدت لمقتل خمسة افراد واصابة الآخرين. حيث صوت 7 اعضاء من مجلس الشيوخ، و10 من النواب لصالح التهم الموجهة ضده، ولحرمانه من تولي اية مهام رسمية لاحقا.
وما يؤكد تعمق الأزمة، واستشرائها، هو ما صرح به رجل العقارات بعد تبرئته مباشرة، عندما أصدر بيانا مكتوبا، جاء فيه:" إن حركتنا التاريخية والوطنية والجميلة لجعل اميركا عظيمة مرة أخرى قد بأت للتو، في الأشهر المقبلة لدي الكثير لإشاركه معكم، وأنا اتطلع إلى مواصلة رحلتنا المذهلة معا لتحقيق العظمة الأميركية لجميع افراد شعبنا." ان مجرد تأكيده على ان حركته التاريخية "بدأت للتو" وإصراره على مواصلة نهجه التخريبي العنصري، واتساع دائرة الرفض لخياره، حيث صوت في إستطلاع للرأي اجرته مؤسسة غالوب 63% من الجمهوريين من المستطلعين رفضهم لبقاء ترامب على رأس الحزب، مع ان هناك إستطلاع سابق يشير إلى ان نسبة الداعمين له داخل الحزب بلغت 82%، وتبني وجهة نظره بوجود "تزوير في الإنتخابات الرئاسية لأخيرة"، وهذا التضارب بين التأييد وعدمه للرجل يؤشر إلى المخاض العسير، الذي يعيشه الحزب، بالإضافة لإرتفاع نسبة الأصوات المنادية بتشكيل حزب ثالث من داخل الحزب الجمهوري، وتحديدا من المعارضين له، ومن الأسباب الأخرى، رفض العشرات من الشركات الممولة للحزب عن مواصلة تمويل ترامب وانصاره المحيطين به، وقبل ذلك، هناك الأزمات الإقتصادية الإجتماعية والعنصرية والبيئية والثقافية، جميعها تؤكد أن الأزمة لم تنته، لا بل تفاقمت، وباتت أكثر حدة.
ويلاحظ ان الخلافات بين المؤيدين والمعارضين للرئيس السابق أخذت تزداد مع الإستعداد للإنتخابات النصفية القادمة لمجلس الشيوخ والنواب، واتسعت الفجوة بينهم، وبدأت حملات باستهداف من صوت ضد ترامب، أو من صرح علانية ضده، كما نيكي هيلي، مندوبة الولايات المتحدة السابقة، وصديقة ترامب، التي أدانت ممارساته، وإنتهاكاته للديمقراطية والدستور، وآخرين غيرها في ولايات عدة، كما ان بعضهم لديهم الرغبة بالترشح للرئاسة عام 2024. وبالتالي يرفضون زعامة ترامب وترشحه لاحقا. وحول هذا الموضوع ، صرح رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية، خايمي هاريسون:" سوف نذكر الناخبين بأن الجمهوريين كانوا على إستعداد لإهمال حزبهم كله بسبب ولاء لرجل واحد، وأن رجلا واحدا كان اهم من ناخبيهم، وأهم من دستور الولايات المتحدة، واهم من الديمقراطية." وهنا نلاحظ ان معركة الإنتخابات النصفية والرئاسية بدأت وبقوة، وتتسم بالعدائية مع إنتهاء محاكمة الرئيس غير المأسوف على سقوطه.
وإدراكا من الديمقراطيين للتحديات، التي تنتظرهم، اولا الوفاء بوعودهم الإنتخابية، التي قطعها الرئيس بايدن على نفسه وحزبه وإدارته، مما وجب عليه إنهاء عملية مصادقة الكونغرس على مرشحيه للمناصب الوزارية والوظيفية الأخرى، لتدور عجلة الإدارة في تأدية مهامها؛ ثانيا الأستعداد للإنتخابات القادمة بشقيها النصفي والرئاسي، تطلب منهم، ان لا يطيلوا امد محاكمة ترامب، وعدم الإتيان بالشهود، لإعتقادهم، ان هذا سيستغرق وقتا طويلا، وهو ما يؤخرهم عن أداء مهامهم، ويمنح خصومهم الوقت والفرصة للإعداد للمعارك التنافسية القادمة بين الحزبين.
من المؤكد ان الرئيس ترامب مع اقرانه ومؤيديه سيكونوا اكثر تغولا داخل الحزب الجمهوري، وعلى مستوى الولايات المتحدة كلها، وسيعمل على محاصرة خصومه ومعارضيه بكل الوسائل، حتى يعزلهم، او يخرجوا بماء وجههم من خلال الإنشقاق عن الحزب. وهو ما سينعكس سلبا داخل الساحة الأميركية بكل مكوناتها، ويعمق من تناقضاتها. مع ان كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لا يختلفان جذريا عن بعضهما البعض، بيد ان الأزمات في المركبات الأميركية المختلفة لا تنحصر بالتناقضات بين الحزبين، لإنها تطال كل اوجه الحياة في الولايات المتحدة، وتحمل في طياتها مخاطر وسيناريوهات عدة. وعليه فإن أميركا في كل الأحوال بحاجة ماسة لكسر المألوف التقليدي، وذلك من خلال تأسيس حزب أو احزاب جديدة تتجاوز الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لإنهما باتا عبئا على اميركا وشعبها.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت