- بقلم: فراس ياغي
تناقلت الكثير من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي الحدث الفلسطيني الأبرز، وهي الإنتخابات التشريعية في الثاني والعشرين من "مايو" أيار، والمسألة التي دائما تَتَزيّن فيها تلك الأخبار هو التشكك في أن تجري الإنتخابات أو الحديث المباشر عن تأجيلها بسبب قضية التصويت في القدس وإنتشار "الكورونا"، ولدرجة أن البعض من النخب لديه مهمة التحضير لقرار التأجيل، فنراهم على الفضائيات وفي السوشال ميديا يتحدثون أن لا إنتخابات بدون "القدس"، وأن الردود الإسرائيلية بما يتعلق بمشاركة أهلنا في "القدس" لا تُبشر بالخير، بل يصل الأمر بأن الأجوبة الإسرائيلية كانت رفض المطلب الفلسطيني بما يتعلق بالتصويت في "القدس"، حتى أن بعض الجهابذة يطرحون فكرة "تجميد" الإنتخابات لحين الحصول على قرار أممي من مجلس الأمن بما يتعلق بالموضوع الإنتخابي في القدس.
أعتقد ان الإجماع الفلسطيني بما يتعلق بمشاركة أهلنا في القدس في الإنتخابات من حيث الترشح والمشاركة والتصويت والدعاية الإنتخابية هي شاملة والكل الفلسطيني يدعو لها ويطالب فيها، لكن يبقى السؤال عن كيفية تحقيق ذلك؟!!
وهنا أشير إلى أن إعطاء دولة الإحتلال حق الفيتو على الإنتخابات والديمقراطية الفلسطينية مسألة غريبة جدا، لأن تصريحات بعض المسؤولين التي تحمل عبارات "إما" أو "لا" تخدم ذلك بشكل مباشر، بل توحي وكأن البعض يدفع بإتجاه عدم إجراء الإنتخابات في موعدها.
حين اصدر الرئيس محمود عباس مرسومه بتحديد مواعيد لجميع الإنتخابات ووفق مراحل، سبق ذلك أولا تفاهمات بين "فتح" و "حماس" ولاحقا بقية الفصائل في حوار "القاهرة"، وهذه التفاهمات جوهرها إجراء الإنتخابات كمحطة للشراكة وإحداث الوحدة السياسية والإدارية والقانونية بين جناحي الوطن ودفن الإنقسام البغيض الذي أضرّ بسمعة الفلسطينيين وبوحدتهم وبتمثيلهم وسمح لما يُسمى بالأجندات الإقليمية لتظهر وتطل برأسها وتشتم بأنفها الضعف الداخلي وتبدأ في التدخل المباشر والفظ وتحت عنوان "غزة" المحاصرة، والإنقسام، ومنع الضم للحفاظ على مفهوم الدولتين والضغط بإتجاه المفاوضات ومواجهة ما يسمى ب "الإسلاموية السياسية" أو جلب هؤلاء للتعاطي والتماشي مع الشرعية الدولية بما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
الدعوة التي تمت للإنتخابات هي البداية لإحداث التغيير وإعادة البوصلة الفلسطينية لوضعها الطبيعي وبما يخدم مفهوم الشراكة بين الكل الوطني والإسلام "الوطني" الذي أدرك متأخرا أنه لكي يصبح شريكاً فعليه أن ينأى بقراراته عن حاضنته الإقليمية "الإخوانية" ويؤكد على مفهوم التحرر والإستقلال وعلى اساس أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده والذي أصبح شرطا للترشح، على كل مرشح في كل القواءم أن يوافق ويوقع عليه ليصبح عضواً في المجلس التشريعي القادم، وبما يُمثل هذا الشرط من موافقة ضمنية وواضحة للتعاطي مع مُخرجات إتفاق "أوسلو" الذي وقعته منظمة التحرير، رغم تقادمه وغيابه القسري بسبب سياسات وممارسات حكومة اليمين الإسرائيلي وإنعكاس ذلك على واقع الحال في الضفة الغربية والقدس.
ومن منطلق الواقعية السياسية ومتابعة الشأن "الإسرائيلي" فإن "تأجيل" أو "تجميد" الإنتخابات ومهما كانت الحجة هي مطلب إسرائيلي بإمتياز، لأن العصر الذهبي للإحتلال كان ولا يزال هو الإنقسام، وفصل جناحي الوطن عن بعضهما البعض ليس جغرافيا بل سياسيا وإداريا وقانونيا، وهذا يُعفي حكومة الإحتلال من أي إلتزامات وإتفاقات، وإستطاعت أن تدعي أمام المجتمع الدولي ولا زالت بأن المنظمة والرئيس عباس لا يُمثلان الكل الفلسطيني، والإنقسام كواقع ظاهر للجميع هو "الشاهد"، بل هي تعمل على ذلك لتكريسه كأجندة دائمة وضمن خطة لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
إن الحديث عن فكرة "التأجيل" أو "التجميد" بحجة القدس والكورونا، وهي في الحقيقة نابعةٌ من أسباب داخلية ولمصالح شخصية وفئوية، هي فكرة لا وطنية، ولا تخدم قضية القدس ولا المشروع الوطني الفلسطيني، فالإنتخابات في القدس بمراحلها من حيث التسجيل والترشيح تمت رغم أنف الإحتلال، وتزيّنت كافة القواءم بالأخوة والأخوات المقدسيين، والآن بقيت معركة التصويت عبر محطات ومراكز الإقتراع والتي يوجد لها سوابق قانونية لأنها حدثت في العام 1996 وفي عام 2005 وعام 2006، وبالتالي يستطيع المجتمع الدولي وبالإخص "الرباعية" الدولية فرض ذلك بسهولة، خاصة ان إجراء الإنتخابات ومهما كانت طبيعة النتائج ستصب في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني في التحرر والإستقلال وفي تعزيز الديمقراطية الفلسطينية وبما يخدم تجديد الشرعيات وتوحيدها أمام الشعب الفلسطيني أولا، والمجتمع الدولي ثانيا، ووقف ومنع الأجندات الإقليمية ثالثا.
لتكن "القدس" عنوان المعركة السياسية والإنتخابية، وليكن شعار الديمقراطية والمشاركة لأهلنا في القدس تصويتا في الإنتخابات هي معركتنا الوطنية لتأكيد حقنا الثابت فيها كعاصمة ابدية للدولة الفلسطينية القادمة رغم أنف الإحتلال، لا أن تكون الشّماعة التي يحاول البعض المُتضرر من الإنتخابات الإستعانة فيها للتخلص من الديمقراطية للحفاظ على مصالحه الشخصية قبل الحزبية، فالإنتخابات القادمة محطة تغيير تُعيد للشعب الفلسطيني حقه الدستوري ووفقا للمادة الثانية من القانون "الأساسي"، لإختيار مُمثليه عبر صناديق الإقتراع وبما يُعزز فكرة التداول والتعددية والفصل بين السلطات الثلاث. الإنتخابات والمجلس التشريعي القادم أولوية لإعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني نحو مفهوم الشراكة وإعادة الإعتبار لمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ويُصحح مسار العلاقات الداخلية الحزبية والسلطوية الإدارية والقانونية نحو التوحيد ودفن الإنقسام البغيض ويمنع مفهوم المحاصصة الذي حاول البعض فرضه حتى عبر "الإنتخابات"، وفكرة "التأجيل" أو "التجميد" ليست سوى وصفة لتكريس المحاصصة ورفض التجديد والتغيير وهي لا تخدم سوى مشروع "الإحتلال" في بقاء الإنقسام والإستفراد في "الضفة والقدس" ومحاصرة "غزة"، وهذا ما يريده ويعمل عليه "الإحتلال".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت