قصة "زغرودة ودماء" في اليوم السابع

ديمة السمان

ناقشت ندوة اليوم السابع المقدسية الثقافية عبر تقنية "زوم" قصة الأطفال" زغرودة ودماء" للكاتب جميل السلحوت. صدرت القصة عام 2020 عن منشورات إلياء حور في أبو ديس-القدس.

افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

لم يكتب الأديب السلحوت قصة زغرودة ودماء من فراغ.. كتبها من وجع ضحايا المفرقعات . باسم المحبة والفرحة والاحتفالات ندفع أطفالنا الى  التهلكة.

لم يكن رائد ابن السبع سنوات سوى ضحية لأمّه التي دفعته لإطلاق المفرقعات احتفاء بنجاح أخيه  في امتحان الثانوية العامة، ففقد ثلاثة أصابع . . ليصبح مشوها صاحب عاهة.

والمضحك المبكي أن كل هذه الفرحة والصراخ الذي أقلق  طفلها وقام من نومه مرعوبا يسأل عن سبب هذا الصراخ  ..  ودفعِه لإطلاق المفرقعات ليس لتفوق زيد.. بل فاجأنا الكاتب أن معدل زيد لم يزد عن خمس وخمسين .

وكأن الكاتب يود أن يوصل لنا رسالة بأن معظم من يحتفل بهذه الطريقة غير الحضارية يكون معدله متواضعا .. قد يكون المبالغة في الاحتفالات تعويضا عن الفشل .. فيختبىء وراء أصوات المفرقعات المرعبة.

إنّ ما تعرض له رائد هو جريمة بحق الطفولة تستحق عقابا أقله السجن.

مع أن الأمّ اخذت عقابا أشد كثيرا من السجن..  فمجرد  أن شاهدت ما حدث لطفلها رائد من أذى كانت هي سببه فهذا أكبر عقاب سيعيش معها طيلة العمر.

القصة بمثابة رسالة قوية جدا ومؤثرة موجهة لأولياء الأمور.. تقدم لهم النصيحة .. قبل أن يقع  الفاس بالراس كما يقولون.

لا تدفعوا بأطفالكم الى التهلكة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.

لا شك أن هذه القصة بأسلوبها وقوة رسالتها تشكل إضافة نوعية للمكتبة العربية.

وقال الدكتور عزالدين أبو ميزر:

الشيخ جميل، هو جميل في كل كتاباته، وبسيط في سرده، وما اعتمد التعقيد يوما في كتاباته كلها، فأسلوبه السهل الممتنع جعل له سمة خاصة بين الكتاب، جعلته مميزا بينهم  بالبساطة التي لا تشكل على أحد كبيرا أم صغيرا، حتى أن الصغار لا يجدون صعوبة في قراءة رواياته للكبار لسهولة فهمها مع رصانة السرد في بساطة لا تسف، وجزالة لا تصل حد الإشكال في الفهم. وكاتبنا غني عن التعريف، وله مؤلفات كثيرة.

 وقصتنا اليوم تعالج قضية من قضايا الجهل التي لا تنتهي في أي مجتمع  من المجتمعات بشكل أو بآخر، وقد أصدر كاتبنا قبلها كتاب ( ثقافة الهبل وتقديس الجهل) عالج فيها أنواعا أخرى من الجهل.

    قصة الجهل التي نحن بصددها تخص الكبار قبل الصغار، والذي أدى إلى مأساة قصتنا هذه هو الكبير، بيد أعز الناس إلى قلبه والذي به وعليه وقع ما وقع.

صحيح أن الإنسان مُيّز بالعقل عن غيره من المخلوقات، من حيوان وطير ونبات، ولكنها جميعا وفي غالبيتها تكون أعقل من إنسان جاهل فالجهل مرتعه وخيم.

      وصحيح أن الانسان له مشاعر، وهو كتلة من المشاعر والأحاسيس، كما أن للحيوان والطير والنبات مثلها، ولكن التعبير عنها في حال الفرح أو الحزن مثلا تختلف بينه وبين باقي المخلوقات، فالحيوان والطير وحتى النبات يعبرون عن فرحهم  باللعب والغناء ونفش الريش وإظهار الجمال بما يسرّ ولا يؤذي، ووحده الإنسان الجاهل (وليس الجاهل بالمطلق)، هو الذي كثيرا ما يقلب بجهله الفرح إلى ترح، والإنبساط إلى مأساة، وخصوصا في حفلات الأعراس التي يعبر بها عن الفرح باستعمال الأسلحة النارية، والتي كثيرا ما أدّت ولا تزال إلى مآس وويلات.

     وبطلة قصتنا اليوم التي نجح ابنها بدرجة أعلى من درجة السقوط بخمس درجات فقط، ولجهلها ولإظهار ردة فعلها أمام جيرانها وبصورة مبالغ فيها، جعلتها ترقص فرحا، ولا بأس في ذلك، ولكنه تعدى ذلك إلى إعطاء إبنها الصغير الذي لم يتجاوز السبع سنوات علبة مفرقعات؛ ليخرج الى الحارة، ويبدي الفرح بنجاح أخيه، وتخاطف الصغار المفرقعات وقاموا بإطلاقها، وكان أن أدّت إحداها الى فقد ابنها لثلاثة أصابع من يده، والله سلّم الباقين، وما حصل له كان يمكن أن يحصل لآخرين، ولكن شيخنا اكتفى بواحدة ليخفف عن قلوبنا شيئا من الألم الذى جلّاه واضحا بقول الولد لأمّه في المستشفى: هل ستنبت لي أصابع بدلها في المستقبل يا أمّي؟ كلمات تدمي أكثر القلوب قوة وقساوة. وهي أجمل وأكثر كلمات القصة تأثيرا في نفس الصغير والكبير، مما أعطى للقصة درجة عالية جدا في نظري كقارىء.

وقالت نزهة أبو غوش:

تناول الكاتب السلحوت في قصّته " زغرودة ودماء" ظاهرة خطيرة منتشرة في أوساطنا العربيّة، وهي استخدام المفرقعات النّاريّة للتّعبير عن الفرح، وذلك دون  أخذ  الحيطة والحذر، ودون التّعاون مع رجال الأمن في البيئة المنوي فيها استخدام هذه المفرقعات؛ بل يستخدمها الصغار والكبار بشكل عشوائي؛ مماّ يتسبّب بالكثير من الكوارث، والأذى.

في قصّة الأديب السلحوت قيم تربويّة تستحق التقدير، نحو المساعدة الّتي يقدم عليها أفراد المجتمع، يقدمون عليها دون نخوة من أحد، فهي عادات متسلسلة أبا عن جدّ في بيئاتنا الاجتماعيّة، وجميل أن تترسّخ في عقول أبنائنا . مثال على ذلك، مساعدة أحد رجال البلدة الّذي كان مارًا بالصدفة، حيث أخذ معه الطّفل رائد المصاب إِلى المستشفى وقال ص5:" الحقوني إِلى مستشفى المقاصد"، كذلك مساعدة الجارة لأمّ الطّفل حيث نقلتها بسيّارتها إِلى المقاصد حيث ابنها المصاب.

في قصّة " زغرودة ودمّاء" عمد الكاتب ابراز مظاهر الفرح في مجتمعنا، حيث تعدّدت الوسائل: أولا قفز الأم بالهواء مثل لاعب كرة السّلة، كذلك اطلاق الزغرودة في الفضاء عاليا، ونعف حبّات الشوكولاتة في الحارة؛ كي يلتقطها اطفال الحيّ. وعندما تكبر الفرحة وتتعاظم مثل نجاح طالب التوجيهي، فيجب أن تعمّ الفرحة البلدة بأسرها من خلال اطلاق المفرقعات في الفضاء. هل حاول الكبار مرّة أن يفتّشوا عن وسيلة للفرح غير اطلاق النار، الّذي يكتسبه عنهم أطفالهم بتعويضه بمفرقعات تملأ قلوبهم بهجة.  أرى بأنّ قصّة الأديب جميل السلحوت، ربما ستكون رادعا للأطفال ولذويهم للابتعاد عن هذه الطريقة البشعة الّتي يمارسها أبناؤنا.

أرى بأنّ توجّه الأمّ لإِطلاق المفرقعات، هو من باب التّرويج والمباهاة؛ كي تسدّ أفواه النّاس، ولا يقولون بأنّ ابنها قد سقط في التوجيهي؛ فهذه ثقافة فرضها المجتمع فتطورت على مرّ السنين، حتّى يخالها الغريب بأنّها من السنّة النّبويّة! فهناك عادات سلبيّة في المجتمع فرضت عليه ويصعب تغييرها، وعلينا ككّتاب أن نعمل على تثقيف الناس للابتعاد عنها شيئا فشيئا حتّى تنتهي بشكل كامل. فقصّة "زغرودة ودماء"  هي مبادرة جيّدة؛  لأنه من شدّة التّرويج لهذا النجاح سمعنا عن عدد  من الطلاب قد أقدموا على انهاء حياتهم.

على لسان إحدى شخصيّات القصة كان السؤال: ما هو معدّل زيد؟ فكانت الإجابة خمس وخمسون؛ هنا أرى بأنّ الكاتب أراد أن يدخل عنصر السخرية بهدف النّقد، وأراد أن يقول:  من المفارقة أن تطلق المفرقعات، لطالب حاصل على هذه العلامة المتدنّية. وأنا أقول بأن مربط الفرس ليس بقيمة المعدّل، حتى لو حصل الطّالب زيد على تسع وتسعين فهذا أيضا لا يبرّر ما حدث؛ لأن الفكرة يجب أن تؤكّد على عدم استخدام المفرقعات للأطفال أو اليافعين تحت أيّ ظرف كان.

هناك بعض العبارات الّتي استخدمها الكاتب، وقد لعبت على الجانب العاطفي للقارئ، حين سأل رائد والدته: هل ستنبت لي أصابع غيرها؟ كذلك حين سالت الدماء وملأت وجهه، وحين قطّب الأطبّاء الأوردة والشرايين؛ أرى بأنها صورة قاسية على الصغار، وربّما يحتملها اليافعون أكثر.

حين أفاقت الأمّ من غيبوبتها سألت: "هل مات رائد؟" ص6

أرى بأن هذه العبارة لا تناسب الأمّهات؛ لأن الأمّ لا تصدّق بأنّها قد فقدت ابنها حتّى ولو رأته فاقدا الحياة فعلا، ويبقى لديها الأمل في حياته.

 لفت نظري عنوان القصّة " زغرودة ودماء" الّذي حمل معنى التّناقض الّذي ألفناه في عناوين سابقة للكاتب، حيث عوّدنا على كتابة عناوين رواياته المختلفة على مدى سنوات مضت، نحو (برد الصيف، جحيم النعيم...وغيرها  ) حينها رأيت عمق ومغزى هذه العناوين؛ بينما الآن في قصّة الأطفال أو اليافعين لا أرى ضرورة ذكر الدّم رغم انّه جزء لا يتجزّأ من القصّة، بل هو محورها الرئيسيّ؛ لأن عنوان الدّم يمكن أن ينفر منه الطّفل، أو اليافع، فيخاف أو يتشاءم، فلا يقدم على قراءته، فكان من الأنسب اختيار عنوانا آخر يجذب القارئ.

الزّمان: في فترة اعلان نتائج الامتحانات لطلاب الثانوية العامة.

 المكان : مدينة القدس، حين ذكر الكاتب مستشفى المقاصد الخيرية.

 لغة القصّة مباشرة، سلسة واضحة للأطفال واليافعين، لا يوجد بها تعقيد. استخدم بعض العاميّة نحو: (الحقوني) بدل الحقوا بي

هناك بعض الأخطاء المطبعيّة : تكّرر اسم رائد مرّتين، الأولى بعمر التسع سنوات والأخرى بعمر السبع سنوات.

الاسم رائد في الفقرة الأخيرة كتب بالضمة بدل تنوين الضم.

وكتبت قمر منى:

لا شك بان أدب الأطفال يتطلب مهارة عالية في لفت انتباههم سواء في عنوان القصة، أو في المحور الذي تدور حوله أحداثها ، وأيضا من خلال الرسومات التوضيحية  التي تلعب دورا كبيرا في جذب الطفل ، بالإضافة الى الهدف من كتابتها بطريقة تصل الى ذهن الطفل بكل بساطة .

إستهل  الكاتب قصته بعنوان لافت جدا، وقوي التعبير إلا أنني أرى بأن كلمة دماء غير محبذة عند الأطفال، لكنه خفف الكلمة وسبقها بكلمة زغرودة، فكان العنوان ممزوجا ما بين الفرح والحزن .

تدور أحداث القصة حول:

  • إساءة التعبير عن الفرح خصوصا في المجتمعات العربية الشرقية ، وذلك  من خلال استعمال المفرقعات والألعاب النارية، التي مازال الأطفال والشباب أيضا يستحدمونها حتى يومنا هذا، كوسيلة لإخراج طاقتهم والشعور بالسعادة، رغم سَنّ بعض القوانين الرادعة والعقوبات للتخلص منها إلا أنها تستخدم وبكثرة في الأفراح وحفلات التخرج كالتوجيهي.

 

  • جهل الأهل وعدم الوعي الكافي عن خطورة هذه الألعاب على حياة أولادهم، عدا عن  هدرها للأموال دون فائدة .
  • وبالرغم من أن المعدل ليس مقياسا لإثبات نسبة ذكاء الطالب، ولا حتى اجتهاده خصوص في هذا الوقت، فالواسطات لها نصيب الأسد بذلك!ولكن نرى أن الكاتب تعمد في إظهار معدل الطالب، ولربما الغاية إثبات مدى التفاخر بالوصول الى أدنى المعدلات والتباهي بها، وأن الطالب الكسول غير الواثق من نجاحه، أو مذهول من نفسه عو عادة ما يحتفل بتجاوزه هذه المرحلة، التي كانت أصعب أيام حياته حسب رأيه؛ وكأنه ليس من حق من يمتلك معدلات متدنية أن يحتفل بالنجاح، ويقتصر فقط على من يحمل معدلات عالية، في جميع الأحوال استخدام المفرقعات محرم على جميع الجهات دون استثناء!
  • لازال هناك خوف من النجاح والرسوب خصوصا في مرحلة التوجيهي، وهي بالتأكيد مرحلة مهمة، لكن لا بد من تقليل الضغوطات على الطلاب والتخفيف عنهم  لاجتياز هذه المرحلة بسلاسة دون تعقيد .

 

  • أرى أن الأمّ في القصة هي من يقع على عاتقها جميع المسؤوليات ودائم ما يلاحقها اللوم والتقصير في تربية الأطفال، وهذا ما نراه في واقعنا حيث أن الأب هو آخر من يعلم، وقد تم ذكره في نهاية القصة بأنه حزين على ولده ، لذا لا بد من الحياة المشتركة لإنجاح عملية تربية الأطفال  فهي مسألة ليست سهلة، وإني أرى بأنّ التربية السليمة قليلة جدا.

وفي النهاية  ختم الكاتب القصة بتراجيديا فنية راسم لوحة حزينة عن الأمّ والطفل حينما سأل رائد أمّه "هل ستنبت لي أصابع جديدة بدل التي طيرتها المفرقعات؟ وفي هذا حث للأمّهات كي لا يغفلن عن أبنائهن.

ولا شك بأن إجابة الأمّ بأن أصوات المفرقعات تقلق راحة المرضى سواء في المستشفيات أو في البيوت ، فهناك أشخاص تسبب لهم الفوبيا وآخرون يتعرضون لوعكة صحية بسبب هذه الضوضاء التي لا يتحملونها، لذا التفكير بالآخرين ثقافة يجب التنويه بها، وصقلها في الجيل الجديد .

وكتب محمد موسى العويسات:

من المعروف أنّ للأديب السّلحوت عددا من الرّوايات للفتيان، وعددا من قصص الأطفال هذه تاسعتها. ومن المعلوم أيضا أنّ قصص الأطفال لديه قصص هادفة تأخذ المنحى التّربويّ الخالص، وباقي القيم من ترفيه ولغة وغيرها تأتي تبعا لهذا الهدف الكبير. غير أنّه في هذه القصّة بدا ناقدا مجتمعيّا، وهذا من الأساليب التربويّة المؤثّرة، فالقصّة وإن كانت موجّهة للأطفال، إلا أنّ فيها نقدا عظيما لتلك الظّاهرة الخطيرة التي يعانيها مجتمعنا، وهي إطلاق المفرقعات النّاريّة أو إطلاق الرّصاص الحيّ في كلّ مناسبة فرح، ولعلّ أكثر المناسبات التي تطلق فيها هذه المرفقعات أو الرّصاص هي الاحتفاء أو الاحتفال بنجاحات الثّانويّة العامّة، وهي من أكثر المناسبات التي تقع فيها الضّحايا، من قتل أو جرح أو حرق، فالقصّة جاءت ناقدة  لهذه الظّاهرة وناهية عنها إذ تناولت إحدى نتائجها، وهي بتر أصابع الطّفل رائد ابن التّسع السّنوات، الإبهام والسّبّابة والوسطى، الطّفل الذي كلّفته أمّه بإطلاق المفرقعات لنجاح أخيه زيد في الثّانويّة، وقد صوّر فيها الكاتب جهل الأمّ واستهتارها، وكان الكاتب ناقدا  في سخرية لاذعة لمّا أشار على لسان الأمّ بأنّ معدّل ابنها الذي اقتضى الزّغاريد وإطلاق المفرقعات وبتر أصابع أخيه الطّفل الصّغير هو خمس وخمسون درجة (علامة) من المائة، وهذه ظاهرة محسوسة ملموسة في أنّ أكثر النّاس مبالغة في الاحتفال بالنّجاح هم أصحاب المعدّلات المتدنّية. وكان الكاتب زاجرا مخوّفا من مثل هذه التصرّفات لمّا ختم قصّته  بسؤال الطّفل رائد لأمّه: " هل ستنبت لي أصابع جديدة...؟"، سؤال من طفل بريء يتفطّر له قلب الأمّ، وكأنّه يوجّه للوالدين أيضا. وكذلك إشارته أنّ النّاس في البلدة يحتفلون بالنّجاحات وزيد وأمّه وأبوه في المشفى يبكون.

القصّة قصيرة تناسب سنّ الطّفل وقدرته الزّمنيّة في القراءة أو الاستماع، وهي مكثّفة لا نجد فيها حدثا أو عبارة أو إشارة زائدة عن الغرض والمقصود، فتحصر ذهن الطّفل في الحدث والفكرة. وجاءت لغتها سهلة في الدّلالة والتّراكيب، وفيها أساليب لغويّة نافعة لائقة بمستوى الأطفال. ولو عدنا للعنوان لوجدناه يحمل مضمون القصّة، وهذه فنّيّة محسوبة لصاحبها، إذ يفهم منه أنّ هناك فرحا ينتهي بحزن وألم، والحقّ أنّ هذه القصّة تصلح نواة لقصّة قصيرة للفتيان وللكبار أيضا. وهناك ظواهر سلبيّة كثيرة يجب أن  نربّي أطفالنا على نبذها. ولا ننسى تميّز القصّة بالتّنسيق والصّور وجمال الألوان وتناسقها مع الأحداث.  ولا يسعني إلا أن أبارك لأديبنا أديب القدس هذا العمل النّافع، فدمت ودام عطاؤك.

غلاف زغرودة ودماء
 

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

اختيار الأديب السلحوت لطرحه موضوع المفرقعات وتأثيرها على المجتمع والفرد في قصته "زغرودة ودماء" لم يأت عبثا، فالسّماء تمطر بالمفرقعات في كلّ عام مع حلول نتائج الثانوية العامة التوجيهي، والنهايات تبدو حزينة أحيانا لتأثيرها السلبي في الضرر الملحق بالفرد عند إصابته أو الإزعاج الذي الذي يلحق بالجيران والمجتمع عامة.

المكان في مدينة القدس، يتأرجح ما بين البيت،الحي، مشفى المقاصد. أمّا الزمان  فهو الحاضر.

العنوان"زغرودة ودماء" يلخص القصة، مشهد الفرح والإنتقال لمشهد الدماء. والحزن، فالطفل على موعد الفرح والدّم المتوقع.

اعتمد الأديب في هذه القصة على الأُسلوب المباشر دون اللجوء لعنصر الخيال والمتعة للطفل، كما اعتمد على السّرد التصويري الواقعي.

غلبت على القصة، حالة الحزن، مشاهد الوجع والألم كإغماء أُمّ زيد وإصابة رائد بأصابعه الثلاثة ودخوله المشفى، استخدم الأفعال التي تدلّ على الحزن(يبكون-مات-حزينا-مذعورا، دموع)والنهاية كانت حزينة ،صورة المفارقة بين الحزن في المشفى والفرح باللعب بالمفرقعات النارية عند الأطفال. أرى أنّ هذه الحالة التراجيدية غير موفقة لنفسية الطفل، فالطفل ينتظر النهاية السعيدة التي ستخرجه من مشاهد الحزن تلك. إن هروب أُمّ زيد من السؤال التي طرحه رائد في نهاية القصة"هل  ستنبت لي أصابع جديدة بدل التي طيرتها المفرقعات؟" هو  بمثابة لغز للطفل يجعله يتساءل ويحتار بحزن ماذا سيحدث لرائد؟ إن الطفل يحتاج لإجابة شافية لا تربكه، ومن ناحية أُخرى فإن سؤال رائد هو موجه للكبار فهو صرخة في وجه المجتمع للكفّ عن مزاولة مهنة الفرح الدامي.

كان الأديب موفقا في جعل الذكر وليس الأُنثى من يشعل المفرقعات، ومن هنا منح  للقصة الواقعية والمصداقية، لأنّ الإناث لا يتعاملن مع المفرقعات.

 في سؤال أُمّ زيد عن رائد"هل مات" مبالغة غير مقنعة لكنها تشير لحجم القلق الذي ينتاب الأمّ تجاه ابنها.

استخدم الأديب الأفعال الماضية التي تبرز الحركة في القصة من أجل اظهار حالة القلق والخوف، والانتقال من حالة لأُخرى من خلال الوصف.

نلاحظ من خلال مراحل القصة غياب صوت رائد وظهور صوته وردّة فعله فقط في النهاية،وكأنه الشاهد الصامت على قصته.فقد تم التركيز على  حالته وتحركاته من خلال الوصف.

جاءت الرسومات جميلة، ولم تظهر صورة رائد في نهاية  القصة، بالرغم من ذكره زيارته لأخيه في المشفى.

ورد خطأ  مطبعي حيث ذكر أن عمر رائد ابن السنوات السبعة (صفحة 4)بينما في بداية القصة ذكر أنه ابن السنوات التسعة. وهذا التكرار في ذكر العمر لم يخدم القصة.

وقالت رائدة أبو الصوي:

القصة تثير الكثير من التساؤلات والتفكير حول أحداثها بداية من العنوان اللافت

"زغرودة ودماء". بداية قبل أن أشاهد صورة الغلاف اعتقدت أن في القصة شهيد.

ومن العادات السائدة لدى البعض إطلاق الزغاريد عند وداع الشهداء.

في الافراح تطلق الزغاريد وفي الترح تطلق الزغاريد، وفي كلتا الحالتين نوع من التفريغ العاطفي، والتعبير عن المشاعر القوية المشاعر الجياشة.

القصّة تحذّر الأطفال وأولياء الأمور من مخاطر الألعاب النارية.

الفكرة جديدة وغير مكررة.

جميلة جدا إشارة الكاتب الى العمر المستهدف في القصة، وجميلة تلك الحركات التي استخدمها الكاتب، فهي تعطي القصة (حياة ) عندما تطرح معلمة الصف القصة على الأطفال وتشحذ الخيال وتثير المشاعل، وتوجد إمكانية كبيرة لتمثيلها في الصف لترسيخ الفكرة؛ لإيصال الرسالة التي سعى إليها الكاتب.

في القصة عدة قيم منها: العطاء ومشاركة الفرح مع الأهل والجيران. التكافل الاجتماعي عندما وقع الحادث الأليم للطفل رائد ومساعدته من قبل أحد أبناء البلدة، ومساعدة إحدى الجارات والدة الطفل رائد ونقلها للمستشفى.

قدم الكاتب لفتة ذكية جدا عندما كتب نتيجة زيد شقيق رائد في الثانوية.

المعدل 55!

عندما سألت الجارة أمّ زيد عن معدله، لم تجب أمّ زيد الجارة وجها لوجه، بل وهي متجهة نحو الخزانة "دايرة ظهرها" كما نقول بالعامية.

الأمّ عندها ازدواج بالشخصية بالتفكير، عندها خجل من المعدل المنخفض لابنها، ومن ناحية أخرى  تحب الظهور.

هنا نقطة مهمة جدا وهي أن الامهات تقع عليهن مسؤولية كبيرة جدا . مسؤوليتهن المراقبة وعدم القبول بإطلاق المفرقعات في المناسبات . واكيد بقدروا . من باب ابدأ بنفسك

اذا كل أمّ حملت المسؤولية ومنعت أبناءها من استخدام الألعاب النارية بالتأكيد ستنتهي هذه الظاهرة السلبية .

ملاحظة: وقوع الأمّ وهي مغشي عليها وشق وجهها بأظافرها فيه مبالغة لم أستسغها.

وقالت دولت الجنيدي:

بأسلوبه الجميل ولغته السهلة وطريقة سرده المشوقة لمتابعة الأحداث كعادته في جميع قصصه ورواياته، قدم لنا أدينبا الكبير جميل السلحوت قصته للأطفال "زغرودة ودماء" ذات الثمانية صفحات التي ينطبق عليها قول ( خير الكلام ما قل ودل). حيث تطلق الأمّ سوسن زغرودة تعبر عن فرحها بنجاح ابنها زيد بمعدل ٥٥%، فيصحو ابنها رائد ابن السبع سنوات من نومه، وتعطيه صندوق مفرقعات ليطلقه ليعلم أهل البلدة بذلك النجاح، فتنفجر في يده وتطير له ثلاثة أصابع وينقل الى المستشفى ويتحول الفرح الى حزن .

هذه القصة تسلط الضوء على ظاهرة سلبية في مجتمعنا، وهي إطلاق المرفقعات والألعاب النارية في مناسبات النجاح في التوجيهي وفي مناسبات أخرى، وحتى إطلاق الرصاص في الأعراس، وتعطي درسا للكبار كما الصغار في اجتثاث هذه المظاهر السلبية من مجتمعنا؛ لتجنب الأذى لمطلقيها وعدم ازهاق الأرواح البريئة وتحويل الأفراح الى اتراح.

وكذلك عدم ازعاج المرضى في المستشفيات والناس النائمين  في بيوتهم .

مكان الحدث لهذه القصة مدينة القدس محور معظم قصص الأديب جميل السلحوت، وذكر مستشفى المقاصد وهو معلم صحي فيها .

رسومات القصة تتطابق مع المشاهد بألوان جميلة معبرة تشجع الأطفال على القراءة؛ والبقعة الحمراء في كل صفحة على شكل متفجر هي محور القصة وهي المفرقعات

مشاركة أهل الحي وأطفالهم أفراح بعضهم ونثر الحلوى على الأطفال.

مساندة الجارة للأمّ وإسعافها حين أغمي عليها. ونقل ابنها رائد الى المستشفى في أوّل سيارة مارة بالشارع.

تعليم الأطفال أسماء الأصابع التي طارت وهي الإبهام والسبابة والوسطى.

التعبير عن شدة الألم الذي أصاب الأمّ بمصاب ابنها حين سألها: هل ستنبت له أصابع جديدة بدل التي فقدها؟ فأجابته بالدموع بدل الكلام .

بدأت القصة بزغرودة فرح وانتهت بإيذاء رائد وبكاء جميع أفراد الأسرة، رائد والأمّ سوسن وابنها زيد والأب الذي كان دوره هامشيا في هذه القصة. كل هذا يؤكد على أنّ الجهل والتصرف غير المسؤول يحول الفرح الى حزن، والتأكيد على معالجة هذه المظاهر السلبية في المجتمع، والتعبير عن الفرح بأسلوب راقٍ بدل التصرف المتهور.

وكتبت هيا سيد احمد:

سأبدأُ بعنوان القصة المُمّيز فهو عنوان متناقض جدا ولافت للغاية، يغري الطفل لقراءة القصة سريعا؛ كي يجد أنّ القصة قصة نجاح طالب في الثّانوية العامة، وسعادة الأمّ، التي من الطبيعي أن تفرح لنجاح أولادها أكثر من فرحتها بنجاحها هي نفسها، مع التأكيد على اختلاف وسائل تعبيرنا عن الفرح من شخص لآخر، وفي القصة تحتفل الأمّ بنجاح ابنها بأن تطلب من ابنها الأصغر ابن السنوات التسعة أن يطلق المفرقعات احتفاء بنجاح شقيقه، دون الأخذ بعين الاعتبار الأضرار الكثيرة التي تتسبب بها المفرقعات مثل ازعاج الآخرين عدا عن صرف أموال دون مبرر حضاري مقنع، يضاف إليها الأضرار الجسدية المريعة من تشوّهات وفقدان أطراف.

في القصة يفقد الابن الأصغر ثلاثة من أصابعه بسبب المفرقعات وهذا بحدّ ذاته تحذير من خطورة استعمال المفرقعات.

وتهدف القصة إلى التحذير من أضرار المرفقعات، ومعروف أنّ السلحوت في كتاباته سبّاق في طرح مواضيع لم ينتبه لها كثيرون.

وأتمنى لو أن كل أمّ وأب وأولياء الأمور أن يقرأوا القصة قبل الصغار، فالقصة مُدهشة وتربوية.

وأنا شخصيا أؤكّد على ما جاء في القصة، وأدعو إلى التعبير عن الفرح بالغناء مثلا والرقص وتوزيع الحلوى، لا أن نحوّل أفراحنا لأحزان بسبب المفرقعات.

لدي ملاحظة واحدة على القصة وهي ذكر معدل الطالب المحتفى به وهو خمس وخمسون، لا أعرف الهدف من ذكر المعدل، وكأن فقط من يطلقون المرفقعات هم من حصلوا على معدّلات منخفضة، أو أنهم لا يستحقون الاحتفال. وأنا أرى الكثير سنويا ذوي المعدلات العالية يطلقون المرفقعات أيضا. فالوعي لا يكمنُ بالدرجات العالية.

وقد آلمتني كثيرا جملة تساؤل الطفل ضحية المفرقعات عندما سأل والدته: "هل ستنبتُ لي أصابع جديدة بدل التي طيرتها المفرقعات.؟

وفي النهاية أقول القصة رائعة وهامة وتستحق التعميم

وكتبت وفاء بيّاري:

قصّة قصيرة جاءت في ثماني صفحات تحاكي الأطفال، كما تحاكي الكبار أيضا وتعالج ظاهرة سلبيّة منتشرة بين أبناء شعبنا، ألا وهي (إطلاق المفرقعات) للتّعبير عن فرح ما كالنّجاح في الثّانويّة العامّة، أو حفل زواج، أو مولود جديد (ذكر)! أو الإفراج عن أسير محرّر من سجون الاحتلال .. إلخ. وأحيانا يصل الأمر إلى إطلاق رصاص حيّ، وما ينتج عن ذلك بالطّبع من أضرار وخيمة قد تصل إلى إزهاق أرواح بريئة، عدا عن ما تسبّبه من إزعاج للمرضى مثلا ولجيران الحيّ.

في القصّة يتأذّى رائد ابن التّسعة أعوام عندما طلبت منه والدته سوسن احضار صندوق مفرقعات؛ ليطلقها في عنان السّماء تعبيرا عن الفرحة بنجاح أخيه الذي هو ابنهازيد في الثّانويّة العامّة، والحاصل على معدّل (خمس وخمسين)، وهنا يفقد رائد  من جرّاء ذلك ثلاثا من أصابعه "الابهام والسّبّابه والوسطى، "وفي هذه المعلومة تعريف من قبل الكاتب  للطّفل بأسماء أصابع اليد."

القصّة لافتة من بدايتها بعنوانها المشوّق المؤلّف من ضدّين زغرودة، وتعني الفرح والدّماء تشير إلى الحزن.

جاءتت القصّة بلغة سهلة تناسب الأطفال، وسرد مشوّق في تسلسل مشاهده التي تصف الفرح ومن ثمّ الحزن.

مدينة القدس كانت حاضرة في القصّة( وهذا عادة ما يركز عليه الكاتب من خلال كتاباته لقدسية وأهمية المكان)، وذلك من خلال نقل رائد الى مستشفى جمعيّة المقاصد الخيريّة لتلقّي العلاج، وسؤاله لوالدته الذي يدمي القلب عن فقدان أصابعه:

هل ستنبت لي أصابع جديدة بدل التي طيّرتها المفرقعات؟

هذا عدا عن الرّسومات والألوان الجميلة التي تناسب كلّ مشهد من مشاهد القصّة، والتي بدورها تجذب الأطفال وتشدّهم لقراءة القصّة.

تحمل القصّة بين سطورها ومشاهدها رسالة اجتماعيّة هامّة، وهنا أتمنّى من الكاتب أن يكتب المزيد من هذه الرّسائل التّوعويّة في مجال أدب الأطفال، بفيض قلمه المبدع الذي اعتدناه دوما. وفي هذا المجال لا يسعني إلّا أن أتقدّم بجزيل الشّكر والامتنان للأديب القدير جميل السلحوت، متمنّية له دوام الابداع والعطاء المتميّز.

وكتبت اسراء عبوشي:

في ثماني صفحات وجّه الأديب المقدسي " جميل السلحوت" رسالة قيمة للكبار قبل الصغار، عالج ظاهرة خطيرة وصلت إلى بيوتنا وهددت أبناءنا، مراعيا طبيعة الأطفال الخاصة التي تقتضي أن نوجة لهم رسائل تربوية ضمنية بمهارة عالية، تراعي قدراتهم العقلية، وتشوقهم للعصف الذهني، وتمرر قيما أخلاقية بعيدا عن المباشرة في التوجيه وإسداء النصائح.

الفكرة الأساسية التي تدور حولها القصة تتمحور حول إطلاق المفرقعات في المناسبات السعيدة،  الشخصيات والأحداث والأماكن تتوافق مع فكرة القصة، فهي حدث بسيط يحدث غالبا وانتشر في مجتمعنا، وسبب الكثير من الخسائر.

  تبدأ القصة بفرحة غامرة تغمر الأمّ بسبب نجاح ابنها " زيد" بمعدل خمس وخمسين في الثانوية العامة، يتوالى السرد الشيق لتطلب الأمّ من ابنها الآخر رائد ابن السبعة أعوام أن يخرج ويطلق المفرقعات ابتهاجا بنجاح شقيقه" زيد"، لتتحول الفرحة إلى حزن، عندما انفجرت المفرقعات بيد زيد، ممّا سبّب بتر ثلاثة أصابع له.

 يثير الكاتب عاطفة القارئ حين يسأل " رائد" أمّه في المستشفى: هل ستنبت لي أصابع جديدة ، بدل التي طيّرتها المفرقعات؟

إنها صفعة موجهة للأمّ، حيث يُقدّم الكاتب الأم بصورة غير ما عهدناها منه، هو يُقدّم شريحة من الأمّهات المستهترات، ونتيجة استهتارهن يقع المحظور، يبدأ القصة بكلمة " قفز رائد مذعورا" على صراخ أمّه المدوّي، وحاله أخرى للأمّ استوقفتني " كانت تلطم وجهها الذي شقّقته بأظافرها" هي صورة مفزعة للأمّ، إضاءة على أن عاطفة الأمّ وتعبيرها عن الفرح والحزن ودلال أبنائها دون وعي قد يضرّ بهم وبها، طبيعي أن تكون ردة  فعل القارئ الطفل استهجان  استخدام المفرقعات وسيعزف عنها، ويتذكر زيد عندما يرى موقفا مماثلا، وكذلك الآباء والأمّهات، ستتحرك مشاعرهم الحريصة على سلامة أبنائهم .

كان جديرا بالأمّ أن تُعلم أبناءها أن الفرح ليس بإطلاق الألعاب النّارية، والموقف السلبي الآخر الذي طرحه الكاتب مبالغتها بالفرح ومعدل إبنها " زيد" متدنّ جدا "خمس وخمسون" الأخوة قدوة لبعضهم البعض، عندما يحصل الأخ الأكبر على معدل خمس وخمسين وتعلو الزغاريد وتوزع الشكولاتة الفاخرة، ويُحتفل به سيتعلم خوته الصغار أن لا داعي للمثابرة والاجتهاد، وسيكتفون بالحد الأدنى للنجاح.

رسومات القصة مشوقة، تتحرك فيها  الشخصيات، بألوان تعكس الزغرودة والدماء معا، ألوان فيها البهجة والفرح، ولا تخلو صفحة من قطرات الدّماء، صورة الغلاف  طفل جميل يقف بعيون واسعة مصدوماًوهو ينظر إلى المفرقعات، لم تعد هاجسه ولا سبب متعته بعد الآن، يضع يده على خاصرته وكأنه يتحدى شغفه فيها، في الصور الداخلية ترى الدهشة، والسعادة والاحتفال، وتنتهي بألم ودموع.

لغة القصة السهلة ومضمونها القيم وأسلوبها السلس، يُظهر قدرات الأديب ابن القدس، حيث يُذكّر الطفل بمدينة القدس في معظم رواياته الموجهة لهم، حبذا لو استمرت تلك الرسائل، ووجهت الطفل للتربية السليمة التي نحن بأمس الحاجة لها في هذا الوقت.

وكتبت صباح بشير:

تطرق القصة ظاهرة سلبية خطيرة تنتشر في مجتمعنا الفلسطيني، ألا وهي ظاهرة استخدام المفرقعات والألعاب النارية التي تُطلق وتتفاقم بصورة مقلقة في جميع المناسبات السعيدة، وتتسبب عادة في الكثير من الحوادث والخسائر المؤلمة.

تعتبر القصص من الوسائل التربوية الهامة؛ لترسيخ الكثير من الأفكار في عقول الأطفال، من هنا قدّم الكاتب حبكه متسلسلة شيقة، عمد فيها على إثراء لغة الطفل بالجديد من المفردات والعبارات، مبتعدا عن القصص الخرافية، تلك البعيدة عن الواقع، ملامسا بذلك اهتمامات الطفل بصورة تشجعه على السّؤال والبحث والاستنتاج، كما تثير شغفه وتكسبه الكثير من المعلومات.

العنوان "زغرودة ودماء": في هذه القصة كان العنوان ركنا أساسيا فقد شكّل صورة أوّلّيّة للأحداث حتى خاتمة العمل، وكشف عن سرّ التّرابط فيما بينهما، فكان العتبة الأولى للقصّة، حَمل الفكرة وعبّر عن النّصّ وكان هو المفتاح فساعد الى الوصول لبقية المعطيات .

 الحكاية والأحداث: تطلب الأمّ من الطفل “رائد” احضار صندوق المفرقعات وذلك لإطلاقها احتفالا وابتهاجا بنجاح الإبن الأكبر "زيد" بعد ذلك يتعرّض رائد للإصابة في يده، ويفقد ثلاثة أصابع، يتمّ نقله إلى المستشفى لمتابعة العلاج، تستمرّ الأحداث، يحزن الأهل ويسأل رائد والدته عن فقدان أصابعه قائلا: هل ستنبت لي أصابع جديدة بدل تلك التي طيّرَتها المفرقعات؟

الجانب الاجتماعي: تثير أحداث القصة تفكير الطفل وتلفت انتباهه لضرر تلك المفرقعات النارية، وتساعد على غرس المبادئ السليمة في نفسه، كما تعالج بعض المفاهيم وتحفزه على التفكير وَتَفَحُص صحة العادات والسلوكيات والتصرفات من حوله، مما ينمي الاتجاهات الإيجابية للطفل نحو مجتمعه ويشعره بالانتماء، ويكسبه مهارات اجتماعية في الاتصال والتواصل مع الأحداث من حوله. هنا يتحقق ما رمى اليه الكاتب من تطوير لشخصية هذا الصغير ومستوى وعيه وإدراكه.

الجانب العاطفيّ: احتوت القصة على استثارة ما لتلك النزعة الإنسانية الكريمة في نفس الطفل، فَتَتابُع الفكرة الرئيسيّة دون وجود أحداث جانبيّة مشوّشة عليها، يساعد على النّموّ الإنفعالي للقارئ الصّغير، ويبث العواطف النّبيلة، ويدفع بالطّفل إلى حبّ الخير وانتهاج التّصرّف الصّحيح، كذلك ويثير لديه حسّ المشاركة الوجدانيّة والقدرة على تفهّم مواقف الآخرين ومشاعرهم وأحاسيسهم، ويطوّر شعوره بالتّعاطف من خلال استخدام خياله لتصوير مختلف الشّخصيّات التي برزت في القصّة، فتنمو لديه القدرة على الرّبط والاستنتاج.

الجانب الفنّيّ: وعن رسومات القصّة فهي جميله ومعبِّرةٌ، حيث تجسّد أحداثَ ومشاهد القصّة وتعبّر عن شخصيّاتها المختلفة بألوان مبهجة جذّابة، ممّا يساعد على فهم النّصّ، كما يضيف إليه حوارا محبّبا مميّزا، ويبدو ذلك بوضوح بين الألوان وتوافقها وبين الفكرة وسطورها.

المكان: تدور أحداث القصّة في مدينة القدس، ويظهر ذلك بوضوح عند نقل الطفل رائد الى مستشفى المقاصد لتلقّي العلاج.

الفئة العمريّة: لجميع أجيال الطفولة واليافعين.

مساحة للنقاش: لقد طرح الكاتب من خلال هذه القصّة قضيّة حوادث الإهمال والاستهتار والتّقصير في حماية الأطفال، وكأنّه يناشد الأسرة أن تستعيد دورها الحقيقيّ في التّنشئة الاجتماعيّة السّليمة وحماية أطفالها من الحوادث، فإهمال الآباء والأمّهات في رعاية أطفالهم دائما ما ينتهى بمأساة أو كارثة حقيقية! فالأطفال هم الأمل المنشود لمستقبل الغد، وإهمال رعايتهم قد يعرّضهم للخطر أو ينهى حياتهم! أطفالنا يستحقّون رعايتنا، لنجهّز لهم المستقبل ولنصنع لهم الفرح.

كلمة أخيرة: هذه القصّةُ ناجحة جدّا وتحتوي على كلُّ المعطيات التي تمنحها التّميّز، لذا تستحقُّ أن تعتمدها المناهج الدّراسيّة، وأن تُوضَعَ في كتب الأطفال، فأطفالنا اليوم بحاجة ماسّة إلى مثل هذه القصص التّربويّة الهادفة.

ومن طولكرم كتبت نائلة أبو طاحون:      

التناقض في عنوان القصة لافت للكبير قبل الصغير... وهي وإن جاءت بلغة بسيطة وبحلة طفولية توجه رسالتها للأهالي،  فهم من يحتفون بنجاح أبنائهم وهم من يغدقون الأموال على شراء المفرقعات، التي لا تضيف لفرحتهم شيئا.. عدا عمّا تسببه المفرقعات في الأفراح من حوادث أليمة.. كما جاء في هذه القصة.

       ‏فالأمّ التي تودّ التعبير عن فرحتها بنجاح ابنها، تطلب من ابنها الصغير الذي لم يتجاوز التاسعة من عمره إطلاق المفرقعات ابتهاجا بنجاح أخيه، دون أن تدرك ما في ذلك من خطورة عليه.. وكأن الفرحة أنستها أمومتها وأنستها حرصها الشديد على أبنائها.. ثمّ تكون الفاجعة ..فالصغير ابن التاسعة بترت أصابعه الثلاثة.. ونطق عبارته التي أدمت القلوب جميعا "هل ستنبتُ لي أصابع جديدة؟"'

ونرى أن العائلة التي غمرها الفرح ذلك النهار لوهلة أمضت ليلتها في المشفى ما بين حزن وبكاء وقلوب كسيرة دون جبيرة.

     أتمنى أن يعتبر الكبار من هذه القصة.. فكثيرا ما انقلبت أفراحنا أتراحا نتيجة للجهل وعدم المسؤولية والمباهاة والتقليد الأعمى... ونحن في ظروفنا وما نعانيه اشدّ ما نكون للسعادة والفرح.

     ‏وأودّ أن أقول لنا من التراث الذي نعتز به الكثير الكثير من الأغاني والأهازيج المعبرة عن الفرح..  ليتنا نعود إليها فنحيي تراثنا الذي أوشك، أن يضيع أو يُنسى  

     ‏في النهاية القصة تحمل رسالة تربوية توعوية موجهة للجميع.. أشكر الكاتب جميل السلحوت على إبداعه وطرحه لقضايانا الاجتماعيه التي قلّ تناولها...بأسلوبه السهل الممتنع وبلغته الشيقة.    

ومن جنين كتب عمر عبد الرحمن نمر:

لا شك أن لأدب الأطفال سماته وخصائصه، وهذا يتبع أكثر من شرط لتحقيق الهدف من كتابته، فهو يخضع الكاتب للرسالة، والشكل اللذيْن يناسبان الفئة العمرية للأطفال، وفي آلية تقديم الرسالة بعباراتها المشوقة، وألفاظها البسيطة المعبرة، ورسوماتها الدالة على الحدث وتسلسله... ولدى قراءتي للمنجز النّصّيّ " زغرودة ودماء" لجميل السلحوت، وجدت توفر هذه الشروط في الصفحات الثماني التي شكلت الحكاية... فالمبنى واضح، مزين بالصور، والمعنى سامٍ، واقعي، يشكل رسالة مهمة وضرورية للأهل، وينبني على ذلك تخلخل السلوكات عندهم... وتغيير في المفاهيم والقناعات.

السؤال الذي تطرحه رسالة الحكاية يتجسد في: هل قصة " زغرودة ودماء "  حكاية للأطفال والأطفال فقط... أم هي تلائم الكبير قبل الصغير... إن الناظر للواقع الذي نعيشه، والمتأمل في أساليب أفراحنا، سواء أكانت في حفلات زواج، أم نجاح، أم خروج أسير من المعتقل، أو... إلخ... يدرك دون أدنى شك، أن العقلية العربية (في الغالب) يرتبط فرحها بإطلاق الرصاص والذخائر الحية، أو إطلاق المفرقعات وذاك أضعف الإيمان... رغم المآسي التي تخلفها هذه المفرقعات... وتحويل الفرح إلى صور من الأحزان المؤلمة.

نعم، لقد عالجت القصة هذه المسألة السلبية التي يمارسها شعبنا، وترى فيها المتعلم يسلك سلوك الأمي في النهج نفسه...وكأن الفرح لا يستقيم ولا يكتمل دون مفرقعات، أو ذخيرة.

لقد قامت القصةة على الثائيات الضدية، تلك الثنائيات التي اشتقت من ثنائية: الفرح/ الحزن، أو الحياة/ الموت...

فإن كانت الزغرودة دالة على النجاح، وقرينة الفرح، فإن الدماء دالة على الحزن وقرينة الترح. وفي رحم هذه الثنائية، تولد عنوان الحكاية... من جملة إسمية حذف خبرها، أو مبتدؤها، وجاء العطف بجملة إسمية أخرى ماثلت الأولى في البناء، لكنها كانت ضدية في المعنى... نعم لقد كثف السارد عنوان نصه في كلمتين اثنتين... مثلتا أخبار الفرح والمآسي... واتكأت المآسي والأحزان على الفرح... ومن الثنائيات الضدية أيضا: الشوكولاتة والمفرقعات، واللعب وبتر الأصابع... وأرى أن هذه الثنائيات قد حققت وظيفتها في توصيل الرسالة سواء أكانت للأهل أم لأطفالهم.

ومن يذرع فضاء النص، يستطيع وبسهولة أن يرى الصور الناطقة، المتحركة بحيويتها وطاقتها البدهية تلك التي تتوافق وحركة الأطفال وطاقتهم... استهلها السرد بصورة سمعية مفاجئة " سمع رائد صرخة مدوية من أمّه" ثم تلا ذلك صورة حركية بصرية مفاجئة أيضا " رأى أمه تقفز في الفضاء، مثل لاعب كرة سلة ماهر، فاز فريقه في المباراة" يتبع ذلك: صور تجمع الجيران والأطفال، وتوزيع الشوكولاتة والسكاكر... وختامها عملية اللعب بالمفرقعات، وما سببه ذلك من حادث مأساوي. ويمكننا تلخيص صور الأحداث ومساراتها  في مشاهد مفصلية:

  • مشهد الفرح لسماع نجاح الابن، والتأكيد على هذا النجاح، بتوكيد لفظي للخبر السار: نجح زيد... نجح زيد.
  • مشهد تجمع النساء والأطفال المهنئين بالنجاح، والفرحين به، حتى لو كان معدل الابن لا يتجاوز 55%.
  • مشهد إطلاق المفرقعات، إعلانا لهذا النجاح واحتفاء به.
  • مشهد تحول الفرح إلى حزن، بل الحزن المدقع، وتكثف ذلك بسؤال رائد عندما أفاق من بنج العملية " عندما أفاق رائد من البنج، سأل: هل ستنبت لي أصابع جديدة، بدل التي طيّرتها المفرقعات؟ ".

من الملاحظ أن شخوص القصة كانت نموذجية، فيمكن أن يستلم البطولة أي عائلة، تحتفي بمناسبة فرحة، كأن ينجح ابنها في امتحان ما، خصوصا في التوجيهي، ويمكن أن يكون المصاب أي طفل في المجتمع... كما أن زمان أحداث الحكاية زمان عام، غير مقيد بتواريخ، إلا تاريخ مناسبة الفرح... واللافت في أمر المكان، أن القدس الشريف هي بوتقة التفاعل السردي، وما ذِكْر مستشفى المقاصد في القدس إلا تأكيد على هذا المكان.

بقي أن نقول: إن الكاتب " جميل السلحوت " استطاع وباقتدار أن يوصل رسالة اجتماعية مهمة، بناها بمعمارية فنية رائعة من خلال الاتكاء على الرسومات، والعبارات القصيرة التي تشي بحركة الأطفال، وتلك النتيجة التراجيدية التي وصلت وعي المتلقي (الأهل) وحاولت تغيير قناعاته ومسلكياته... ولا عجب في ذلك، فالكاتب السلحوت يمتلك أدواته الفنية، ومضامينه الاجتماعية، ويمتلك خبرة كافية في الكتابة للأطفال، وله في ذلك تجارب وإنجازات كثيرة.

ومن نابلس كتب رائد محمد الحواري:

أدب الأطفال له خصوصية وطريقة تقديم مغايره مغايرة عن تلك التي تكون في أدب الراشدين، فالفكرة في أدب الأطفال تبقى عنصرا أساسيا في القصة، إضافة إلى المتعة التي يجب أن يجدها الطفل في القصة، فالعلاقة بين الفكرة وطريقة التقديم مهمة وأساسية؛ لتكون القصة منسجمة مع عقلية الطفل.

العنوان مثير، "زغرودة ودماء"، ورغم أن لفظ "دماء" قاس على الأطفال، إلا أن القاص خففه باللفظ الذي سبقه "زغرودة" وبهذا يكون قد (محا) وأزال القسوة من العنوان، يضاف إلى هذا الألوان والرسوم الجميلة التي لازمت أحداث القصة، وهذا يأخذنا إلى متن القصة، هناك زغرودة/فرح  ومأساة/قسوة، لكن البداية كانت للفرح، بسبب نجاح "زيد"،  لكن الفرح لم يتم التعامل معه بطريقة صحيحة، لأن أمّه "سوسن أخرجت علبة المفرقعات وأعطتها لشقيقه الطفل "رائد" ليفرقعها في الخارج، لكنها تفجرت في يده، ممّا تسبب ببتر ثلاثة أصابع، وهنا ينقلب الفرح إلى مأساة بسبب جهل "سوسن."

واللافت في القصة أن القاص  مهّد المتلقي لمعرفة أن هناك حدثا قاسيا، سيأتي فقد افتتح القصة بهذا الشكل: "قفز رائد ابن السنوات التسعة من فراشه مذعورا عندما سمع صرخة مدوية من والدته، رآها تقفز  في الفضاء فرحة" الفاتحة توحي وتمهّد للطفل أن هناك أمّا لا تحسن التعبير عن فرحها، فعبرت عن الفرح بالصرخة التي أخافته وأرعبته.

وأيضا هناك تمهيد آخر يشير إلى جهل "سوسن" جاء متعلقا بسبب الفرحة: "..كم معدله؟

أمّ زيد: خمسة وخمسون" وهذا يعلمنا  حجم الغباء والمغالاة في ردة فعلها،

وبهذا يكون القاص قد رسم طبيعة الشخصية التي تسببت بمأساة ابنها "رائد" بطريقة سلسة.

وفي نهاية القصة، نجد عقلية الطفل والطريقة التي يفكر بها، فعندما سأل "رائد" أمّه: "هل ستنبت لي أصابع جديدة بدل التي طيرتها المفرقعات" وهذا السؤال كاف بحد ذاته، ليعلم الأطفال أن اللعب بالمفرقعات خطر ويؤدي إلى كوارث،

دائما أدباء القدس  يذكرون مدينتهم، ويؤكدون على حضورها في وجدانهم، يذكر القاصّ أن المستشفى الذي ذهب إليه  الطفل "رائد" بعد الإصابة هو مستشفى المقاصد الخيرية في القدس: "الحقوني إلى مستشفى المقاصد" وهذا يحسب للقاص الذى أكد على فلسطينية المدينة.

 

 

 

 

 

 

 

   

 

 

 

 

 

 

المصدر: - القدس المحتلة - ديمة جمعة السمان