- عمر حلمي الغول
جمهورية الصين الشعبية بثقلها ومكانتها الاقليمية والدولية تتقدم بخطى ثابتة وراسخة لتأكيد دورها الريادي على المستوى العالمي، وتؤكد في خطوات متعاقبة وفي متوالية هندسية، انها دولة عظمى، ليس لانها عضوا في مجلس الأمن الدولي فقط، انما لما تمثله من قوة مركزية إقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا وحضاريا على المستوى العالمي، وبحكم تطور ورقي دورها التجاري عبر طريق الحرير مع دول العالم قاطبة.
وتعزيزا لهذة المكانة تسعى الصين لتوسيع وتعميق نفوذها ودورها السياسي عبر نشر ثقافة السلام في الاقاليم والقارات المختلفة، والتقدم بمبادرات سياسية تستجيب لمصالح علاقاتها البينية مع الدول المختلفة، ولمصالح الشعوب ذات الصلة بتلك المبادرات، والتي كانت آخرها المبادرة التي طرحها مستشار الدولة، وزير الخارجية الصيني، وانغ يي يوم السبت الماضي الموافق 27 آذار/ مارس الحالي (2021) في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي – الصيني الافتراضي، وتضمنت خمس نقاط اساسية، شملت قضايا الشرق الاوسط عموما والقضية الفلسطينية خصوصا: اولا الدعوة إلى الإحترام المتبادل، والإلتزام بالإنصاف والعدالة؛ ثانيا حل القضية الفلسطينية وتحقيق حل الدولتين يمثل اهم محك للعدالة والإنصاف في الشرق الأوسط، مع دعم عقد مؤتمر دولي ذي مصداقية في حالة نضوج الظروف؛ ثالثا تحقيق عدم انتشار الاسلحة النووية؛ رابعا العمل المشترك من اجل تحقيق الامن الجماعي؛ خامسا تسريع وتيرة التنمية والتعاون.
ومن يدقق بمحددات المبادرة الأخيرة يلحظ ان القطب الصيني يرمي بثقله متعدد الاوجه لبناء شرق اوسط خال من الفوضى والتآكل الداخلي والخارجي، ولاخراج الأقليم الأكثر عنفا وسخونة وتأثيرا على مستقبل الأمن والسلم الدوليين من دوامة الصراعات، وإحلال رؤية بديلة تساهم في إعادة هندسة الإقليم بما يتوافق مع بناء علاقات التسامح والتعاون بين الدول والشعوب، والإحترام المتبادل بينها وفقا لمعايير العدالة والإنصاف، لما يحتله الشرق الأوسط من موقع استراتيجي في الخارطة الجيوبولتيكية العالمية، ولكونه يمتلك ثروات هائلة يقف على رأسها النفط والغاز. فضلا عن انه سوق تجاري ضخم.
التنين الصيني لإدراكه اهمية واستراتيجية الصراع الفلسطيني الصهيوني على المستويين الاقليمي والعالمي، أَولى هذا الملف اهمية خاصة في المبادرة الجديدة، لقناعته ان حل عقدة هذا الصراع التاريخي، وإنصاف الشعب العربي الفلسطيني، وتأمين الحد الأدنى من حقوقه التاريخية في ارض وطنه الأم فلسطين عبر خلق الشروط المؤاتية لإستقلال دولته على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان عودة اللاجئين على اساس القرار الدولي 194، يشكل الحلقة المركزية لنزع فتيل الشرارة الأكثر إشتعالا في المنطقة والعالم. وربط الوزير يي ذلك بعقد مؤتمر دولي ذي مصداقية، وليس مؤتمرا دوليا شكليا، ووهميا لإنصاف وتحقيق العدالة النسبية والممكنة لتأمين السلام والتعايش بين دول وشعوب الاقليم.
وهذا الربط يدعم بشكل قاطع مبادرة الرئيس محمود عباس لعقد المؤتمر الدولي، ويعطيها مصداقية، خاصة وان الرباعية الدولية في اجتماعها الأخير مساء الثلاثاء الموافق 24 / 3/ 2021 ، الذي جاء بعد انقطاع وتراجع دورها زمن ادارة الرئيس ترامب السابقة منذ ايلول / سبتمبر 2018 يدفع بهذا التوجه. وبالتالي سيكون للصين الشعبية دور هام جدا مع توليها في ايار/ مايو القادم رئاسة مجلس الأمن الدولي في الدفع بعملية السلام قدما للامام، كون دول واقطاب العالم باتت بشكل عام تدرك الحاجة الماسة لالزام دولة الإستعمار الإسرائيلية باستحقاقات عملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.
ولهذا فإن إمساك القيادة الصينية بالحلقات الاساسية لاوجه الصراعات المختلفة في الاقليم يؤمن لها لعب دور رئيس في إطفاء الحرائق المشتعلة بين الدول والشعوب في المنطقة الملتهبة. لا سيما وان الصين طرحت مبادرتها من موقع الصديق لدول المنطقة، ومن موقع التعاون وتبادل المنفعة مع الدول والشعوب في الشرق الأوسط عموما، والدول العربية خصوصا، وليس كما غيرها من الدول والاقطاب الدولية، التي تحمل العصا الغليظة لفرض وصايتها على الدول، ولتسييد دولة المشروع الصهيوني على الإقليم عموما والعرب خصوصا.
وعليه على الدول التمسك بالمبادرة الصينية، وتقديم كل الدعم لها، وتامين نجاحها وتقدمها، وصياغة مواقفها بما يستجيب ومصالحها لحماية شعوب المنطقة عموما والشعب العربي الفلسطيني خصوصا من خلال دعم إستقلال دولته الوطنية وعاصمتها القدس.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت