التعليم أولوية وطنية وعماد النهضة

بقلم: نهى نعيم الطوباسي

نهى نعيم الطوباسي
  • نهى نعيم الطوباسي*

على الرغم من هيمنة سيناريو الانتخابات التشريعية الفلسطينية، على الشارع الفلسطيني والإعلام، وحالة الترقب في المجتمع بعد الإعلان عن تقدم ستة وثلاثين قائمة بطلبات للجنة الانتخابات المركزية، ثم إقرار هذه القوائم جميعا، فقد جاء إعلان الحكومة الفلسطينية مؤخرا، عن عودة العملية التعليمية في المدارس والجامعات، ضمن خطة الطوارئ المتبعة من قبل وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي خلال أزمة كورونا، كحالة انفراج للأهالي من الضغط النفسي والمتاعب التي كابدوها، بسبب التعليم عن بعد، هم وأبناؤهم في البيوت، مقترنة بالقلق من انتشار فيروس كوفيد 19 في المدارس والجامعات.

وفي كل الأحوال، فإن أزمة التعليم الحالية في فلسطين هي جزء من أزمة كونية، نتجت عن فيروس كورونا، وشكل التعامل معها تحديا، وإرباكا حقيقيا للحكومة الفلسطينية، ولكل أطراف ومحاور العملية التعليمية، نظرا للوضع السياسي والصحي والاقتصادي المعقد، ومحاولة إمساك العصا من منتصفها، للمحافظة على صحة المعلم والطالب والمجتمع من جهة، وبنفس الوقت الاستمرار بالعملية التعليمية، لمواجهة سياسة التجهيل التي تشنها اسرائيل، على الشعب الفلسطيني وعلى كل مؤسساته وبناه ومقدساته وروايته وتاريخية، حيث تتركز عملية التجهيل هذه على عاصمته المقدسة بهدف إضعاف الوجود الفلسطيني وتقويضه.

 لقد أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2020، نتائج مسح أثر جائحة كوفيد 19 (كورونا) على الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومن هذه المعطيات الخاصة بالتعليم عن بعد، والتي تهم المختصين التربويين والتنمويين وكل الجهات ذات العلاقة، يتبين أن أكثر من نصف الأسر الفلسطينية، أي 51% من الأسر في فلسطين التي لديها أطفال بين (6-18 سنة) وملتحقون بالتعليم، شارك أطفالهم في أنشطة تعليمية خلال فترة الإغلاق، (53% في الضفة الغربية، و49%  في قطاع غزة)، مع وجود تباين واضح في مشاركة الطلاب بين المحافظات، و40% من الأسر قيموا التجربة بأنها سيئة، ولم تُؤدِّ الغرض منها، وحوالي نصف الأسر حرم أطفالها من المشاركة بالتعليم عن بعد، بسبب عدم ارتباط هذه الأسر بشبكة الانترنت أو عدم امتلاكها جهاز حاسوب، وهو ما يشير إلى إشكالية تحقيق عدالة فرص وصول التعليم، لجميع الفئات والمناطق، كإحدى أهم أهداف الإستراتيجية القطاعية الوطنية للتعليم، وأبرز غايات أهداف التنمية المستدامة.

فالتعليم عن بعد أظهر أن المجتمع الفلسطيني مجتمع مليء بالفجوات والثغرات، هناك فجوة في استخدام التكنولوجيا بين كل القطاعات وحتى بين المعلمين أنفسهم، وصولا الى أفراد الأسرة. غير أن الضغط النفسي وشد الأعصاب عند الأهالي، سواء عند الأمهات العاملات أو غير العاملات كان واضحا في هذه التجربة، بالتأكيد إن مجاراة التقدم التكنولوجي والتجارب العالمية ضرورة في العالم، ولكن بالدرجة الأولى لا بد من مراعاة خصوصية فلسطين والواقع السياسي الصعب والمعقد فيها، الذي يجعلها عرضة لأزمات مختلفة، تؤثر على كافة القطاعات. وقد تكون تجربة التعليم الألكتروني غير مجدية وملائمة في أزمات أخرى، وهذا يستدعي التفكير بخطط طوارئ بديلة في الأزمات، تتناسب مع الواقع السياسي المعقد والخصوصية الفلسطينية التي تمكنت من إبداع أشكال مبتكرة للتعليم في ظروف الأزمات، ومنها على سبيل المثال، التجربة الفلسطينية في تحدي سياسات الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى الكبرى بين عامي 1987-1993، ومظاهر الترهيب للجان الوطنية الشعبية آنذاك، ومحاولة دولة الاحتلال وأجهزتها تعطيل العملية التعليمية بإغلاق المدارس والجامعات، حيث امتازت تلك المرحلة من مراحل النضال الفلسطيني، التاريخي والمميز بكافة أشكاله، بكونها مرحلة ثرية بالعطاء والتماسك والتضحيات، والتكاتف الوطني والشعبـي في حل الأزمات وقوة المواجهة. فقد شكلت الحركة الوطنية الموحدة عندئذ ما يسمى حينها " لجان الأحياء" التي انبثق عنها لجان الحراسة، ولجان الزراعة، ولجان التعليم، وغيرها،  فكان جوهر مهام لجان المعلمين، في الأحياء والحارات ضمان استمرار الطلبة في تلقي البرامج التعليمية المطلوبة، وكانت تساعدهم في ذلك مجموعةٌ من المتطوّعين من طلبة الجامعات والمثقّفين.

والمطلوب في هذه المرحلة خطط تعزز التعليم الذاتي، وتعتمد بالأساس على محاور العملية التعليمية واللجان التطوعية الوطنية، وتضمن عدالة الوصول للجميع بما فيها المناطق المهمشة والمهددة. قد يكون حل التعليم عن بعد أو المدمج أي (الوجاهي والإلكتروني)، في هذه المرحلة هو حل اضطراري لعدم تعطيل العملية التعليمية، وبغض النظر عن بعض السلبيات والإخفاقات في هذه الإستراتيجية، لكن التعليم عن بعد أعاد الأنظار إلى قطاع التعليم كأولوية وطنية أساسية لبناء الدولة وإنهاء الإحتلال، وخلق ثقافة التسامج أو التعددية، والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية. فلا بد من تعزيز دور التعليم، بإعداد إنسان قادر على حمل راية التغيير والتطور، يساهم في التفكير وابتكار الحلول، ويتمتع بالدافعية للتعلم، ولا يحصر اهتمامه وشغفه بتلقي التعليم بغرفة صفية أو وسائل اتصال ذكية. كما تحدى كثير من الأسرى الفلسطينيين عتمة الزنزانه والسجان، وأكملوا دراستهم من خلف القضبان. فإن صناعة الفكر البنّاء وشخصيته ومهاراته وقيمه، هو حجر الأساس لبناء متين ومتميز. والنهضة الحقيقية عمادها التعليم والمعلم، ورغم كل الظروف والأزمات الكونية والمحلية، يبقى التعليم هو ورقة الشعوب الرابحة.

*باحثة، ماجستير تنمية وحل الصراع

 

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت