- عمر حلمي الغول
الانتخابات العامة او الخاصة، هي جزء لا يتجزأ من منظومة القيم الديمقراطية، ومرتبطة ارتباطا عميقا بالإلتزام بالنظام والدستور، ووفق ما رسخه العقد الإجتماعي بين البنائين الفوقي والتحتي من احكام وضوابط لانتظام صيرورة العلاقة البينية بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، والإحتكام لمبدأ التداول السلمي للسلطة بمستوياتها المختلفة. وبالتالي يصبح التقيد باللوائح المنظمة للعلاقات البينية بينهما شرطا ضروريا لديمومة العملية الديمقراطية. وارتباطا بذلك لا يمكن فصل الانتخابات العامة على مستوى الشعب عنها داخل نقابة او اتحاد شعبي او حزب، والعكس صحيح. لإن إختزال الإنتخابات في إطار بعينه دون الجوانب الاخرى العامة والخاصة يعكس سياسة احادية الجانب، وإنتقائية تهدد المنظومة الدستورية برمتها، وتكشف عن خواء وإفلاس قيمي وقانوني ومجتمعي وثقافي، وتنفي الطابع الديمقراطي عن المجتمع والدولة والشعب. كون الامور تقاس بتجذر وتعميم الديمقراطية في مركبات المجتمع، وليس في زاوية من زواياه، ولإن السقوط في متاهة الفصل الميكانيكي بين مكونات العملية الديمقراطية فيه استباحة لها، وانتقاص من دورها، وتشويه لاهميتها في المجتمع.
ما تقدم له عميق الصلة بتجربة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين عموما، وفرعها الفلسطيني / حركة حماس خصوصا، ومفارقة العلاقة مع الإنتخابات، ففروع الجماعة تجري إنتخابات دورية وفق لوائحها الداخلية كل اربع سنوات لإنتخابات المرشد أو المراقب العام أو امير الجماعة او رئيس التنظيم او الحركة. ولكنها ترفض من حيث المبدأ إجراء الإنتخابات في النقابات والاتحادات الشعبية وعلى المستوى الوطني، ولا تقبل بها إلآ مرغمة، ووفق حسابات دقيقة، وأرتباطا باجندتها الخاصة والعامة. وهذا ما لمسناه في تجارب فروع الجماعة في مصر وتونس وفلسطين وحيثما وجد فرعا للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين. ولو عدنا لتجربة حكم الاخوان في مصر (2011/ 2012) اثناء تولي الرئيس المرحوم محمد مرسي العياط، لرأينا، انهم قاموا بالانقلاب على دستور البلاد عبر الإستفتاء على الاعلان الدستوري، الذي اضطر لإلغائه تحت ضغط الشعب وقبل رحيله عن كرسي الحكم.
وهذا ما فعلته حركة النهضة في تونس، التي حاولت إختطاف الحكم، ومازالت تحاول فرض وصايتها على النظام السياسي التونسي حتى الان ووفق مبدأ وتكتيك "الخطوة خطوة" المتدحرج لتغيير كل مكونات النظام بعد ان فشلت حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض من نهاية 2011 حتى 2014، مما ارغمها على التراجع عن تبوأ مركز الصدارة بعد افتضاح مخططها وتحت ضغط الشعب عموما والنساء خصوصا.
وعلى المستوى الفلسطيني وبعدما فازت حركة حماس في انتخابات 2006، اصرت على تشكيل حكومتها الحمساوية الخالصة العاشرة، ورفضت بعد ذلك إجراء الإنتخابات، واعتبرت حكومتها ربانية، وأَولت الايات القرآنية، واحاديث السنة النبوية، لتسقط قرارها وخيارها اللاديمقراطي، والرافض للعملية الديمقراطية بمختلف عناوينها ومستوياتها، وللشراكة السياسية، وللتعددية الحزبية، وتمثل ذلك مباشرة بانقلابها على حكومة الوحدة الوطنية، التي تشكلت في اعقاب اتفاق مكة شباط / فبراير 2007 وبعد اربع شهور، اي في حزيران / يونيو 2007، وفرضت سيطرتها على محافظات قطاع غزة بالبارود والنار والحديد، وتكميم الأفواه، وفصل النساء عن الرجال، وإختطاف القانون ونهب الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة بسلسلة طويلة لم تنتهِ حتى الان من الضرائب... إلخ
هنا نلحظ مفارقة بغض النظر عن لوائحها الداخلية وسياساتها على المستوى العام واجنداتها المحلية والعربية والإسلاموية والدولية، فهي من جهة تجري انتخابات دورية كل اربع سنوات لهيئاتها القيادية بمستوياتها المختلفة، والتي مازالت تجري على المستوى العام هذة الايام، بعد ان انهت انتخاباتها في اقيم قطاع غزة يوم الاربعاء الماضي (10/3/2021). ولكنها في ذات الوقت مارست ابشع اشكال البطش والتنكيل والقتل بالشعب وخاصة من منتسبي حركة فتح وفصائل العمل الوطني، ورفضت اجراء الإنتخابات في النقابات والإتحادات، وعلى المستوى الوطني طيلة الخمسة عشر عاما الماضية. وما قبولها مؤخرا المشاركة في الإنتخابات القادمة (22/5) ألآ تحت ضغط قوى عربية واسلاموية ودولية، وإرتباطا باجندتها الإقليمية وبما يخدم دورها الوظيفي. وهو ما يكشف عن عمق ازمتها، ورفضها من حيث المبدأ للديمقراطية ومنظومتها ككل، وبالتالي إجراء الإنتخابات الداخلية ووفق معاييرها الخاصة لا يعطيها مصداقية، ولا اية ميزة لها على القوى الوطنية والديمقراطية، رغم كل نواقصها ومثالبها وازماتها البنيوية العميقة، ويميط اللثام عن وجه الحركة والتنظيم الدولي الاخواني المعادي للديمقراطية، حتى لو كل يوم غيرت زعيما جديدا، لإن الديمقراطية كل لا يتجزأ.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت