ديبلوماسية اللقاح .. وغياب الأخلاق ..

بقلم: اماني القرم

أماني القرم
  • د. أماني القرم

ونحن نعيش ملامح عالم جديد يعرف بعالم ما بعد كورونا، ستبقى ارتداداته معنا لسنوات طويلة قادمة لن تقف عند تغيير أسلوب الحياة فحسب، بل ستشكل تحولات القوة السياسية والاقتصادية وطبيعة العلاقات الدولية وأدواتها.. فإن أحد المفاهيم الجديدة في هذا العالم هو ديبلوماسية اللقاح ..والمقصود به استخدام اللقاح كوسيلة لتحقيق أهداف الدولة إمّا لفرض النفوذ أو لتعزيز العلاقات بدولة أخرى...

وقد برزت اسرائيل والهند والصين وروسيا كأبرز الدول المنخرطة بهذه الديبلوماسية .. بالنسبة للصين وروسيا قامتا بإرسال آلاف اللقاحات الى دول في أمريكا الجنوبية بهدف  تعزيز مكانتهما العالمية في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ضمن استراتيجية طويلة المدى. بينما تفوقت الهند في معركة ديبلوماسية اللقاحات على منافستها الصينية، حيث تبرز التقارير أنها بصدد تصدير أكثر من  6 مليون لقاح مجاني الى العالم الفقير والاسواق الناشئة مقابل 3 مليون ونصف لقاح صيني ، تم تخصيص الكمّ الأكبر منها الى محيطها المجاور كنيبال وبنغلاديش وسريلانكا للتغلب على النفوذ الصيني في هذه المنطقة وتقديم نفسها كمنقذ وكقائد عالمي..

أما اسرائيل فهي الحكاية الكبيرة.. رغم أنها تحتفي بأنها الاولى في العالم في توفير اللقاح لسكانها حيث حصل على التطعيم حوالي نصف السكان، ورغم أن اللقاحات متكدسة في مخازن الصحة لديها، ، اخترعت هدفاً إضافيًّا لديبلوماسية اللقاح هو العقاب الجماعي في منافاة لأبسط الاخلاقيات العالمية وفي إصرار على التصرف كدولة احتلال وفصل عنصري طبي، وذلك بدلاً من التصرف كالهند في معاملة جيرانها ومحاولة بناء جدران الثقة. ففي حين أنها تعهّدت بإرسال اللقاحات لدول بعيدة كتشاد وهندوراس وأثيوبيا وحتى موريتانيا (من أجل مكاسب سياسية حين الحاجة)، تتجاهل أكثر من 5 مليون فلسطيني متعمدة بل وتمنع دخول اللقاحات الواردة من دول أخرى وفي أحسن الأحوال تتعرض هذه اللقاحات الى الابتزاز والمساومة السياسية اثناء مرورها الى غزة والضفة..

أيّ عدمية أخلاقية وعنصرية فجة هذه التي يتم فيها توفير تطعيم للناس في جهة مقابل حرمان ملايين البشر في الجهة الاخرى التي تبعد كيلومترات قليلة .. وزير صحة إسرائيل رد بوقاحة على الاتهامات بعدم توفير اللقاحات للفلسطينيين "عليهم ان يتعلموا كيف يعتنون بأنفسهم"!كيف؟ واسرائيل تسيطر على جميع المنافذ وكل ما يدخل ويخرج يخضع لمراقبتها ولسياسة السماح والمنع حسب رغبتها. كيف واسرائيل تحتل معظم الأرض والسماء وتخلق القيود على الحركة الفلسطينية؟

قبل عدة أيام تمت صفقة غامضة تشبه عملية تبادل أسرى بين سوريا واسرائيل بوساطة روسية تم فيها تحرير إثنين من السوريين مقابل فتاة اسرائيلية دخلت (يقال بطريق الخطأ) الى الاراضي السورية. المهم في هذا الأمر هو أحد بنود  هذه الصفقة السرية التي يتم بمقتضاه  شراء الحكومة الاسرائيلية عدد غير معلن من لقاحات سبوتنيك  الروسي لتزويده للحكومة السورية!! أحمد الطيبي غرّد على تويتر متسائلاً:"هل ننتظر أن يدخل يهودى الضفة الغربية أو غزة حتى يحصل الفلسطينيون على اللقاح؟"

ديبلوماسية اللقاح تبرز أن عالم ما بعد كورونا أشد تغوّلاً وشراسة لأنها تعتمد على الانتقائية والمصالح  أمام صحة الانسان..

ويستمر العالم باتهامنا بأننا نعلق الأخطاء على شماعة اسرائيل .. لكنها الحقيقة ..

 

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت