- د. أماني القرم
أربع جولات انتخابية خلال عامين دون نتائج حاسمة في ظل نظام يدّعي دوماً أنه واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط . من الواضح أن الواحة باتت محيطاً تتصارع فيه الاسماك الكبيرة والصغيرة وتزيد فيه الخلافات يوما تلو الآخر. ومهما يكن من نتائج دوامة المباحثات والائتلافات الحزبية الاسرائيلية في الاسابيع القادمة، فإن أي حكومة مقبلة تبقى ضعيفة دون أغلبية ومعرضة للانهيار والعودة مرة أخرى الى انتخابات ستفضي الى نفس النتيجة .. لفت نظري عدد من الملاحظات أهمها:
أولاً: التحول المجتمعي التدريجي : أفضت نتائج معظم الانتخابات السابقة والحالية خلال العقد الأخير الى سيطرة اليمين والدين على المشهد العام في اسرائيل دلالة على تغير خارطة التصويت الانتخابية ومزاج الناخب. والسبب في ذلك يرجع الى الصفقة التي عقدها نتنياهو طوال عشرين عاماً مع الأحزاب الدينية المتشددة والمتمثلة في: " الحرية في كيفية إدارة حياتهم/ المتدينين/ مقابل الدعم السياسي" . الأمر الذي أدى الى تزايد حضور هذه الفئة تلقائيا في العملية السياسية وبالتالي تضاعف حجم تمثيلها النيابي في الكنيست، حيث لم تعد معزولة عن النظام السياسي الاسرائيلي الذي أنشأه وحكمه الصهاينة العلمانيون لوقت طويل من أجل إنشاء دولة ليبرالية . العلمانيون من اليسار والوسط اتحدوا ( رغم اختلافاتهم السياسية) طوال عقود حول هدف واحد هو كبح جماح الاحزاب الدينية، لكن وجود نتنياهو في الحكم الذي لم يعط وزناً للخلافات الأيديولوجية مع المتدينين مقابل بقاء فرصه السياسية مفتوحة ألغى هذا الاتحاد وسمح تدريجيا في تعاظم قوة التيار الديني ، بل وبالعكس بفضل استخدامه للشعبوية اليمينية استطاع ربط تيار اليسار بمعاداة اسرائيل والتهديد لأمنها القومي ، واتهام أحزاب الوسط بالتحالف مع المعادين . فأصبحت أحزاب الوسط تنأى بنفسها عن الارتباط بتيار اليسار الذي تعرض لمحو تدريجي وفقد أصوله الانتخابية .
ثانياً: طبيعة النظام الانتخابي الاسرائيلي: لم يسبق أن فاز أي حزب اسرائيلي بأغلبية مطلقة. فتركيبة نظامهم الانتخابي تتيح مجالاً واسعاً لتشكيل أحزاب صغيرة والحصول على مقاعد في الكنيست، ممّا يسهل عملية الانقسامات المتكررة في الحزب الواحد. وعليه فإن مسألة تشكيل الحكومة تكاد تكون مستحيلة دون عقد ائتلافات مع الأحزاب الصغيرة ، وهذا الأمر يمنحها قوة مضاعفة ناتجة عن احتياج الاحزاب الكبيرة لها، وبالمثل يجعل عملية انهيار الحكومة واردة جدا عند الخلاف حول أية نقطة صغيرة .
ثالثا: اختفاء القضية الفلسطينية من السجالات الانتخابية : لطالما اعتبرت القضية الفلسطينية عاملاً حاسماً في الانتخابات الاسرائيلية لأنها /في نظرهم/ المهدد القريب للوجودية اليهودية والوقود لاستمرار الايديولوجية الصهيونية التي تدفع الجميع في اسرائيل للاتحاد وتغيّيب الخلافات . فعلى سبيل المثال فاز أريئيل شارون على ايهود باراك عام 2001 بسبب انتفاضة الاقصى ، كما فاز على نتنياهو عام 2006 بسبب فك الارتباط مع غزة وبدء اقامة الجدار الفاصل . لكن في السنوات الأخيرة تراجع حجم التهديد الأمني الفلسطيني نتيجة غياب زخم القضية اقليميا ودوليا ونجاح نتنياهو في إثبات أن إدارة الصراع هو الحل الأمثل وأن التطبيع لا يستلزم تنازلا للفلسطينيين . غياب المهدد القريب أفسح المجال لبروز أزمة المجتمع الاسرائيلي المتميز بوجود فجوات ثقافية بين أعضائه، وساهم في تصاعد الخلافات الداخلية بعيداً عن الموضوع الفلسطيني. للدرجة التي جعلت معهد الامن القومي الاسرائيلي يحذر من أن العدو في الداخل في اشارة الى الأزمة الاسرائيلية المجتمعية .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت