- بقلم الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر (سابقاً)
غزة – فلسطين
أما وقد صدر في 15 يناير 2021 المرسوم الرئاسي القاضي بإجراء الانتخابات العامة بدءاً بالتشريعية في 22/5/2021 تليها الرئاسية في 31/7/2021 ثم استكمال المجلس الوطني في 31/8/2021، فإننا نرى معطيات شديدة الوضوح والدلالة على أن هذه الانتخابات المزمع إجراؤها لا تعبر عن الإرادة الوطنية الفلسطينية ولا تحققها ولا تنتصر لبلوغها، وذلك لأسباب ومعطيات أوردها على النحو الآتي:
أولاً: مخالفة المرسوم الرئاسي للقانون الأساسي في مبناه وفي معناه، وقد أتيت على ذلك في مقالي المنشور يوم الخميس 11/2/2021 تحت عنوان: اجتماع القاهرة الفصائلي : عوار ما بعده عوار.
ثانياً: لن تسمح دولة الاحتلال العسكري الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الدولية والإقليمية لهذه الانتخابات الفلسطينية أن تسير على نحو يعبر عن الإرادة الوطنية الفلسطينية ويمكن الشعب الفلسطيني من بلوغها والانتصار لها، لا سيما إذا خرجت نتائجها على غير ما تسعى إليه دولة الاحتلال ابتداءً.
وفي هذا السياق، يجدر بنا أن نتنبه إلى أن التنسيق الأمني - الذي يقدسه عباس وزبانيته، والذي أعلنت السلطة عودتها إلى ممارسته فوز سقوط ترامب وفوز بايدن – ييسر لدولة الاحتلال القدرة على الدخول كالنمل إلى كل تفاصيل انتخاباتنا ودقائقها، دونما حاجة إلى قوة عسكرية طاغية، بل إلى إمكانيات أمنية ذكية، ما يجعلنا نؤمن يقينياً أنه ليس من الذكاء أبداً أن نظن – نحن الفلسطينيين – أن دولة الاحتلال لم تكن هي أقوى وأكبر محرك للانقسام الفلسطيني الكارثي، بل وأخطر مفعل له ولتأمين استمراره.
ثالثاً: هشاشة البنية الفلسطينية
تعاني البنية الفلسطينية من هشاشة كبيرة وخطيرة، إذ بينما تتمتع حركة فتح بقبول دولي فإنها تعاني من ضعف محلي نتيجة الصراع الداخلي الذي لا يتوقف بين أقطابها وأجنحتها وكوادرها، الأمر الذي يشوه صورتها في الذاكرة الشعبية. أما حركة حماس، فهي تتمتع – خلافاً لحالة حركة فتح – بقبول شعبي وقوة داخلية كبيرة، غير أنها لا تتمتع بقبول دولي، ما يعني أن الحركتين الأكبر على المستوى الفلسطيني (حماس وفتح) تعاني كل منهما ضعفاً تقابله قوة عند الأخرى، فبينما تحاول فتح وتتمنى أن يعوض قبولها الدولي ضعفها وتفككها الداخلي، تحاول حماس وتتمنى أن تحقق في الانتخابات فوزاً يعينها على تجاوز أزمة قبولها الدولي.
رابعاً: حيث يجري الحديث هذه الأيام عن قائمة مشتركة تضم حركتي فتح وحماس معاً، فإن سؤالاً مهماً أمام أعيننا ينتصب: هل من برنامج انتخابي مشترك تعتمده فتح وحماس معاً في هذه القائمة المشتركة لتدخل به المنافسة مع القوائم الأخرى في الانتخابات؟ ما هو هذا البرنامج لهذه القائمة المشتركة (المتناقضة في وسائلها حيث إحداها تعتمد الكفاح المسلح والمقاومة فيما الأخرى تعتمد المفاوضة والمساومة)؟! وهل في مُكنة هذه القائمة المشتركة (اسماً وشكلاً) المتناقضة والمتعاكسة (فعلاً وهدفاً) أن تجمع بين برنامجين هما في الأصل متناقضان ومتعاكسان؟! وألا يسلب هذا الجمع الجانبين ما كان كل منهما يتمتع به من مصداقية عند الناخب المحلي وفي أوساط المجتمع الدولي؟!
خامساً: ما الذي سيكون لو كان الإقبال على الانتخابات ضئيلاً أو أقل من المتوقع، لا سيما وإن كلاً من حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد أخذت كل منهما قراراً بعدم المشاركة في الانتخابات، ما يعني مقاطعة مؤيدي هذين الفصيلين وأنصارهما للانتخابات؟ إن ضعف المشاركة في الانتخابات يعني – حتى ولو لتنظيم حقق الفوز – خللاً في شرعيته محلياً ودولياً. ويضاف إلى هذا الخلل المحلي والخارجي في شرعية هذا التنظيم الفائز أن القرار الرئاسي القاضي بتشكيل محكمة إدارية إنما يقضي توسيع صلاحيات الرئيس إلى حد يتيح له إلغاء الانتخابات أو إلغاء نتائجها أو حل المجلس التشريعي، ما يعني كامل الارتهان إلى رغبة الرئيس إن منحاً وإنْ منعاً.
سادساً: قيام الرئيس بعملين كل منهما يناقض الآخر ويتنافى مع المصلحة الوطنية الفلسطينية. فقد أعلن الرئيس العودة إلى التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال والعودة إلى التفاوض معها، في ذات الوقت الذي أعلن فيه السير في طريق المصالحة والتوافق مع حركة حماس. وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه على نحو استنكاري هو: كيف يمكن الانطلاق في المصالحة مع حماس في ذات الوقت الذي تعود فيه السلطة وحركة فتح إلى التنسيق الأمني الذي تعاديه حماس وظلت طيلة الوقت تعتبره المثلبة الكبرى ضد عباس؟! فهل يعمل عباس على جر حركة حماس إلى التسليم بنبذ العنف (المقاومة) والاعتراف بدولة الاحتلال ومباركة كل ما يصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية والقبول بها والانضواء تحت لوائها كما هي على حالها، دون إصلاحها، ودون تطويرها، وهو ما قاله في أحاديثه غير مرة؟! ربما يعتمد عباس في كل ذلك على أربعة ركائز: أولها ركونه إلى دعم الإدارة الأمريكية الجديدة، وثانيها محاولته استثمار أوضاع قطاع غزة الصعبة بسبب الضوائق الاقتصادية الخانقة التي زادتها الحالة الوبائية عُسراً، وثالثها زيادة وتنامي مساحة التطبيع العربي على نحو جنوني محموم مع دولة الاحتلال، ورابعها انحسار نشاط حركة حماس ضمن حدود قطاع غزة المحاصر براً وبحراً وجواً والمعزول تماماً عن العالم الخارجي وعن محيطه العربي، لا سيما بعد مغادرة حماس لوجودها وثقلها في سوريا.
وأما سابعاً، فسوف تنتج الانتخابات حقيقة واحدة من ثلاث: إما أن تفوز حماس، أو أن تفوز فتح، أو أن تفوز قائمة مشتركة بين فتح وحماس. وعليه، فإنه يتوجب علينا أن نفكر في كل من السيناريوهات الثلاثة، على النحو الآتي:
أما عن سيناريو فوز حماس، فإنه يجدر بنا أن نتساءل:
1- ماذا لو فازت حماس؟ وهل ستسلم فتح بفوز حماس فتترك لها القيادة وهي التي تعتمد على التنسيق الأمني وتستقوي به مع دولة الاحتلال التي لن تقبل بفوز حماس؟!
2- هل في مُكنة حماس - إن فازت في الانتخابات - أن تواصل الاطلاع بالمسؤولية الوطنية وترتيب علاقتها مع دولة الاحتلال في الضفة الغربية؟! وكيف؟
3- كيف ستكون علاقة حماس - التي تؤمن بالمقاومة الشعبية والمسلحة - مع رجال الأمن الفلسطينيين المنصهرين منذ أكثر من عقدين في التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، والذي يقدر عددهم بعشرات الآلاف؟! هل ستطردهم حماس، أم تحقق معهم وتحاكمهم، أو تعتقل بعضهم أو جميعهم، أم تكتفي بمراقبتهم لاستعادتهم أو استعادة بعضهم إلى الحضن الوطني، الأمر الذي سيشعل النار ويحرك الدنيا ضد حركة حماس من خلال دولة الاحتلال وعملائها وبمساعدتها، وبتخطيط منها؟
4- هل في مُكنة حماس، حال تحقيقها الفوز في الانتخابات، أن تسترجع - أو أن تحافظ على - علاقتها مع كل من حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكذلك مع الذين كانوا قد قاطعوا الانتخابات من مؤيديهما وأنصارهما.
أما عن سيناريو فوز فتح، فإننا نطرح التساؤلات الآتية:
- هل ستنبذ حماس المقاومة المسلحة وتسلم سلاحها لسلطة أوسلو فتكون بذلك قد استسلمت لشروط الرباعية الدولية التي ظلت على الدوام ترفض الانصياع لها؟!
- وهل ستضطر حماس للقبول بمواصلة التنسيق الأمني وتنسجم معه بعد أن واصلت رفضها وعداءها له على مدار ربع قرن منذ أوسلو وحتى اللحظة؟!
- وكيف سيكون رد فعل حماس على أي عمليات عسكرية قد ينفذها أي حزب أو فصيل مقاوم سواء كانت العمليات هجومية تستهدف مقاومة الاحتلال وطرده، أو دفاعية تستهدف الرد على عمليات عدائية صهيونية؟!
وأما عن سيناريو فوز فتح وحماس معاً من خلال قائمتهما الانتخابية المشتركة، فإنه يتوجب في هذه الحالة تشكيل حكومة وحدة وطنية تعتمد برنامجاً مشتركاً لا يخطئ من يصفه بأنه برنامج حركتين متناقضتين متعاكستين، إذ تعتمد إحداهما المقاومة لطرد الاحتلال، فيما تعتمد الأخرى مفاوضته ومساومته بغية التفاهم معه، وهو أمر لا يكون ولن يكون إلا إذا تنازلت حماس عن أول وأهم ثوابتها وأقدس ثوابت الشعب الفلسطيني عبر انتقالها من معسكر الكفاح المسلح والمقاومة إلى خيمة التفاوض والتفاهم والمساومة، أو إذا أغلقت فتح باب التفاوض والمساومة لتتبنى من جديد خيار الكفاح المسلح والمقاومة!!!
هذا، وإن مجموعة من التساؤلات الاستنكارية، في هذا السياق، تطرح نفسها، ومن أهمها:
- إذا كانت حركتا حماس وفتح تريدان اليوم الدخول للمنافسة في قائمة انتخابية مشتركة، فلماذا كانت معاناة شعبنا من انقسام كانتا سبباً فيه وقد استمر لخمسة عشر عاماً؟!
- وإذا كانت حركتا حماس وفتح تتذرعان اليوم بالاحتكام إلى وثيقة الأسرى، فإن السؤال المنطقي هنا هو: ألم تكن وثيقة الأسرى هذه بين يدي الحركتين طيلة سنوات الانقسام الخمسة عشر الماضية، حيث بقيت دون أن تُفَعل، ودون أن تحترم، ودون أن يحتكم إليها لإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة المأمولة بمقتضاها؟!
- وإذا أصبحت حركتا فتح وحماس جاهزتين الآن للتوحد معاً والاتفاق على قائمة انتخابية مشتركة، فلماذا لا تكونا قادرتين على التوحد والاتفاق لإنهاء انقسام كانتا شريكتين في صنعه؟!
وبعد، فإذا بقيت كل حركة على خيارها المتعاكس مع الثانية – وهو الحالة المتوقعة التي تسهل قراءتها دون أدنى عناء – فإن الصدام قادم، لا محالة، من جديد. أما السلطة، فإنها على ذات الحال الذي عرفناه عنها باقية، إنْ برضاها أو برغمها، وليس لحركة حماس – حال انضوائها تحت لواء القائمة الحمساوية الفتحاوية المشتركة – إلا أن تغير جلدها وعظمها، بل ونخاعها.
أما آخر الكلام، فإن من صار في مُكنته قبول المشاركة والتوحد في قائمة انتخابية واحدة مع خصمه التاريخي، لا بد وأن يكون في مُكنته – من باب أَوْلى – أن يُنهي الانقسام فوراً ليعبر مع أخيه ورفيق دربه جنة المصالحة فيجنيان معاً منها للوطن والمواطن أنفع الثمرات وألذها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت