- عمر حلمي الغول
مستقبل دولة المشروع الصهيوني لم يكن يوما محل ثقة القائمين عليها، رغم كل الشروط الذاتية والموضوعية، التي توفرت لها، من حيث تأمين الغطاء الرأسمالي الغربي للهجرات الإستعمارية لليهود الصهاينة المتوالية منذ تبلورت فكرة إقامة الكيان الغريب لتمزيق وتفتيت وحدة الوطن العربي الكبير من بدايات القرن العشرين وحتى اللحظة الراهنة، وتقديم الدعم المادي الإقتصادي والمالي والعسكري والأمني والمساندة المطلقة لها في المحافل الدولية، وحمايتها من الملاحقة الأممية على جرائم الحرب، التي ترتكبها ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا، وإطلاق يدها لإختراق القوانين والاعراف والمواثيق الدولية، وتعزيز تفوقها العسكري على الدول العربية كلها، والوقوف خلف حروبها الإستعمارية بشكل مباشر وفض... إلخ
ومنذ تأسست الدولة الصهيونية في ايار / مايو 1948 على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني، وهي محل شك في بقائها، وهذا ما عبر عنه بن غوريون، رئيس الوزراء الأول للدولة الكولونيالية لناحوم غولدمان، رئيس الوكالة اليهودية عام 1956، عندما قال له ذات مساء "سابلغ السبعين من العمر قريبا. إذا سألتني هل اموت وأدفن في دولة يهودية؟ أقول لك نعم خلال عشر سنوات أو 15 سنة ستكون هناك دولة يهودية. ولكن إسألني إذا كان ابني آموس، الذي يبلغ الخمسين في نهاية هذة السنة لديه فرصة ان يموت في دولة يهودية؟ أقول لك 50%." فسأله غولدمان: كيف تنام وهذا الإحتمال في رأسك، وأنت رئيس وزراء إسرائيل؟ رد بن غوريون: من قال لك أني أنام؟" منقول من كتاب ناحوم غولدمان "المعضلة اليهودية" أو (التناقض اليهودي). ويخلص لذات الإستنتاج بوضوح اعمق الكاتب الإعلامي، آري شبيط، الذي كتب مقالا في صحيفة "هآرتس" بعنوان " إسرائيل تلفظ انفاسها الأخيرة" جاء فيه "يمكن ان يكون كل شيء ضائعا، ويمكن اننا اجتزنا نقطة اللاعودة، ويمكن انه لم يعد من الممكن انهاء الإحتلال، ووقف الإستيطان، وتحقيق السلام، ويمكن انه لم يعد بالإمكان إصلاح الصهيونية، وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم البلاد." وتابع "إذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في البلاد (...) يجب فعل ما اقترحه روعل ألفر قبل عامين، وهو مغادرة البلاد. إذا كانت "الإسرائيلية" واليهودية ليستا عاملين حيويين في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر اجنبي." وأضاف شبيط محذرا من انهيار إسرائيل، قائلا "من هناك من بلاد القومية المتطرفة الألمانية الجديدة، أو بلاد القومية المتطرفة، يجب النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل، وهي تلفظ انفاسها الأخيرة." وهناك العشرات ومئات الآلاف من اليهود الصهاينة، الذين عادوا لإوطانهم الأم، أو لجأوا لإحدى الدول الغربية بصمت ودون ضجيج، لإدراكهم المآل، الذي تتجه له دولة إسرائيل الإستعمارية، وهو الإنهيار والإختفاء من الجيوبوليتك، كما جاءت فجأة، ستزول فجأة وبفعل التناقضات الداخلية، وإنتفاء المشروعية للدولة الصهيونية التاريخية والسياسية والقانونية والثقافية والدينية وبكل المعايير.
وهذة النتيجة توصل لها في مقال نشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم السبت الماضي الموافق 20/2/2021 المسؤول الأمني الإسرائيلي الكبير السابق، يوفال ديسكن، جاء فيه: إن "إسرائيل لن تبقى للجيل القادم"، موضحا أسباب ذلك، ومبديا تخوفه من الزوال لإسباب ومؤثرات داخلية، فيقول أن "معظم العبء الإقتصادي والعسكري في إسرائيل، سيتحمله قريبا 30% فقط من الإسرائيليين، وبهذة الطريقة لن ينجو المجتمع الإسرائيلي مما ينتظره من مشاكل." وأكد ديسكن، رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام السابق "الشباك"، "ان هناك سؤالا وجوديا استراتيجيا أوضحت أزمة كورونا مدى خطورته، هل تتمتع إسرائيل بالتماسك الإجتماعي والمرونة الإقتصادية والقوة العسكرية والأمنية التي ستضمن وجودها الجيل القادم؟ أتحدث عن الإتجاهات الديمغرافية والإجتماعية والإقتصادية، التي تغير بالفعل جوهر إسرائيل، وتستطيع ان تعرض وجوها للخطر خلال جيل واحد، حيث يزداد الإنقسام بين الإسرائيليين عمقا، واصبح الإنقسام ينتشر في الحكومة، والتضامن الإجتماعي ضعيف." واضاف إلى ان "القوة الإقليمية المسماة اسرائيل غير قادرة على السيطرة على العديد من المناطق." موضحا أنه "وفقا لارقام الجهاز المركزي للإحصاء، فإننا سنكتشف قريبا، أنه بعد 40 عاما سيكون نصف سكان اسرائيل من المتدينيين والفلسطينيين (في الحقيقة بات الفلسطينيون الآن يزيدون عن نصف السكان، لكن ديسكن يهرب من الحقيقة)، ومن المهم ان نفهم القاسم المشترك بينهما اليوم، ولماذا سيشكل مستقبلهما صورة إسرائيل، ويؤثر على قدرتها على الوجود خلال 30 إلى 40 عاما." وعمق استنتاجه بالقول : أن "اليهود الحريديم باتوا عبئا، وأن منهم من باتوا منتشرين في الإتجاهات المعادية للصهيونية، وبالنسبة لهم فإن إسرائيل في طريقها للخسارة." والزوال، وتسير بخطى حثيثة نحو مآلها المحتوم.
واعتقد ان ديسكن بالغ في الزمن الإفتراضي الباقي من وجود إسرائيل الإستعمارية، رغم انه وضع اصبعه على العديد من الجروح النازفة في جسد الدولة المفتعلة والمزورة، وللتسريع في بلوغ النتيجة المؤكدة اعلاه، تتطلب جملة من العوامل البسيطة وغير المعقدة، منها: اولا تعزيز الوجود الفلسطيني على الأرض في كل المدن والقرى والخرب من النهر إلى البحر؛ ثانيا توسيع وتعميق اشكال النضال الشعبي والسياسي والديبلوماسي والقانوني؛ ثالثا توحيد البيت الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وحماية النظام السياسي الفلسطيني التعددي الديمقراطي؛ رابعا التمسك بخيار السلام، الذي لا تستطيع الدولة الصهيونية التعايش معه، مهما كان شكله ومضمونه، فهي لا تقبل القسمة على خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولا على خيار الدولة الواحدة، والأزمة تطاردها وتقترب من عنقها كل يوم أكثر فأكثر. والمستقبل القريب كفيل بوضع النقاط على الحروف.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت