- عمر حلمي الغول
عقد النائب منصور عباس، رئيس الحركة الجنوبية الإسلامية مؤتمرا صحفيا في مدينة الناصرة مساء يوم الأربعاء الماضي الموافق الأول من نيسان / ابريل الحالي، وإختار الحديث باللغة العبرية، موجها خطابه ورسائله للإسرائيليين عموما وقوى اليمين الصهيوني المتطرف لمد الجسور معهم، وعشية تكليف الرئيس الإسرائيلي ريفلين رئيسا للحكومة القادمة، ولقبوله شريكا في دعم حكومة يمينية بقيادة نتنياهو. وحتى يتفادي رئيس كتلة العربية الموحدة في الكنيست أية ارباكات مع القوى الصهيونية، ركز حديثه على القضايا المدنية المجتمعية والمصالح المشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولم يشر من قريب او بعيد للقضايا الوطنية، فلم يتطرق لقانون "القومية الاساس للدولة اليهودية"، ولا لقانون كامينتس، ولا لبناء السلام وتحقيق خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وطبعا لم يأت على ذكر مدينة القدس ومكانتها الفلسطينية والعربية والإسلامية المسيحية، ولا عن الإستيطان الإستعماري، ولا عن الضم والتهويد ومصادرة الأراضي والعقارات والبيوت من اصحابها الفلسطينيين .. إلخ
وإذا كنت ادعم الخطاب العقلاني الإيجابي في محاكاة الإسرائيليين الصهاينة، ومحاولة فتح قوس الشراكة في المجتمع، وخلق الشروط والمعطيات السياسية والقانونية للمساواة لكل مواطني الدولة دون تمييز. لكن ذلك لا يكفي من رئيس أكبر كتلة فلسطينية في البرلمان على حد قوله (ولهذا نقاش لاحق هنا). لإنه إن كان فلسطينيا عربيا حقا، كان الأجدر ان يربط بين البعدين المدني والسياسي، وألا يخشى من التعبير عن موقفه بصراحة ووضوح لا لبس او غموض فيه، وبلغة هادئة وناعمة، وليس من خلال بيان صاخب مليء بالشعارات الغوغائية. بيد ان زعيم "راعم" حاد عن الصواب، ولم يخفض صوته فقط، وانما هبط للحد الأدنى من المطالب الإجتماعية، وقدم تنازلا مجانا بعدم طرح رؤية وطنية شاملة تستجيب لمصالح الشعب العربي الفلسطيني، ولخلق شروط ملائمة لبناء جسور السلام والمساواة والتعايش وفق المعايير الإنسانية والسياسية، وإستنادا إلى قوانين وقرارات ومعاهدات الشرعية الدولية.
وعندما كنت اتطرق لمواقف الحركة الإسلامية الجنوبية غير الايجابية، والمتناقضة مع مصالح الشعب في كل تجمعاته، ومازلت أؤكد على قناعتي تجاه فرع جماعة الإخوان المسلمين في مناطق ال48، كان البعض من أنصار الحركة يعتب عليّ، ويعتبرني متجنيا عليها، وعلى رئيسها منصور عباس. والحقيقة ليست كذلك، لإني ورغم قناعاتي السلبية الراسخة تجاه تنظيم الإخوان المسلمين الدولي، إلا اني دائما وابدا افتح القوس لإي قاسم مشترك ممكن مع فروعها في فلسطين التاريخية، مع إدراكي المسبق، ان فروع الجماعة جزء من الأصل للكل الإخواني، ترفض التعاون مع أية شخصية أو فصيل أو مجموعة أو حزب وطني إلآ لخدمة غرض ما يصب في مصالحها وحساباتها واجنداتها الخاصة والإقليمية في لحظة سياسية محددة. فضلا عن ان برنامجهم لا يتواءم مع اية رؤية وطنية او قومية، ومن يعتقد عكس ذلك، يكون مخطئا بحق نفسه وبرنامجه الوطني، إن كان وطنيا او قوميا او ديمقراطيا.
مع ذلك تم فتح القوس المرة تلو الأخرى، وكانت النتيجة صفر، وعكس ما يتمنى اي وطني فلسطيني. وعليه فإن عباس الحركة الجنوبية الإسلامية، جاء لكتلة الصهيونية الدينية بزعامة سموتيرتيتش وبن غفير من تحت مستجديا قبوله ليكون شريكا لهم في تعويم حكومة يمينية متطرفة بقيادة نتنياهو الفاسد، والمرفوض من الغالبية الساحقة من كتل وقوائم الكنيست ال24 الحالي. وهو ما يتناقض مع مقولته، التي حاول ويحاول تسويقها أمام الشارع الفلسطيني "إننا لسنا في جيب احد" و"لسنا مع اليمين او اليسار" والحقيقة تقول عكس ذلك، لإنه إستخدم هذين الشعارين للتغطية على خياره النتنياهوي، وللتعمية على موقعه التاريخي، ومبرر وجوده في الملعب السياسي، بتعبير اوضح، ان وجود وتنامي فروع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين التاريخية لم يكن بالصدفة، ولا لإن الدين والمسجد المفتوح على مدار الساعة الأكثر قدرة بالتأثير على الجماهير، وانما لإن القوى النافذة والداعمة للجماعة المحلية والاقليمية والدولية ساهمت بخلق المناخات الملائمة لهذا التطور لتحقيق أكثر من هدف الأول تفتيت وحدة القوى السياسية الفلسطينية؛ ثانيا تمزيق وحدة الشعب، كما حصل في إنقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية اواسط عام 2007، ثالثا للقيام بالدور الوظيفي على اكمل وجه، الذي تشكلت من اجله جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، بإعتبارها الركيزة الأساسية لقوى الثورة المضادة، وجزء من ادوات الغرب الرأسمالي لخدمة اهدافه ومصالحه وباسم الدين الإسلامي، مع ان الدين الإسلامي براء من هذة الجماعة وفروعها في مختلف الدول.
اما انه الحزب الأكبر في الكنيست، فهذا غير صحيح. لإن مازن غنايم لم يعلن عن انضمامه للحركة الإسلامية الجنوبية، انما دخل مع الكتلة العربية الموحدة للكنيست ال24 من موقعه الخاص، وبغض النظر عن خلفيته وحساباته الشخصية. كما ان تراجع مكانة الجبهة الديمقراطية والتجمع الوطني الديمقراطي، رغم اخطاء قادتها، هو تراجع مؤقت ولحظي، وليس الأساس. اضف إلى ان نسبة التصويت في الوسط الفلسطيني في داخل الداخل لم تزد عن 46%، اي بمعنى ان الغالبية الفلسطينية لم تصوت إحتجاجا على الإنقسام، الذي قادته الحركة الإسلامية ومن والاها، ورفضا لإخطاء القوى الثلاثة المكونة للمشتركة، ولن اشير للنسبة التي صوتت للقوى الصهيونية، وعليه يصبح إدعاء عباس فاقدا المصداقية، ولا يعكس الواقع. ولهذا مطلوب من القوى الوطنية والقومية الديمقراطية الحؤول دون تمرير منطق زعيم الحركة الاسلامية الجنوبية في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية المختلطة، لما يحمله ذلك من تضليل للشارع الفلسطيني، ولابعاده السياسية والإجتماعية الخطرة حاضرا ومستقبلا. وقادم الأيام سيميط اللثام عن المخفي أكثر وأكثر في دور ووظيفة الحركة الإسلامية الجنوبية.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت