- اشرف صالح
إن قرار تأجيل الإنتخابات دون وجود خطط بديلة , سواء كانت خطط إستراتيجية أو تكتيكية , هو بمثابة وضع نهاية للمعركة قبل بدايتها , وإن كان قرار التأجيل يمثل التمسك بقدسية وشرعية القدس وهوية المقدسيين , ولكن هذا لا يكفي ولا يغير في الواقع شيئ , ففي إحدى التعريفات الفلسفية الغربية لعلم للسياسة , يقولون أن السياسة هي "فن الممكن" إذن فأين الممكن في قرار تأجيل الإنتخابات ؟ أين الممكن الذي سيجبر الإحتلال على الموافقة على إجراء الإنتخابات سواء في القدس أو في الضفة الغربية ؟ وأين الممكن الذي سيجدد الشرعيات في المؤسسات الفلسطينية ؟ وأين الممكن الذي سيعطي المواطن الفلسطيني حقه في إختيار من سيمثله ويدير شؤونه اليومية ؟ وأين الممكن الذي سينهي إنقسام أسود دام خمسة عشر عاماً.. ؟ إذا فلا يوجد ممكن ولا يوجد آفاق للحلول , فكل ما سيتجدد علينا بعد تأجيل الإنتخابات هو فتح صفحة جديدة من الخلافات ومزيد من الإنقسامات , يبدو أن المعادلة التي وضعوها الساسة وأقروها في العواصم العربية والدولية ستعمل بشكل جيد وفعال , وهي معادلة جاءت بعد فشل ذريع بإنهاء الإنقسام بكل الطرق والأساليب , فلذلك لم يكن أمامهم سوا هذه المعادلة والتي تقول "الإنتخابات مدخل لإنهاء الإنقسام" والتي ستتحول وبموجب علم المعادلات الى بداية إنقسام جديد , لأن الإنتخابات التي ستنهي الإنقسام قد إنتهت , وبالتالي سيستمر الإنقسام وبل ستزيد حدته .
هناك تساؤلات كثيرة تدور في عقل الشارع الفلسطيني والذي جزء منه يخشى على قوت يومه , وجزء يخشى على سلامته الشخصية وحريته , ومن هذه التساؤلات : ماذا لو منع الإحتلال الإنتخابات في القدس لمئة عام , فهل سنبقى دون إنتخابات لمئة عام ؟ وماذا لو أن الخيار الوحيد لإنهاء الإنقسام هو الإنتخابات كما قالو , فهل سيبقى الإنقسام طالما أنه لا يوجد إنتخابات ؟ وماذا لو بقي الإنقسام بسبب أن الأحزاب السياسية عاجزة عن إنهائه , فهل سنبقى رهينة أحزاب سياسية عاجزة عن تقديم أي حلول ؟ , إن كل هذه التساؤلات تعبر عن ضعف الشعب وغضبه الكاتم أمام رغبة الإشباع من الجوع والأمن من الخوف , وتعبر أيضاً عن عجز الأحزاب السياسية في إيجاد بدائل وحلول أمام أقل مشكلة تواجه الناس , فإلى متى لا يوجد بديل ولا يوجد حل , وخاصة بعد نفاذ أخر ورقة كانت في جعبة الساسة , وقد سقطت هذه الورقة مبكراً .
كنت أتوقع أن أشفي غليلي كمواطن فلسطيني بعدما فقدت حقي الديمقراطي , وفقدت الثقة بأداء وقدرات الأحزاب السياسية على تقديم الحلول , كنت أتوقع أن يرافق مرسوم تأجيل الإنتخابات , مرسوماً بتشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية شاملة , تأخذ على عاتقها إنهاء الإنقسام , وتوحيد الوطن جغرافيا وسياسيا وأمنياً وإقتصايا وقضائياً وإجتماعياً , وحل مشكلات الشعب المتراكمة , فهذا أقل ما يجب تقديمه للشعب عوضاً عن فقدانه لحقه في الحياة وصوته في الإختيار ورغبته المكبوته في المبادرة والمشاركة في صنع القرار , إن حكومة الوحدة الوطنية أصبحت أمراً ملحاً وبديلاً منطقياً عن غياب الإنتخابات , وعن غياب الحلول , إن حكومة الوحدة الوطنية هي التي ستغلق أبواب الصراع الداخلي والتي فتحت على مسرعيها بعد قرار تأجيل الإنتخابات , إن حكومة الوحدة الوطنية ليس بديلاً عن الديمقراطية ولكنها بديلة عن ما كانت ستنتجه الديمقراطية , فهي بالإضافة الى أنها ستلبي مطالب الشعب عوضاً عن سنوات الحرمان الماضية , ستكون قاعدة صلبة لوضع إستراتيجية جماعية لخوض معركة طويلة الأمد مع الإحتلال من أجل نيل حقوقنا الدستورية والشرعية .
كاتب ومحلل سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت