خطأ مصطلح فلسطين التاريخية ...؟! (1-2)

بقلم: مصطفى إنشاصي

مصطفى إنشاصي

 فلسطين جزء من وحدة
 عرقية وإيمانية وثقافية وجغرافية
 تاريخاً وحاضراً

  • مصطفى إنشاصي

كثير من الكتاب يستخدم مصطلح (فلسطين التاريخية)، في إشارة إلى حدود فلسطين الحالية بجزئيها، المحتل عام 1948، والمحتل عام 1967! وذلك مصطلح خاطئ! وقد نصحنا مراراً خطأ استخدام مصطلح (فلسطين التاريخية) وذلك للأسباب التالية:
مصطلح فلسطين تاريخياً يطلق على إقليم إداري وليس على أرض ومساحة جغرافية لشعب بعينه، وبتقديري بعد فحص بعض الأبحاث حول اسم فلسطين، أنه كان معروفاً من قبل زمن هيرودوت نسبة إلى قبيلة أو قبائل بلست التي سكنت جنوب فلسطين، الجزء الجنوبي الغربي لبلاد الشام، من يافا إلى غزة، لكن فلسطين كإقليم إداري غالباً أول من ذكره المؤرخ الإغريقي هيرودوت في القرن الرابع قبل الميلاد كأحد أقاليم الدولة الفارسية، ويطلق على المنطقة من جنوب دمشق إلى صحراء سيناء، وبقيت مساحة فلسطين كإقليم إداري تضيق وتتسع جغرافياً من فترة ﻷخرى، ومن إمبراطورية لأخرى!
أما مصطلح (فلسطين التاريخية) الذي يستعمله كثير من الكتاب، فهو مصطلح حديث مصطنع يحمل مضامين دينية ومزاعم تاريخية كاذبة مزورة ويخدم أهداف معادية للأمة والوطن:
 يشير إلى فلسطين التي رسمت حدودها اتفاقية (سايكس – بيكو) عام 1916، أو (الانتدابية) نسبة إلى قرار عصبة الأمم عام 1922، تلك الحدود الجغرافية التي أوصى لويس التاسع في ووثيقته التي وضعها بعد خروجه من الأسر أثناء الحروب الصليبية أن يتم زرع قومية غريبة فيها لتفتبت وحدة وطننا جغرافياً وعرقياً، وفصل شرقه عن غربه، والأمر نفسه جاء في التوصية العاجلة لتقرير كامبل بنرمان عام 1907!
فلسطين (سايكس- بيكو)، أو (الانتدابية) تم ترسيمها لتحقق المرحلة الأولى من المخطط الصهيوني (إسرائيل الكبرى). واليهود يفرقون بين خارطتين في مخططاتهم (الأرض التاريخية لما يزعمونه الشعب اليهودي) أي فلسطين. و(الأرض الدينية أي إسرائيل الكبرى وحدودها رحلة ابراهيم عليه السلام)، وذلك يعني توراتياً معان كثيرة تحرف وتزور الحقائق التاريخية الثابتة لصالح المشروع اليهودي الصهيوني:
 تعني (فلسطين التوراتية)، (أرض الميعاد)، (الأرض الموعودة) لليهود، (وطن اليهود التاريخي)، حدود دولتهم (اليهودية التاريخية) المزعومة، دولة داود وسليمان عليهما السلام، التي يزعمون أنها أول دولة أنشئت في فلسطين وعمرتها وأنشأت فيها أول حضارة في العالم أعطت وعلمت العالم القيم والأخلاق اﻹنسانية!
(فلسطين التاريخية) تعني أنك توافق على قانون القومية اليهودية، أي (دولة يهودية) فقط داخل حدودها! وقد سبق لنتنياهو عام 2010 أن اشترط للعودة لطاولة المفاوضان أن يعترف الفلسطينيين بالعلاقة التاريخية بين (الشعب اليهودي) و(أرضه التاريخية). أي فلسطين سايكس – بيكو!
 لذلك الزعم بأن استخدام مصطلح (فلسطين التاريخية) الهدف منه الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية في حدود تلك الحدود وإبطال مزاعم الرواية الصهيونية، برأي أنه زعم خاطئ، يخدم الرواية الصهيونية، ويضيفِ عليها شرعية تاريخية، ويضعف الرواية الفلسطينية ويفصل فلسطين جغرافياً وتاريخياً وعرقياً ودينياً وثقافياً عن عمقها ومحيطها التاريخي العربي قديماً، واﻹسلامي حالياً، ويختزلها من قضية أمة إلى قضية شعب، وذلك هو الذي أضر بالقضية بهدف تصفيتها كما حصل عندما تم تعديل الميثاق الفلسطيني لمنظمة التحرير عام 1968 من الميثاق القومي إلى الميثاق الوطني، وتحويل جيش لتحرير الفلسطيني من طليعة الجيوش العربية لتحرير فلسطين إلى جيش وطني فلسطيني عليه وحده تقع مسؤولية تحرير فلسطين، وتتابعت التعديلات في دورات المجالس الوطنية الفلسطينية وأشهرها النقاط اللا ذهبية (برنامج النقاط الذهبية العشرة عام 1973) ومنها القبول بإقامة الدولة الفلسطينية على أي شبر محرر! وفي تلك الدورة والتي تلتها اختزلت القضية في:
منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني! وبدأ العرب والمسلمين كأمة يتملصون من دورهم ومسئوليهم عن تحريرها إلى أن وصلنا للمسلسلات القصبي وغيره، ليضفوا شرعية على الرواية الصهيونية بأيدي عربية، ويدعوا علنا للاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني والتطبيع معه ... والمعروف تاريخيا أن فلسطين أو سوريا الجنوبية أو جنوب سورية وغيرها من الأسماء التي تضمنتها كتب التاريخ كانت جزء من جوارها الجغرافي (بلاد الشام والهلال الخصيب والجزيرة العربية)، وكانت حدودها تتسع وتضيق بحسب المرحلة التاريخية التي تكون عليها، وأن الحدود الإدارية لبعض أقضيتها وقطاعاتها وولاياتها كانت تضم أجزاءاً من لبنان وسوريا وسيناء والأردن التي كانت ضمن حدود مسمى فلسطين!
فلسطين تاريخياً جزء من محيطها السكاني والجغرافي
 فيا ترى هل كان هذا الجزء المعروف اليوم باسم فلسطين؛ الذي استأصلته المؤامرات اليهودية - الغربية بداية القرن الماضي من جسد الأمة، عندما أعادت تشكيل جغرافية وطننا بعد انتصارها في الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية فيها، وذلك تمهيداً لإقامة كيان العدو الصهيوني عليه، تنفيذا لتوصيات المؤتمرات الغربية والتحالف مع اليهودية العالمية، آنذاك، هل كانت فلسطين يوماً ما جزءً مستقلاً أو منفصلاً جغرافياً أو تاريخياً أو ثقافياً أو حضارياً أو عرقياً عما حولها؟ أم أنها كانت جزءً من وحدة كلية تجمع دول المنطقة العربية كلها؟.
ذلك ما ستجيب عليه هذه الدراسة (هذه المقالة مقدمة لتلك الدراسة)، فما أحوجنا في هذا العصر الذي تفرق فيه الشعب العربي ذي الأصل العرقي الواحد إلى قبائل وشعوب، وتمزق وتشتت الوطن الواحد إلى أوطان وكيانات فسيفسائية، أُنشئت على أسس وتقسيمات ونعرات إقليمية؛ من صنع المستشرقين من علماء الآثار الغربيين من اليهود والنصارى، من الذين كانوا يضعون المخططات اليهودية ـ الصليبية لتمزيق الأمة والوطن كأحد أهم أهداف وغايات عمليات نقيباتهم ودراساتهم عن آثار القبائل العربية التي عمرت وسكنت الوطن العربي؛ وشادت فيه حضارات متتالية ومتعاقبة كان ولا زال لها كثير من الفضائل على الحضارة الإنسانية والغربية منها خاصة.
ما أحوجنا في هذا العصر إلى إعادة كتابة تاريخ وطننا بصفة عامة، وفلسطين خاصة من وجهة نظر عربية وإسلامية، لا من وجهة نظر يهودية وصليبية، ومن هذا المنطلق سنحاول كتابة تاريخ فلسطين؛ كوحدة متصلة بالهلال الخصيب؛ الذي هو جزء من الجزيرة العربية، لأن حدود فلسطين الحالية التي تسمى "فلسطين التاريخية"، لم تكن موجودة كما هي اليوم في أي مرحلة من مراحل التاريخ، لأنها كانت تتسع وتضيق في إطار علاقتها بالوطن الكبير، وأقاليمه المحيطة بها، ولكن الذي حدد تلك الحدود التي تسمى "التاريخية"؛ هي المؤتمرات والمعاهدات التي عقدت بين الدول الغربية الصليبية التي كانت تحتل وطننا واليهودية العالمية، التي اتفقت فيما بينها على إقامة وطن قومي لليهود في قلب الأمة والوطن، ليحافظ على أنظمة التجزئة التي ستنشئها الاتفاقيات الغربية الصليبية الأُخرى بين تلك الدول المحتلة لوطننا، قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، بالتعاون مع يهود العالم لتوافق زعم اليهود بالحق التاريخي والحدود الدينية لدولة اليهود في فلسطين، والأراضي الممتدة من الفرات إلى النيل.
 وسوف نقسم دراستنا هذه إلى:
 (أولاً): وحدة الجغرافيا والعرق والروح والثقافة: فلسطين جزء من الجزيرة العربية.
 (ثانياً): القبائل العربية: تاريخ وحضارة وعطاء للإنسانية.
 (ثالثاً): القبائل العربية التي سكنت فلسطين.
(رابعاً): قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وبني إسرائيل في فلسطين.
 (خامساً): تاريخ فلسطين مع الإمبراطوريات الكبرى قبل الإسلام.
(سادساً): القدس جغرافيا وتاريخ كجزء من فلسطين.
 (سابعاً): خلاصة واستنتاجات.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت