لبنان بلد الفاشية والعنصرية

بقلم: وفاء بهاني

وفاء بهاني
  • بقلم الإعلامية: وفاء بهاني

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، الذين رمت بهم عثرات الأقدار من نكبة إلى نكبة ومن كارثة إلى كارثة، يئنون منذ سنوات طويلة تحت أوجاع الإجحاف الكبير الذي ألحقته بهم القوانين والتشريعات الرسمية اللبنانية، والحرمان من العمل في حوالي ثلاث وسبعين مهنة.

وفي الوقت نفسه ما زالت المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأراضي اللبنانية، تغرق في البؤس الذي رافق نشوئها، وأصبح القهر سمتها الغالبة، بل وتخضع التجمعات والمخيمات إياها لسيادة المنطق "التمييزي الاضطهادي"، كحرمانها من خدمات الدولة اللبنانية في تزويدها بالمياه والكهرباء، ومنع التوسع والإعمار أو تحسينه على الأقل، بل ومنع أي تطور -ولو كان محدودا- في بنيتها التحتية، حتى تحولت مع مرور الزمن إلى ما يشبه مستودعات أثرية تتكدس داخل حدودها مجموعات آدمية، وكل ذلك تحت شعار "رفض التوطين.

 

وعليه، فإن كنت لاجئاً فلسطينياً في لبنان، فذلك يعني تلقائيا أن أبسط حقوقك الإنسانية مهدورة، وأن تكون فلسطينياً في لبنان يعني أن تكون محروماً من ممارسة أكثر من (٣٧)مهنة، وأن تكون فلسطينياً في لبنان، فذلك يعني أنك إذا اشتريت شقة سكنية -على سبيل المثال- فلن تستطيع تسجيلها باسمك، وإذا كنت قد سجلتها قبل عام 2001، فذلك يعني أنك حتماً لن تستطيع توريثها، وأن تكون فلسطينياً في لبنان، فذلك يعني أنه لا يحق لك العمل بطريقة شرعية، مثل باقي العمال الأجانب في لبنان، بمن فيهم الراقصات والفنانات اللواتي يحصلن بيسر وسهولة على بطاقة العمل.

 

 

ومن هنا، فإن فزاعة التوطين كانت وما زالت شعاراً استعمالياً استخدامياً، أعطى مفاعيله السلبية المباشرة، حين دفع في نهاية المطاف بالآلاف من فلسطينيي لبنان للهجرة إلى خارج لبنان، بحثاً عن التعليم وعن لقمة العيش، وستراً لغوائر الزمن، حيث بات فلسطينيو لبنان يشكلون غالبية كبرى من الفلسطينيين المقيمين في الدول الاسكندنافية وألمانيا وأستراليا وكندا على وجه التحديد.

 

وقد تم إدراج رفض التوطين في اتفاق الطائف الموقع في ١٩٨٩، ثم ادخل في مقدمة الدستور اللبناني، التي تضمنت نصاً يقول بأن " لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين".

غير ان السلطات اللبنانية تقوم تحت غطاء الخوف من التوطين، بممارسة سياسات فاشية تهدف الى وضع الفلسطينيين في اوضاع معيشية صعبة.

 

مع تزايد الانهيار الاقتصادي في لبنان، والذي ينقل بسرعة قياسية مئات آلاف من المواطنين إلى طبقة الفقر والفقر المدقع، وكما في تجارب بلدان عدة، يتوقع أن تشهد العنصرية، إلى جانب الشعبوية وخطاب الكراهية، طفرة ضد كل من هو غير لبناني، ما يعني حكماً أن اللاجئين الفلسطينيين سيكونون الأكثر عرضةً لخطر هذا الوباء، لأنهم الحلقة الأضعف اجتماعياً، حيث يستسهل العنصريون رمي مصائبهم عليهم وتحويلهم إلى شمّاعة للأزمات التي تتحمل مسؤوليتها منفردة الطبقة السياسة الحاكمة منذ عقود..

 

 

لم تعد الإدانات اللفظية، والتعاطف على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يتبخر مفعوله مع انتهاء التدوينة أو الحملة الإلكترونية، أو حتى المؤتمرات والتوصيات الحقوقية التي تصدر، تكفي في مواجهة هذا الوباء، فالتصدّي لهذا المرض المتفشي يتطلب أكثر من ذلك بكثير، والتكتل لمواجهة خطاب الكراهية والعنصرية بخطاب مضاد وواضح وصريح ولا يهادن، أصبح ضرورةً ملحّةً أكثر من أي وقت مضى، لأن الآتي يبدو أسوأ..

 

 

من المعروف أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين تدفقوا إلى لبنان عام النكبة لم تكن لتتجاوز (120) ألف لاجئ فلسطيني، قدموا إلى لبنان من مناطق الجليل الأعلى وأقضية مدن عكا وصفد وحيفا والناصرة، وبشكل أقل من مدينة يافا وقضائها، حيث جرى تجنيس حوالي (30) ألفا منهم آنذاك على أيدي المرجعيات المسيحية اللبنانية، التي أوصت وعملت على تجنيس الغالبية من المسيحيين الفلسطينيين من الذين لجأوا إلى لبنان، وتم تجنيسهم في الطائفة المارونية حصراً، في مشهد بغيض يلخص العقلية الطائفية المنغلقة عند البعض في لبنان، وهي العقلية التي ما زالت تصر على رفض منح اللاجئين الفلسطينيين بعض الحقوق المدنية، وإن تزينوا في دعاويهم بأثواب فضفاضة تحت عناوين مزيفة من نمط "رفض التوطين، أو رفض المساس بالتوازن اللبناني الداخلي.

 

 

كان من المفترض أن تصل أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى نحو (600) ألف لاجئ فلسطيني، حال احتساب معدلات النمو الطبيعة في المجتمع الفلسطيني اللاجئ إلى لبنان، وفق أرقام وكالة الغوث الدولية (الأونروا)، لكن الحقائق على الأرض تشير إلى أن أعداد من تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم تعد لتتجاوز في أحسن الأحوال أكثر من (250) ألف لاجئ، حيث غادرت أعداد كبيرة منهم أرض لبنان باتجاه المهاجر البعيدة جراء عمليات "التطفيش" والمضايقات المقصودة و"غير البريئة" التي جرت بحقهم جراء الاستمرار بتغييب حقوقهم المدنية (أو بالأحرى الآدمية) وإقصائهم وعزلهم، على يد النظام الرسمي في لبنان وتشكيلاته وتركيباته الطائفية..

العنصرية في لبنان دائماً تحظى بغطاء رسمي، وفي كل مرة تكون التبريرات حاضرة، فاللاجئ الفلسطيني في رأي أصحاب النظريات العنصرية والفئوية الضيقة، التي تكذب وتصدق كذبها، "يسرق" الوظائف من اللبنانيين، ويضغط على خدمات الكهرباء والمياه، وهو سبب الانهيار الاقتصادي وأزمة الدولار وحتى النفايات.

ولذلك يجوز اضطهاده وحظر التجول عليه ونبذه، واللاجئون يُمَنّنون ليل نهار، على الرغم من أنهم أصحاب الفضل والجهد، حتى رواتبهم المستحقة، تجد اليوم، مع أزمة انهيار الليرة اللبنانية وارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية، من يعتبر أنهم لا يستحقونها، ولا يتردّد في حرمانهم منها أو التحايل عليهم لسرقة الجزء الأكبر منها، ويواكبهم في ذلك إعلامٌ امتهن التماهي مع الطبقة السياسية، والتحريض على كل صاحب حق.

وبالرغم من أن اللاجئ الفلسطيني الذي يعيش في لبنان قسراً منذ عقود، فهو يدفع مثل المواطن اللبناني الضرائب، وامواله احتجزت في المصارف كما اللبناني بالضبط، وكأنه لا تكفيه المصائب التي يعانيها من حرمانٍ من أبسط الحقوق المدنية كالعمل في عشرات المهن والتملك، فمجبرٌ على تلقي الإهانات وتعامل بعضهم معه على أنه "تهديد دائم"، وأخطر ما في سلسلة الممارسات العنصرية التي لا تنتهي، هي عدم حصوله على مواد غذائية مدعومة لانه اجنبي ولانها اصبحت توزع على الهوية .

 

 

وعلى اي حال ، فإن سبر البعد الطائفي لا يظهر ان رفض التوطين مرتبط بالضرورة باحترام الجميع للتوازن الطائفي، ولكنه استخدم احياناً اداة لخدمة طائفة دون اخرى، او جزءا من لعبة التوازنات والتحالفات السياسية.

 

على الرغم من ان هناك تعاطفاً كبيراً مع اعطاء الحقوق المدنية للفلسطينيين لدى العديد من التيارات والقيادات السياسية في لبنان، فإن بعض هذه القوى لا يطرح هذا الموضوع بقوة، سواء بسبب وجود اولويات أخرى، او مراعاة لتحالفات سياسية قائمة.

 

وعليه ، على المتشدقين بمعسول الكلام، اصحاب الوجه الحضاري للبنان، ان يغادروا متاريس الحرب الاهلية وترسباتها بشكل فعلي وحقيقي، وعليهم ايضا ان يغادروا مواقع الرهان على تحييد لبنان في الصراع الدائر في المنطقة، وبالطبع هذه ليست دعوى لاعلان لبنان الحرب على اسرائيل.

 

وفي المحصلة ، فإن معاناة فلسطينيي لبنان تشكل الان صرخة عالية في سمائنا العربية، وصرخة مدوية في سماء لبنان، ودعوة قوية لقواه واحزابه ومؤسساته التي تضامنت مع مطالب اللاجئين الفلسطينيين لمتابعة تحقيق هذا المطلب العادل لشعب مازال يقيم في لبنان، ولا يرضى بوطن بديل عن ذرة من تراب فلسطين حتى لو امتلك المعمورة بكاملها ، على امل العودة الى فلسطين طال الزمن ام قصر.

 

ولكن هذا اليقين الذي يتمسك به الفلسطينيون، وهذا الحق الذي لا يفرطون به ولا يعدلون به أي حقٍ آخر، في ظل الوفاء بأصول الضيافة وقواعد الإقامة، ووالحرص على أمن لبنان وسلامته، واقتصاده ورفاهيته، فإن على الحكومة اللبنانية أولاً، وعلى النخب السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية، أن تقدر إنسانية الفلسطينيين، وأن تحترم تضحياتهم وتقدر التزامهم، وتوفر لهم سبل العيش الكريم، أو تعمل على سن قوانين كريمة تحفظ كرامتهم وتحقق لهم الحياة الإنسانية الكريمة.

وليعلم اللبنانيون حكومةً وشعباً ان حداً في العالم لا يتفهم إجراءاتهم ضد الفلسطينيين، ولا يقبل بها ولا يحترمها، إذ أنها إجراءات عنصرية فاشيةٌ بغيضة، تقوم على أوهام ومخاوف مزعومة غير صحية، فلا أحد من الفلسطينيين ينازعهم على حقهم أو أرضهم ووطنهم، ولهذا فإن صورة لبنان التي يراد لها ن تكون زاهية مشرقة، فإنها بهذه السياسات العنصرية تصبح قاتمةً ظلاميةً تشبه سياسات القرون الوسطى، التي كانت تقوم على الطبقية وعنصرية اللون والعرق.

صيدا في 2/4/2021

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت