- بقلم علي بدوان
نعود الآن أكياس الحليب الموجودة في السلل الغذائية التي يتم توزيعها حالياً، نظراً لأهميتها عند جمهور لاجئي فلسطين في سوريا. وقد عادت أمهاتنا وأخواتنا من جديد لإنتاج (اللبن) و (اللبنة) من أكياس الحليب الجاف الموجودة في السلل الغذائية التي توزعها الوكالة، بعد سنوات من ضمور تلك العملية وإختفائها.
عودة أهمية حليب الأونروا بأكياسه الجافة الآن، تأتي في سياق غلاء الأسعار الكبير في المشتقات الناتجة عن معالجة الحليب خصوصاً منها (اللبن الرائب) الذي تضاعفت أسعاره عن عام مضى.
عودة حليب الوكالة لتصدّر المشهد، يعيدنا من جديد لمراكز توزيع الحليب في المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، والتي توقفت على أبواب الثمانينيات. ففي اليرموك كان مركز توزيع الحليب في البداية في حارة الفدائية وبالتحديد في مبنى روضة القدس (التي دُمرت خلال المحنة الأخيرة)، وأنتقل المركز بعد العام 1967 إلى مكانه الكبير في المكان المقام عليه الآن مبنى مقسم هاتف اليرموك. حيث كانت مُهمة المركز توزيع الحليب السائل على جمهور اللاجئين الفلسطينيين وكلٌ حسب عدد الأطفال في (كرت) كل عائلة (الكرت الأزرق). (كان حليب الأونروا عنواناً هاماً في مد العائلات الفلسطينية بالدعم الغذائي، حيث كانت عملية الإستلام تتم في الصباح الباكر قبل شروق الشمس، في الطابور على الدور، ليتم تسليم البطاقة للموظف من النافذة فيوقعها ثم يصرخ خمسة وطفل أو ستة أو أربعة وذلك حسب إستحقاق العائلة، وأما حليب الطفل فهو حليب مُدعم للطفل الذي يقل عمره عن سنتين، ويسكب الحليب في الوعاء المخصص لكل عائلة تجلبه مسبقاً معها من البيت.
حليب الوكالة، كان أيضاً غذاءاً مميزاً في الصباح الباكر قبل ذهاب الأطفال للمدارس، فوجبة الفطور تحظى بحضور الحليب بعد أن تتم عملية تحليته بسكّر الوكالة، ويُفَتُ به الخبز الفلسطيني.
حليب الوكالة، كان يلاحقنا إلى المدارس، فكلُ طالبٍ وتلميذ عليه أن يشرَبَ كوباً من الحليب صباح كل يوم في المدرسة قبل الدخول إلى الصف، حيث يبدأ توزيع الحليب على الطلاب والتلاميذ بشكل نظامي وسريع في طابور الدخول لكل صف. توزيع الحليب، ومركز توزيع الحليب ضم بين جنباته مطعماً خاصاً للوكالة للفقراء والمحتاجين، فكلُ فقير عليه تسجيل أسمه والحصول على بطاقة الغذاء اليومي على الساعة الثانية ظهراً في مطعم الوكالة المجاور لمركز توزيع الحليب، وأعتقد بأن رئيس المطعم الذي بقي لفترة طويلة هو المرحوم الصفوري أبو ناظم عطية.
راح وذَهَبَ مركز توزيع الحليب ومطعم الوكالة، وتم بناء مقسم هاتف اليرموك على أنقاضه عام 1990، لكنه يبقى لجيلي ومن سبقني من أجيال النكبة علامة من علامات حياة صاخبة كان فيها الأمل يسطع كل يوم، ومازال، بالعودة لأرض الوطن.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت