- عمر حلمي الغول
دون ضجيج وصخب رحلت المرأة الإشكالية والاستثنائية وصاحبة المواقف النبيلة. ترجلت الدكتورة نوال السعداوي، الاديبة المبدعة والمناضلة اليسارية الشجاعة عن تسعين عاما، غادرت مسرح الحياة بعد صراع مع المرض في زمن الكورونا البشع. ارتبطت خلال مسيرتها الطويلة بثلاث رجال، كان زوجها الثالث الروائي اليساري شريف حتاتة، الذي ارتبطت معه 43 عاما، ثم إنفصلا. الزيجتان الاولى والثانية لم تدوما طويلا، لها ثلاثة ابناء، ابنتنان وولد من الأول والثالث.
نوال السعداوي إمرأة من طراز رفيع، حملت هَّم الإنسان عموما والمرأة خصوصا وحقوقها منذ ادركت دورها في الحياة الاجتماعية والسياسية. وقاومت بقوة المجتمع الذكوري، وحاربت بلا هوادة ختان النساء في مصر والعالم العربي وافريقيا، وأصدرت كتابها عام 1972 حول الموضوع بعنوان "المرأة والجنس". ولم تساوم على مواقفها، ولم تنكفء للحظة امام تغول المجتمع عموما عليها ورجال الدين خصوصا، الذين وجهوا لها العديد من التهم، ورفعوا العديد من القضايا ضدها، مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، ثم وجهوا لها تهمة "إزدراء الأديان". كما وضع اسمها على قائمة التكفيريين المسماة ب"قائمة الموت للجماعات الإسلامية"، وهددوها بالموت فعلا، مما إضطرها للسفر خارج مصر عام 1988. وعملت في حقل التدريس في البداية في جامعة القاهرة، ولاحقا في جامعة ديوك في كارولينا، ثم جامعة واشنطن، وجامعة كاليفورنيا، وجامعة جورج تاون، وجامعة ولاية فلوريدا، وجامعة السوربون، جامعة كولومبيا وجامعة بيل وجامعة هارفرد. ثم عادت لمصر عام 1996 بعد اغتراب اجباري 8 سنوات.
كما لم تهادن دكتورة الامراض الصدرية الحكومة المصرية، وكانت بالمرصاد لسياساتها الخاطئة، مما عرضها للاعتقال في زمن الرئيس الراحل انور السادات، وحكم عليها في 6 سبتمبر 1981، لكن اطلق سراحها بعد شهر من اغتياله. ومن اقوالها المشهورة " لقد أصبح الخطر جزء من حياتي منذ أن رفعت القلم وكتبت. لا يوجد ما هو أخطر من الحقيقة في عالم مملوء بالكذب."
مضت بشجاعة وإقتدار إلى عالم الخلود في مناسبة عظيمة للمرأة، يوم الأحد الموافق 21 آذار / مارس الماضي، يوم وعيد الأم، ومع دخول الدنيا فصل الربيع بعد ان أصدرت اربعين مؤلفا بين رواية ومسرحية ومذكرات ومؤلفات جلها دفاعا عن حقوق الإنسان عموما والمرأة خصوصا، وترجمت اعمالها ل30 لغة. وبعد ان شغلت العديد من المواقع والوظائف الهامة، مثل المدير العام لادارة التثقيف في وزارة الصحة في القاهرة، والأمين العام لنقابة الأطباء. كما نالت عضوية المجلس الاعلى للفنون والعلوم الاجتماعية، وأسست جمعية التربية الصحية، وجمعية للكاتبات المصريات، وعملت رئيس تحرير مجلة الصحة لبعض الوقت، ومحررة في مجلة الجمعية الطبية.
وتقديرا لدورها الريادي تم تكريمها بعدد من الجوائز الدولية، منها جائزة الشمال والجنوب من مجلس اوروبا، وجائزة إينانا الدولية من بلجيكا عام 2005، وجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام في سويسرا عام 2012.
وتعتبر الدكتورة نوال من اهم الكاتبات الاديبات الرائدات المصريات والعربيات والأفريقيات وفق صحيفة "اليوم السابع" المصرية. نعم لقد تفوقت في مسيرتها الكفاحية والابداعية على المناضلات النسوية المصرية أمثال هدى شعراوي ونبوية موسى وعديلة نبراوي، وغيرهن من نساء مصر اللواتي دافعن عن حقوق المرأة حتى منتصف القرن العشرين الماضي.
نوال السعداوي مدرسة في العطاء والابداع والفروسية والشجاعة والصلابة، لم تهادن، ولم تستسلم امام عمليات الترهيب والتكفير والزندقة. وبقيت شامخة كالطود في وجه الطغاة من رجال الدين التكفيريين، ولم تذعن لإرهابهم وجورهم وفجورهم، وبقي قلمها سلاحا مرفوعا في وجه الظلم والظلاميين، وشكل علامة فارقة في نضال المرأة البطلة، والتحرر الإجتماعي والسياسي والقانوني والابداعي.
غادرت نوال السعداوي المشهد جسدا، لكنها مازالت حية متجذرة في خنادق الدفاع الأولى عن حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، وشاهدة ورافضة لعصر الذكورية، وستبقى عنوانا ومدرسة ورائدة لكفاح المرأة التحرري بلا منازع راهنا ومستقبلا في مصر والعالم العربي وافريقيا وفي ارجاء العالم. سلاما عليها يوم ولدت، ويوم رحلت.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت