- د. طلال الشريف
في ١٢ إبريل ٢٠٢١، أي بعد أقل من شهر، سيكون قد مضى عام على مقالي " حماس ستتلاشى بعد عامين" ، هذا المقال الذي هاجمني الحمساويون بطريقتهم المعهودة بشدة في حينه، أذكر هنا من خلاصة المقال والملاحظة التي وددت فيها كتابة المقال الثاني حينها والذي لم أكتبه بسبب الموقف المتشنج من غالبية حماس، أقتبس هنا نهاية المقال
""حماس بعد أكثر من عشرين عام على إنطلاقتها وتماسكها الخادع، لم تكسب دولة غربية أو لاتينية أو أفريقية أو آسيوية، أو أي منظمة دولية "غير دول الإخوان" وتسقط من خارجها، وعليها بحث طرق البقاء والتغيير الجذري خلال عامين من الآن، وإلا ستكون في خبر كان، والعالم يتغير بعد كورونا، ولكن أيضا ليس لصالح الأحزاب والحركات والدولة الدينية المنغلقة ، بل لصالح الأحزاب والحركات والدولة الوطنية المنفتحة على العالم،، فهل من منتصح؟؟
ملاحظة:
لماذا بعد عامين ستتلاشى حماس هو مقال جديد آخر يتعلق بحركة الجديد في المنطقة ما بعد كورونا وتشكل اسرائيل الجديدة بعد جولات 3 للإنتخابات، وغياب عباس عن الساحة، وتحولات المنطقة الأكثر وضوحا، وإنتهاءاً بحروب العامين القادمين."" .... إنتهى الاقتباس
نعود لعنوان المقال وهو السنوار
لم ألتق بهذا الرجل في أي حوار، بل شاهدته مرة في احتفال بقميص أبيض وعيون يمكن قراءتها عن بعد المترين التي فصلت بيني وبينه دون معرفة في الأصل ودون كلام، وقبل أن تشتهر سمعته ومواقفه بين الجمهور ، وكانت تلك الدقائق التي استمعت حينها لكلمته الموجزة التي تحدث فيها لجمهور الحضور الذي غلب عليه سياسيين ومثقفين ورجال أعمال بعدد ليس بالكبير، وبالرغم من حداثة انتخابه والتي يغلب عليها بشكل عام لأي قائد كبير جديد على موقع القيادة أن يكون خطابه ناريا ومتزمتاً لإرضاء من منحوه الثقة، إلا أنني أذكر أن الرجل كان يتحدث بهدوء ودون شعبوية، ولا أتذكر كلماته بالضبط لأذكرها هنا، لكن حدث لدي إنطباع أن لا هو صقر كما صور البعض ذلك، ولا هو من الحمائم، بل هو نموذج جديد حتى في هيئته المختلفة عن غالبية قادة حماس تربيعة الوجه وإمتلاء الجسم، حتى خلته في تلك اللحظات أنه أقرب شكلا وهيأة وحديثا لعناصر وقادة حركة الجهاد الاسلامي، وخرجت بانطباع لا أدري كيف، أننا في غزة أمام قائد أقرب للوطنيين من الإسلاميين وأنه سياسي أكثر منه عسكري، ولهذا كنت مرتاحا بشعور أن غزة قد لا تتعرض لحرب قادمة.
في فترة قيادته الأولى وتماشيا مع حدسي الأول، فعلا لم تتعرض غزة للحرب وهذا ليس ليس انطباعا عن ضعف في الرجل، لقناعتي بألا يصل لهذا المنصب رجل من الحمائم، بل أراها كانت عنصر قوة لحكمة الرجل قد لا يشعر بها غالبية الحمساويين ولم يستنتجوها، بأن هذا النموذج للقائد قد أنقذ حماس من التلاشي كما كتبت في مقالي، لأنه أدار القيادة بوعي سابق لوعي الآخرين، رغم ما يدور لدى تنظيم حماس من تحكم مجلس الشورى في قرار الحرب والسلام، لقناعتي أيضا أن حنكة القائد هي الأكثر أثرا من مجلس الشورى وعليه، بعكس ما تردد في شباط ٢٠١٧ بعد انتخاب السنوار قائدا لحماس في قطاع غزة، كان يرى كثيرون في اختيار السنوار تزايدا لسلطة الجناح المسلح للحركة على حساب الجناح السياسي، بحكم تاريخه العسكري وعلاقاته منذ شكل جهاز "مجد" الأمني.
مضى عام على توقعي بتلاشي حماس، وبقي عام آخر، أدار قائد حماس في ساحة المواجهة مع الاحتلال في قطاع غزة بجدارة من حيث تفويت فرص للحرب، جنب فيها غزة وحماس حتى الآن من حرب شرسة كما يهدد بها الاحتلال، وبأنها حرب ستقرر مصير حماس، وها هو السنوار ينتخب من جديد وما الصعوبة التي واجهها في تلك الانتخابات إلا نهاية مرحلة بقايا رافضي نهج السنوار الذي في اعتقادي كان هو العنصر الأهم في منع تهديد مصير حماس حتى الآن، ولذلك هل ينجح السنوار في الحفاظ على حماس بنفس النهج في هذا العام؟
سؤال بإعتقادي إجابته مرتبطة بتواصل الانفتاح، والسعي لعملية المصالحة، وإجراء الانتخابات، ودخول حماس منظمة التحرير، لتبدأ حماس والنظام السياسي الجديد مرحلة جديدة سيغلب عليها طابع السياسة الأعمق بجانب المقاومة الشعبية إذا لزم أمرها، إذا لم تجر عملية الحل بإنسحاب الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ويكتب النجاح للجهود القادمة للعرب بمنع مصادرة الأراضي التي جاءت في صفقة ترامب.
إستمرار نهج السنوار بإدارة استراتيجية سياسية للعسكر، واستمرار الانفتاح على فتح والتيار الاصلاحي والاحزاب الفلسطينية الاخرى، رغم الخلافات الأيديولوجية، وكذلك الحفاظ على استمرار العلاقة المسؤولة مع القاهرة، سيساعد في ذلك نهج الانفتاح الأوسع لحركة قائد حماس اسماعيل هنية، كل ذلك قلل من عنصرين هامين كانا ولا يزالان بالمناسبة عنصري التهديد لمصير حماس، ونؤكد عليهما، الأول الأفق المغلق من دول الجوار والاقليم والعالم الذي يتحرك فيه هنية ويحتاج مرونة أكثر بعيدا عن الاخوان ، والثاني منع الحرب الشرسة على غزة وعلى حماس الذي أدارها السنوار بنجاح ، وهما ما حذرت في مقالي منهما، وهاجمني على أثره كثير من الحمساويين في حينه، وها هم يعملون بمضمونه، فبقيت حماس ولم تقم حرب..
أما الشأن الداخلي الذي يعيب حمساويون على المرحلة التي ظهرت فيها بعض الانفلاتات وتنامي المصالح الشخصية ويريدون اخفائها، أو ضبطها، فأرى عكس ما يدعو له البعض من حماس، فضبطها جائز بالنظام والقانون أما اخفائها فلن يحدث وكلما زاد الانفتاح تعزل تلك الظاهرة، ويجب أن تفتح حماس الباب واسعا للديمقراطية وحرية الرأي بعيدا عن تجربة الإخوان التي كانت كلما انفتح جزء منها على الآخرين يأتي من يغلقها حتى أصبح عمر الحركة ما يقارب القرن من الزمان وهي في حالة صعود مفاجيء، وهبوط أكثر مفاجأة من الصعود، وأساسه غياب الديمقراطية داخليا وغياب الاعتراف بإختلاف البشر الذي يؤدي للأنانوية وتخوين وتكفير وعداوة الآخرين.
ملاحظة:
لا تعني الخلفية الأمنية أو العسكرية للقائد أنه متشدد أو متطرف، خاصة إذا توفرت له كاريزما القيادة وارتفاع منسوب الوعي السياسي، بل في نماذج كانت الخلفية الأمنية والوعي السياسي عناصر قوة وكشف للكاريزما كما رأيناها في السنوار ودحلان وقبلهما أبو جهاد خليل الوزير وباتوا ثلاثتهم مؤثرين جماهيريا وسياسيا أكثر من غيرهم... وبالمناسبة يمكن ملاحظة تلك الظاهرة في القادة العسكريين الاسرائيليين بعد انتهاء خدمتهم العسكرية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت