غزة تصرخ ... إنهم يقتلونني بصمت

بقلم: محمد الحسيني

محمد الحسيني
  • بقلم: محمد الحسيني

    غزة الجميلة تنام متكأه على شاطئ البحر ... تتمختر بدلال .... واقفة على ثغر فلسطين وبلاد الشام الجنوبي شامخة كالسنديان في وجه الغزاة الذين تعثروا بها من أي اتجاه كان غزوهم من الشام لمصر أو من مصر للشام ....  غزة القلعة الأبية تتهادى ذكرياتها التي لا تنتهي محدثة التاريخ عما واجهته من عتاة الطواغيت منذ القدم ... جميعهم ذهبوا من شمشون الى إسكندر الأكبر الى الروم والفرس والصليبيين الى نابليون ثم الانجليز .... الخ ....غزة تحدت هولاكو  ... غزة لم تنحني لاحد عبر التاريخ .... وظلت كزهرة الزنبق الذي كان متجذرا على شواطئها ... يأتون ويذهبون وتبقى غزة عصية ابية لا تنكسر .

جاء الاحتلال الإسرائيلي فما وهنت غزة واطلقت شرارة المقاومة وكانت عبر تاريخنا الفلسطيني الحديث ينبوع العطاء وشعلة الكفاح ... فاستحقت ما قاله القائد / أبو عمار عنها الثورة تولد بغزة وتدفن بغزة ... فهي وقود الثورة وعنفوان المحارب ... المتسلح بالإيمان والكبرياء والاستعداد الدائم للتضحية دفاعا عن تراب الوطن وحرية ابناءها .

في الخفايا بدأت ملامح خطة لئيمة لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني عبر كسر قواعده الصلبة المتركزة في عنفوان غزة وأهلها .... فحاكوا المؤامرات من كل حدب وصوب لتركيعها كمقدمة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها .

منذ قدوم السلطة وهناك يد تعبث بمكونات المجتمع وتعمل على تفكيكه وتدمير بناءه الرصين ... ادواتهم عناصر التخريب في داخل جسد السلطة ثم في داخل الحركات والتنظيمات ... فصفوا الرجال الرجال بغض النظر عن انتماءاتهم وشردوا الالاف من النخب بوسائل واغراءات لا تعد ... أموال بمليارات مهد لها الطريق للرحيل ... وغزة تنزف وتتمزق قبل الانقسام وبعد الانقسام ... كأن هناك قرارا كونيا بقتلها دون رحمة.

  المشهد المخيف الذي تراه بعينك وتلمسه من تسلسل الاحداث ابتداء بكسر النسيج التكاملي للمجتمع ... عبر استنزاف الطبقة الوسطى واغراءات لترحيل النخب المفكرة ... مما جعل الشعب تائها لقلة النخب وضعف الطبقة الوسطى لديه ... ونضوب رصيدها من القادة .... بل تلاحظ كيف تحولت المؤسسات الممولة من الخارج لمشاريع تدمير للشخصية المكافحة الغزية ... عبر مشاريع البطالة والكابونات والمساعدات والتي تهدف الى كسر الإرادة وتعويد المجتمع على الانحدار والتسول والتخلي عن الإنتاج والابداع الفكري .

  أموال طائلة صرفت على مشاريع وهمية ودراسات لا معنى لها وورش وابحاث ... الخ كلها اهدار للمال فيما لا يفيد وهدفه بناء طبقة منتفعة مهمتها قتل جذوة الروح البطولية لأبناء غزة وكسر ارادتهم ... أموال لو وظفت في مشاريع تنموية فعلية لضاعفت الإنتاج المحلي مرتين على الأقل .

في الداخل تسبب الانقسام البغيض في شرخ كبير في المجتمع فالسلطة الجديدة بغزة بنت غيتو لأعضائها ... والسلطة برام الله فعلت المثل وغيرهم لديه جماعته ... والشعب ترك بلا راعي ولا مسئول لمصيره القاتم.

  الدهشة والحزن العميق واقصى درجات الاستغراب تبعثرك الى شظايا وأنت تلاحظ مقدار الإهمال والظلم الذي يمارس على غزة وأهلها ... الجميع تخلوا عنها عربا وعجما ... وما يقدم لها سوى الفتات فقط دون افق وكأنهم يريدونها ان تبقى في العناية المركزة وغرفة الإنعاش يقتلونها لو رفعوا أجهزة الحياة عنها .

   اجحاف غريب ومعاملة عدائية تواجهها عندما تسافر ولا يكون هدفك الهجرة ... وتتساءل لماذا نعامل بهذه الطريقة اللاإنسانية عكس شعوب الأرض ... والمؤسف أن من يمارس عليك هذا الاذلال الممنهج هو القريب قبل الغريب .

نسمع الكثير عن مشاريع و منح .. الخ ولكن كلها لا تصب في أي خطة للتنمية ولا تهدف للتطوير بل تمارس بطريقة تدميرية للاقتصاد وقيم البناء التنموي ... فلا منهج علمي لها ولا أهداف تؤسس لاقتصاد فاعل ... وحتى ان المردود التنموي الذي يوفره الدخل من هذه المشاريع والبرامج تمارس سياسات من الجانب الإسرائيلي لاستنزافه ومن المؤسسات الدولية والمحلية والرسمية لإفراغ الجيوب باستمرار بأساليب متنوعة منها الحصار والعدوان وكذلك التفنن في وضع القوانين جانبا وسلخ جلد كل من لديه رأس مال بوسائل لا تعد ولا تحصى .

  واتت جائحة كورونا ورأينا كم غزة هشة ومدمرة بنيتها التحتية وما حماها الا لطف الله فقط من كارثة كبرى لعدم توفر أي مقومات اقتصادية للصمود ولا قدرات للنظام الصحي لمواجهة هذا الوباء .... والجميع يتفرج علينا وكأننا خارج السياق الإنساني .

اكثر ما يغيظك وانت تتابع الاحداث غياب أي خطة او منهج لبناء اقتصاد حقيقي وتنظيم المجتمع المتروك يفعل ما يشاء بلا ضوابط عدا الالتزام بالأمن طبعا ... فترى حجم الدمار الاجتماعي والإنساني والفكري الذي يتصاعد ويوشك على الانفجار .

  لا احد يمكن ان يقنعنا بانه لا توجد وسائل لو توفرت النوايا لخلق مكونات اقتصادية كثيرة وفاعلة وإمكانية إعادة تأهيل الكوادر البشرية بطريقة علمية وليس بالأسلوب التدميري الغريب الذي يوفر عشرات الالاف من خريجي الجامعات الذين لا يحتاجهم المجتمع ولا التنمية ... وكأنها تأتي في سياق الفوضى ثم الفوضى والإصرار على قتل غزة واجتثاث أي مقومات لبقائها .

  ان غزة تستصرخ الضمير الإنساني والوطني .... وتناشد ما تبقى من النخب فيها وابناءها الصابرين ان يتقوا الله بها ... ويعملوا بجد من اجل خلق فرص مبدعة ونحن قادرون على ذلك ... لنتمكن من اعادة بث الحياة بغزة بعد ان كاد الإحباط ان يقتل أهلها ... ومطلوب من القيادة الفلسطينية بكل الوانها ان تعيد النظر في سياستها الغير مبررة تجاه غزة ... فغزة تستحق والتاريخ سيحاسب كل الظالمون لها وكل الصامتون على قتلها ... فغزة كطائر الفينيق ستعود لتنطلق من تحت الرماد عاجلا ام اجلا ... وان غدا لناظره قريب أيها المجرمون .

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت