التنين الصيني والأسد الإيراني: شراكة إستراتيجية مهددة لطموحات الغرب

بقلم: سنية الحسيني

سنية الحسيني
  • د. سنية الحسيني

وقع وزيرا خارجية الصين وإيران مطلع الأسبوع الجاري إتفاقية تعاون استراتيجي شامل على مدار ربع القرن القادم، تمثل خطة طريق متكاملة في مجالات وأبعاد متعددة للتعاون بين البلدين. ورغم أن هذه الاتفاقية لا تعد ملزمة للطرفين، إلا أنها تفتح الطريق أمام شراكة إستراتيجية من نوع خاص، كما تسمح بترسيم تلك الشراكة وشرعنتها من خلال إتفاقيات ثنائية متعددة ومتنوعة مستقبلية. وتحمل هذه الاتفاقية أهمية خاصة نظراً لدور البلدين وأهميتهما سواءعلى المستوى الدولى في حالة الصين أوعلى المستوى الإقليمي في حالة إيران. وتعتبر هذه الاتفاقية صفعة مباشرة للولايات المتحدة، خصوصاً في ظل مواقفها المعلنة والتصعيدية تجاه الصين وإيران والتي تسير بخطوات طردية منذ سنوات. كما تشكل الاتفاقية خطورة على طموحات وأهداف إسرائيل وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، والتي تسعى لتقويض مكانة إيران فيها، حيث أن الاتفاقية من شأنها ابراز دور إيران واستثمار مكانتها الاستراتيجية.

 

لم تأت هذه الاتفاقية الاطارية بين الصين وإيران كردة فعل على سياسات الولايات المتحدة تجاه البلدين في الآونة الأخيرة، بل على العكس جاءت بواكيرها بعدما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع عام ٢٠١٦ أن إيران أوفت بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وما ترتب على ذلك من رفع العقوبات عنها. وخلال زيارة شي جين بينغ الرئيس الصيني إلى طهران خلال ذات العام وفي المؤتمر الصحفي الذي جاء في نهاية الزيارة، أكد البيان المشترك للرئيسيين الصيني والإيراني البدء في العمل على اعداد وثيقة ترتب مستقبل العلاقة بين البلدين وفق رؤية استراتيجية واسعة. كما أن موعد توقيع الاتفاقية بين البلدين تم الإعلان عنه في وقت سابق من العام الماضي، عندما أعلن محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني تفاصيل تلك الوثيقة وموعد توقيعها، والذي حدده في نهاية العام الإيراني الحالي.  

 

الا أنه من المؤكد أن إصرار الطرفين الصيني والإيراني على استكمال العمل على ترسيم هذه الاتفاقية بل والمضي قدماً في بلورتها وترسيخها ينطلق من تصلب الولايات المتحدة في سياساتها تجاه البلدين. فقد صعدت أدارة جو بايدن الرئيس الأميركي الجديد من نبرتها تجاه الصين، وفرضت، مع دول غربية أخرى، عقوبات على مسؤولين صينيين بارزين، بحجة تورطهم في انتهاكات حقوق إنسان. هذا بالإضافة إلى تصريح الولايات المتحدة الصريح بأنها ستقف أمام طموحات التمدد الصيني وعدم وجود أرضية مشتركة للتفاهم بين البلدين. من ناحية أخرى، فقدت إيران الثقة بالولايات المتحدة والدول الغربية، وهو الأمر الذي روج للحديث عن توجه إيران أو التفافها نحو الشرق. خذلت الولايات المتحدة وحلفاؤها إيران على مدار خمسة عقود، بعد نجاح الثورة الإسلامية، ولم تبد أي استعداد للتفاهم معها. وفي العقد الأخير ورغم توقيع إيران على الاتفاق النووي عام ٢٠١٥، لم تنفتح الدول الغربية على التعاون ورفضت عقد صفقات مهمة معها، تبع ذلك انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من ذلك الاتفاق من طرف واحد، وفرض عقوبات أميركية أشد من سابقاتها. وحتى في ظل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، لازالت الولايات المتحدة تتشدد في علاقاتها مع إيران وتدعوها للتراجع عن أي إجراءات اتخذتها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، قبل رفع العقوبات التي فرضتها بدون سبب.

 

ورغم أهمية الخوض في تفاصيل هذا الاتفاق الذي غطته صحف إيرانية وأمريكية منتصف العام الماضي، باعتباره مسودة له، يؤكد عدد من الخبراء أنه يعكس ما تم التوقيع عليه مطلع هذا الأسبوع، الا أنه من الضروري الإشارة إلى أن هذا الاتفاق إلى جانب أهميته الاقتصادية والسياسية للصين وإيران، يتعلق بالمشروع المركزي للصين والمعروف بطريق الحرير، والذي ورد ذكره عديد المرات خلال تلك المسودة. إن الأهمية لموقع إيران الاستراتيجي سواء على المستوى البحري أو البري لهذا الطريق يجعل من إيران شريكاً استراتيجياً مستقبلياً للصين يختلف عن غيره من الشركاء الاستراتيجيين العددين لها في هذه المنطقة. لن تنجح إيران فقط من خلال  تطوير شراكتها المتوقعة مع الصين بالتخلص من الضغوط الآنية الأمريكية والإسرائيلية، وإنما سيمكن الاتفاق إيران على المستوى البعيد من استرداد مكانتها الإقليمية التاريخية. كما أن هذا الاتفاق، وبغض النظر عن الاختراق الذي سيحققه للصين على المستوى الاقتصادي والسيبيري والسياسي، سيزيد من فرص توغل الصين في منطقة الشرق الأوسط وتحقيقها لحلمها بتشييد طريق الحرير، وتربعها على قمة النظام  العالمي.

 

إن تتبع العلاقات الصينية الإيرانية على عجالة يفصح عن أهمية إيران الخاصة بالنسبة للصين، حيث تضرب تلك العلاقة جذورها في قلب التاريخ، والتي بدأت قبل الميلاد بقرن ونصف من الزمان. منذ ذلك الوقت اكتشفت الصين أهمية موقع إيران الاستراتيجي، والذي بدأ بظهورها كطريق تجاري يفتح العالم أمام الصين في أوروبا والشرق الأوسط. تلك الأهمية جعلت الصين تمتنع عن معاداة إيران بشكل عام، حتى عندما كان البلدان في معسكرين متضادين في عهد حكم الشاه وما بعده، فكانت الصين مورد السلاح الوحيد لإيران في حربها مع العراق، رغم أنها دعمت العراق أيضا. كما أن الصين كانت أهم الدول التي خرقت الحصار الأميركي الغربي على إيران، وإن بقيت ملتزمة بمعايير معينة لم تضطرها لمعاداة الولايات المتحدة، الأمر الذي يفسر انخفاض نسبة وراداتها وصادراتها خلال سنوات الحصار.

 

إن الصين بلد براغماتي، يسعي بوعي لتحقيق مصالحة الاستراتيجة، ويميل بشكل عام لتحقيقها عبر الأساليب السياسية والاقتصادية والدبلوماسية. إن ذلك يفسر علاقاته المتشعبة مع جميع دول العالم بما فيها الانداد منها، وذلك بالتركيزعلى الصفقات الاقتصادية، وتجنب الخوض في المشكلات السياسية. إن ذلك يعطي مؤشراً على سياسة الصين تجاه منطقة الشرق الأوسط في ظل علاقاته الاستراتيجية الجديدة المتوقعة وفق هذا الاتفاق مع إيران ومع دول أخرى عديدة. إن الصين لن تقحم نفسها في صراع إيران مع عدد من دول المنطقة، والذين تربطها علاقات استراتيجية معها كاسرائيل والسعودية ودولة الامارات، بل على العكس قد تكون الصين الوسيط الأنسب بين هذه الدول، بدل الوسيط الأمريكي الذي فشل على مدار أكثر من ربع قرن مضى في حل مشاكلها، وبات جزءاً منها. إن الصين تستطيع ضمن رؤيتها الساعية لتحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط والساعية لربط دولها بعلاقات إقتصادية تعود بالمنفعة عليها، والذي يتطلب حدوث استقرار فيها، تعتبرالأقدر على انتزاع مركزالوساطة من  الولايات المتحدة.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت