- كتب الدكتور سمير محمد ايوب
الموت حقٌّ وحتْمٌ وعامٌّ. بالأمس انتهى أجل سيدةٍ من أهمِّ السًّابِقات بجرأةٍ لأزمانهن. إنطفأت شمعةٌ ظلّت تسعين عاما، تصارعُ بشجاعةٍ، القُرَشيّين الجدد، وصِبية أبي لهب، وحزم الضلاميين المتعصبين من وعاظ السلاطين، والتدين السياسي المشوَّهِ المشبوه، وهم يحاولون بعتْمَ التَّخلُّفِ إلغاءَ العقلِ المستنير المتدبر.
بالأمس رحل جسد نوال السعداوي، تاركة إرثا إنسانيا أخلاقيا، أسرج لنا أكثر من قنديلٍ لن ينطفئ نوره برحليها إن شاء الله . ألإسلام من أكثر الديانات السماوية، التي تنادي باستخدام العقل، كفَيصل في كشفِ الخزعبلات والتزوير في الحياة الدنيا. الراحلة نوال من أكثر المفكرين المعاصرين استخداما لعقلها، في تحرير الإنسان ذكرا وأنثى، من عبوديات النصوص والعادات البالية.
فلم يكن مستغربا أن ينزعج منها تجارالزيف، المتلفِّع بعباءاتٍ مِنْ تعصُّبٍ يشِفُّ عما دونه. يا أصحابَ الضجيج والهمهمات والتمتمات والتأتآت، قولوا عن الراحلة وعن إرثها ما شئتم ، لكنها وهي تُلح على خلع الحجاب عن العقل ( والعقل غير الراس ) لم تُنافِق ولم تخضع لازدواجية فكرية، كما فعل البعض من أمثال العريفي والقرضاوي وغيرهم. لروحها الطاهرة الرحمة والسلام والخلود، بمقدار ما انارت، وما أسهمت به في تعميق الوعي الجاد الموضوعي.
إرثها الغني بالأفكارالجريئة المميزة خير دليل، لمن يريد تشذيبَ الموروث البشري من أمراضه القاتلة للروح، وتحفيز الانعتاق من التخلف الناجم عن كسل العقل أو تغييبه المتعمد. لأوصياء التدين البشري، لأباطرة تكفيرالأغيار من الناس، خبراء العذاب والعقاب، ولمن يستهجنون الترحم عليها، أقول لمن قرأ لها او سمع منها، وللببغاوات التي لم تقرأ لها ولم يسمع منها، بداية تذكروا أن دينَ ربكم، هو دينُ رحمة وسِعت كلّ شيء. لا تُنَصِّبوا أنفسكم أولياء لله على الأرض ، دَعوا الخلقَ للخالق فهذا أقرب للتقوى.
إرحمونا من تلاوينِ فتاويكم وروائحِ صكوكِ غفرانكم. الراحلةُ بما لها وعليها، بين يدي خالقها الآن، وهو بحالها أعلم. ومن ثم أقول: وأنتم تنتقون من قلوبكم ما تشاؤون لِتَتَقَوَّلوه على لِسانها، قولوه بلا شتمٍ، ناقشوه بأدب ربّانيٍّ وخلقِ الأنبياء وحجج العلماء واثبات البينات القطعية.
الراحلة واحدة من أهم دُعاة تحرير العقل من تبعية عصور الجهل وأدواته ومفاهيمه القديمة، التي جعلت من العادة والتقليد والموروث البشري دِيناً وضْعيا واجب الاتباع .
رفضت أن تكون المرأة سلعة في مجتمع مُثقل بهياكل من الجهل المقدس، لا يرى فيها إلا مخلوقا بالغلط ، وأن تضاريسها الخارجية مبعث كل خطيئة. فنادت بأن تكون المرأة حرَّةً في قرارِها وفي اختيارِها. فما يميِّزُ نوال السعداوي أيها الساده، هو تفكيرُها بصوتٍ مُرتفع، أرهَقَكُم وكَشفَ الغطاءَ عنْ سادِيَّتَكُم . لروحها الرحمة والسلام.
الاردن – 22/3/2021
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت