أما الآن، فالبديل عن الانتخابات ليس إلا الانتخابات

بقلم: أيوب عثمان

أيوب عثمان
  • بقلم: الدكتور/أيوب عثمان

 كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر(سابقًا)

غزة - فلسطين

 

ما أكثر ما انتظر شعبنا وصبر، وما أطول ما انتظر! وأما من قصر في أمر فإنه يطُلِب إليه ويصبح حجة وعبئاً عليه!

في الآونة الأخيرة، طال انتظار شعبنا كثيرًا وطال إلى أن كان مرسوم الانتخابات الرئاسي، فتنفس الناس الصعداء إذ رأوا بصيص أمل لكنه سرعان ما تلاشى، شأنهم في ذلك دائماً، والحمد لله.

في مقال نشرتٌه يوم الخميس 11 فبراير 2021 تحت عنوان "اجتماع القاهرة الفصائلي عوار ليس بعده عوار"، كان واضحاً أنني لم أكن أشعر - مثل آخرين غيري - وقت الحديث عن الانتخابات بأي أمل في إجرائها، أو بصوابية الإعداد والاستعداد لها، وإن كان لكل فرد أو جهة من فاقدي الأمل في إجرائها رأيه وأسبابه. ولأن المثل الشعبي يقول:" اللي بينْخَطْ بينْحَطْ" ومعناه لمن لم يسمعه ولا يعرفه أن ما يتم خَطُّه والاتفاق عليه تتم ترجمته ويجري العمل بموجبه والالتزام بتنفيذه، وإلا فلا، وهو ما كان في اجتماع القاهرة الفصائلي في القاهرة الذي لم ينجز المجتمعون الفصائليون فيه ما كان ينبغي لهم أن ينجزوه لتأمين ما كان يتوجب تأمينه لإيصال الانتخابات إلى نهايتها لصالح بلوغ غايتها، لكنهم قصروا ولم يفعلوا ما كان لزاماً عليهم أن يفعلوه، إذ إِنهم:

  • لم يتفقوا ولم يلتزموا بضرورة الإصلاح العاجل لمؤسسة القضاء وتوحيد أجهزته وإجراءاته ومرافقه بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشكيل مجلس جديد للقضاء الأعلى، انسجاماً مع القانون الأساسي والسلطة القضائية، فضلاً عن أنهم لم يلتزموا ولم يوثقوا التزامهم بوجوب تحييد القضاء عن أي تجاذبات أو صراعات، تأكيداً على أنه لا ولاية – ألبتة – على القضاء إلا للقانون الأساسي وقانون السلطة القضائية.
  • لم يعالجوا –  بل إنهم لم يتطرقوا أبداً إلى – الإشكالية القانونية التي خلقتها المحكمة الدستورية العباسية غير الدستورية وغير القانونية، فضلاً عن الإشكالية القانونية التي اعترت القرار الذي قضى بتشكيلها، على اعتبار أن تقوم مقامها وتسد مسدها – كما كان طوال الوقت متبعاً – المحكمة العليا، إلى أن يتم إعادة تشكيل المحكمة الدستورية، وفقاً للقانون.
  • لم يتطرقوا إلى معالجة الإشكالية في القرارات الرئاسية الصادرة بقانون في 11 يناير  2021 والتي قضت بتشكيل محاكم نظامية جديدة، وإنشاء قضاء إداري بدرجتين، وإدخال تعديلات على قانون السلطة القضائية رقم 1/2002، فهدمت السلطة القضائية حيث أنزلتها من عليائها لتصبح رهناً لرغبة (الرئيس!) والسلطة التنفيذية منحاً ومنعاً، خلافاً للقانون. وفوق ما سبق، فإنهم طالبوا – ومع أبلغ الأسف وأشده – بإصدار مرسوم رئاسي يقضي بتشكيل محكمة لقضايا الانتخابات (بالتوافق لا بالقانون) من قضاة من الضفة والقدس وغزة، باعتبارها المحكمة الحصرية التي تنظر في قضايا الانتخابات، دون غيرها. فضلًا عن ذلك، فإنهم لم يؤكدوا على أن محكمة قضايا الانتخابات بكامل هيئتها لا يملك (الرئيس!) أدنى ولاية عليها، ذلك أن ولايتها فيما اختصت به، إنما هي ولاية منقطعة لها دون سواها، بموجب القانون.
  • توافقوا –  مع أبلغ الأسف وأشده – على رفع توصية يتوسلون (الرئيس!) بموجبها "للنظر في تعديل بعض النقاط في قانون الانتخابات مثل: تخفيض رسوم التسجيل والتأمين – تقديم الاستقالة وقبولها – شهادة عدم المحكومية – نسبة المشاركة النسائية – تخفيض سن الترشح. وهنا، فإنني أكرر تساؤلي الاستنكاري: ألا يفهم المجتمعون الفصائليون الموقعون على بيان اجتماع القاهرة الفصائلي أنهم بطلبهم (بتوسلهم) هذا إنما يؤكدون على أن (الرئيس!) ليس رئيساً فحسب، وإنما هو زعيم خارق وحاكم ديمقراطي عادل ورمز وطني استثنائي وثائر غير عادي و.. و.. إلى كل ما يمكن أن يجول في الخاطر من مسوغات الزعامة النادرة والبطولة الخارقة والحاكمية الديمقراطية المثالية الرائدة التي يتطلع إليها شعبنا؟!
  • لم يوجهوا إلى (الرئيس!) في بيانهم نقداً أو لوماً – ولو ناعماً خجولاً أو خفيفاً – على ما اتخذه من قرارات وإجراءات أطاحت بالقضاء وأهدرت هيبته، بدءاً من تشكيله مجلساً انتقالياً أعلى للقضاء، ثم ما تلاه من إجراءات كارثية على المؤسسة القضائية. وفي السياق ذاته، فإن المجتمعين الفصائليين في اجتماع القاهرة الفصائلي لم يطالبوا بضرورة وسرعة إعادة الاعتبار للسلطتين التشريعية والقضائية حيث تغولت السلطة التنفيذية على الأولى عبر المحكمة الدستورية غير الدستورية، فيما هدمت الثانية عبر القرارات الرئاسية الثلاثة بقانون والصادرة في 11 يناير 2021. هذا، وإنهم لم يضعوا في الحسبان، محذرين من أن السلطة التنفيذية يمكنها – إن لم يكن القضاء مستقلاً – الالتفاف على أي مجلس تشريعي يتم انتخابه، ما يعني أن استقلال القضاء ضرورة لا غنى عنها ولا مصرف عن تحقيقها. وإضافة إلى ما أوردنا آنفا، فإنهم لم يشيروا إلى ما تم من اعتداء صارخ وفاضح على القانون الأساسي عام 2007، حيث صدر مرسوم رئاسي يقضي بتعطيل المؤسسة التشريعية، ملغياً بذلك ما استقر عليه الفقه والقضاء من مبدأ الفصل بين السلطات، مركزاً إياها جميعها في قبضة واحدة يستطيع (الرئيس!) من خلالها أن يصدر القوانين عبر قرارات بقانون، كما يستطيع أن يعين الوزراء ويعزلهم، ويشكل حكومات ويعزلها، متى وكيف شاء، دون أي مرجعية قانونية.
  • لم يعودوا إلى الوراء – ولو قليلًا – لفهم العبر وترسيخها، حيث لم يَحْذروا ولم يُحَذِّروا من تكرار حل المؤسسة التشريعية المنتخبة عبر نص تفسيري صادف هوىً عند (الرئيس!) جادت به قرائح أصحاب المحكمة الدستورية غير الدستورية، وذلك للتأكيد على أن ذلك الفعل المعيب والعوار الصارخ لن يُسمح له أن يتكرر.
  • لم يعيبوا على (الرئيس!) إصراره على رفض تزامن الانتخابات لصالح تتاليها، ولم يعلقوا على ذلك نقداً أو نصحاً، سلباً أو إيجاباً، وهو أمر لم يكن – ولن يكون – في صالحهم باعتبارهم قادة لشعب طال نضاله وعيل صبره في سبيل انعتاقه وحريته واستقلاله.
  • لم يطالبوا بإعادة صياغة قانون السلطة القضائية على نحو يكفل استقلاليتها، الأمر الذي من شأنه أن يمكنها من الاضطلاع بدورها للقيام بضبط قوي محكم ونزيه ومحايد للعملية الانتخابية. هذا، وإنهم لم يصدروا توصية تحذيرية مفادها أنه ما لم يُعَدْ للسلطة القضائية اعتبارها ضماناً لنزاهتها واستقلاليتها، فإن الانتخابات قد تنتج مجلساً تشريعياً مشوهاً أو محشوراً بين مطرقة السلطة التنفيذية وسندان السلطة القضائية المطوية ضمن صفحتها والمحلقة بها والتابعة لها، وهو أمر كارثي له ما بعده.
  • أما الأهم من كل ما هو مهم، فهو أنهم لم يحسموا ولم يتفقوا ولم يضعوا خطة عمل للاشتباك مع دولة الاحتلال حال اعتراضها على إجراء الانتخابات في مدينة القدس، وهو ما استخدمه (الرئيس!) ذريعة لتأجيل الانتخابات، أو لنقل إلغاءها.

فبعد أن تممت لجنة الانتخابات المركزية واجباتها التحضيرية، حيث اعتمدت قوائم المرشحين وهيئات الرقابة المحلية عليها، وأشخاص الصحافة والإعلام الموكلة إليهم مهمة التغطية الإعلامية، ووضع الأسس والتعليمات الخاصة بالدعاية الانتخابية، ما يشكل حافزاً قوياً على مواصلة العملية الانتخابية حتى بلوغها نهايتها التي ستنقل – افتراضياً وواقعياً – المجتمع الفلسطيني مما كان فيه إلى ما ينبغي أن يكون عليه.

ولكن – وقبل بدء القوائم الانتخابية بيوم أو بساعات من ممارسة الدعاية الانتخابية طبقاً للقانون – أعلن أبومازن إلغاء (ولن أقول تأجيل) الانتخابات، متذرعاً بعدم سماح دولة الاحتلال الصهيوني بإجراء الانتخابات في مدينة القدس، فضلاً عن رفضها السماح بدخول بعثة الرقابة الدولية الأوروبية، الأمر الذي يعني – بل يؤكد – أن دولة الاحتلال هي من يمنح الموافقة على إجراء الانتخابات أو يمنعها. هذا التصرف الإسرائيلي له معنيان: أحدهما ظاهر معلن، فيما الآخر خفي مبطن. أما الظاهر المعلن، فهو حسابات التغير الذي قد يطرأ على التمثيل السياسي الفلسطيني الذي يذهب في اتجاه إشراك الشعب الفلسطيني في ممارسة حقه الطبيعي في تقرير مصيره والتحرر من الاحتلال الصهيوني ومن بناء دولة فلسطينية تقام على نهج مؤسسي ديمقراطي. وأما السبب الآخر - وهو السبب الحقيقي الخفي - فهو التمسك الصهيوني القوي بالوعد الترامبي الذي قدم مدينة القدس الموحدة هدية لإسرائيل لتكون عاصمتها الموحدة؛ يضاف إلى ذلك اهتمام نتنياهو الذي لا حد له لكسب المتطرفين اليهود وغلاة اليمين الديني واليمين القومي المتطرف من خلال تمسكه التام والشديد بالقرار الأمريكي القاضي بجعل القدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال.

أما الموقف الفلسطيني بأنه لا انتخابات بدون القدس، فهو موقف راسخ لا يختلف عليه اثنان وإن كانا مختلفين سواء في تأييد الانتخابات أو في معارضتها، لكن هذا الموقف الفلسطيني الراسخ بأنه لا انتخابات بدون القدس لا يبقى على الدوام راسخاً كما هو إذا كان تأجيل الانتخابات أو إلغاءها. وعليه، فإن مقولة "لا انتخابات بدون القدس" لا يمكن أن يكون المعنى الوطني المرتبط بها هو إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، ولكن المعنى الذي يجب أن يظل على الدوام مرتبطاً بهذه المقولة " لا انتخابات بدون القدس"، إنما هو أننا لن نوافق على أي انتخابات تستثني القدس بمعنى أننا نصر على إجراء انتخابات لا بد أن تكون القدس في بؤرتها، وحتى يتحقق ذلك، وتحظى مدينة القدس بالانتخابات، فقد كان من الواجب اتخاذ التحوطات اللازمة والضامنة لإجراء الانتخابات دون أن يكون لإسرائيل أي إمكانية لتعطيلها، وهو ما لم يتم على المستوى الفلسطيني، ابتداء.

الأصل هو أن تنخرط مدينة القدس في مشاركة الانتخابات على مستوى الترشح والاستعداد والدعاية والتصويت ثم إعلان النتيجة، سواء كان القرار الإسرائيلي منعاً أو منحاً. وفوق ذلك، فقد كان من قبيل الحرص والواجب والاستعداد الوطني أن يكون لدينا سيناريوهات أو خطط بديلة إن لم تنجح ألفها فباؤها بحيث تتحقق الضمانة بتمكين أهل القدس من ممارسة حقهم الانتخابي في مدينتهم المقدسة، طبقاً للقانون. إن من الضرورة الوطنية ان تكون لدينا خطط لمواجهة قمع دولة الاحتلال للناخبين وللمرشحين بحيث يتم اللجوء إلى مختلف الأساليب التي من شأنها تحقيق ضمانة مشاركة أهالي القدس في الانتخابات، بغية تمثيل مدينة القدس في المجلس التشريعي المرتقب. فإجراء الانتخابات في القدس يتطلب إنجاز خطة وطنية ومجتمعية تشارك فيها جميع القوى السياسية والشخصيات والفعاليات المقدسية على اعتبار أن مدينة القدس المقدسة هي عنوان الانتخابات الفلسطينية ضمن القرار الوطني الفلسطيني المستقل.

بعد انقضاء ستة عشر عاماً على آخر انتخابات فلسطينية تم إجراؤها، قضى أبومازن هكذا بتأجيلها الذي هو إلغاؤها، الأمر الذي سيولد سلبيات تتجاوز كل السلبيات التي قد ترتبت على فوز أو خسارة طرف أو غيره. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، وبقوة، هو: ألم يَجُلْ في خُلد أبي مازن أن إلغاء الانتخابات أو تأجيلها بعد مضي أحد عشر عاماً على وجوب استحقاقها سيؤدي إلى نتائج تفوق في سلبيتها أي سلبية أخرى ينتجها فوز فائز أو خسارة خاسر. فالخراب الحاصل في البنيوية السياسية لدينا لا مجال – ألبتة – لترميمه إلا بإعادة تنظيم البنية والبيئة السياسية وتفعيلها وتطويرها عبر إشراك الشعب، على أن يتم تشكيل ذلك من خلال أفكار وأساليب عمل ومبادرات ليست الانتخابات إلا أهمها وأكثرها فعالية وأرقاها فكراً.

خلال السنوات الماضية، جرت أمور كثيرة أنتجت أزمات إن ظلت آخذة في التصاعد والتصعيد  والتفجر، فإنها قد تنتج حالة من الفوضى قد تمكن دولة الاحتلال من أن تثبت أن هذا الشعب الفلسطيني ليس في مكنته، أبداً، أن يقرر مصير نفسه بنفسه. وعليه، وحتى نتجنب الدخول في حالة من الفوضى التي قد تُذهِب أي شيء إيجابي تمكن شعبنا حتى اللحظة من تحقيقه والاحتفاظ به والمحافظة عليه، فإنه لا محيص ولا مصرف عن ضرورة الشروع في عملية تتواصل من التجديد والتغيير والبناء، لا سيما وإن شعبنا يعيش هذه الأيام ويتفاعل مع حراك داخلي قوامه وجود 36 قائمة انتخابية طرحت نفسها في معترك انتخابي ضم 1389 مرشحاً. فنزول 36 قائمة في السباق الانتخابي ربما يكون شكلاً من أشكال التفاعل الإيجابي الهادف إلى التغيير الحقيقي الذي ربما يبدأ بوضع اليد على الأوضاع والأوجاع والأخطاء والخطايا بغية الانتباه والتنبه على درب التغيير الحقيقي المبني على حقائق الأخطاء وأسبابها وحيثياتها والإصرار على تجنبها وفي صدارتها وَصْد الأبواب أمام أي تدخل خارجي وعدم السماح لأي مال سياسي أن يخلق بُنىً أو أتباعاً يدينون بالولاء لنظام سياسي عبثي يعاني الهرم والشيخوخة والضعف وغياب الروح الوطنية لصالح المغامرة غير المحسوبة والمقامرة والمساومة. فإذا ما ازداد هذا الحراك نشاطاً فبدأ في ملامسة أي تغيير إيجابي تصحيحي حقيقي، فإنه سيرسم – بالتأكيد –  نهاية جدية وجادة لأحلام مراكز القوى والاستقواء التي تعمل ليل نهار من أجل أن ترث الخراب فتقود سفنه وقاطراته على جثة المجتمع الفلسطيني وثورته.  فنزول 36 قائمة انتخابية إلى حلبة السباق الانتخابي يمكن أن تُفهم على أنها محاولة وطنية جادة تستهدف تغيير واقع ظالم رديء أسهم في رسمه بالدرجة الأولى حركة فتح بإخفاقها وحركة حماس بفوزها، كما تستهدف الابتعاد عن وراثة السلطة الخَرِبَة أو نيل حصة منها.

إنني أرى أن القوائم الانتخابية التي بلغ عددها ستة وثلاثين قائمة بعدد كلي بلغ 1389 مرشحاً يمكن بانفتاحها الجيد على المجتمع أن تخلق نوعاً من الشراكة الإيجابية القوية شديدة التحرك والفعالية والانتشار على درب التحرر والعطاء والوحدة، دونما تدخل خارجي. وعليه، فإن ما ينبغي عمله الآن، هو أن نتغير لنغير، على أن التغيير ليس كلمة تقال لمجرد التعبير عن رأي أو فكرة أو رغبة، ولكن التغيير عند شعبنا الذي عاني ويعاني كثيراً وطويلاً هو رؤية ومسار ومسيرة لمشروع تحرر وطني فلسطيني (لا خارجي) واعدٍ للخُلَّص من بُناته بالفكر الثوري الوطني والعمل الجدي المتصل وللخُلَّص أيضاً من أبنائه بالالتزام والصدق والتضحية، دونما مكان، أبداً، لكل صاحب جدول شخصي نفعي أو أجندة معادية، حتى وإن كان عمله ليس مندرجاً – بوضوح طاغ -  تحت عنوان فاسد أو مسمى مخادع، ذلك أن الرغبة الحقيقية في إحداث التغيير إنما يلزمها وسط جيد أو مناخ مستقل لا طغيان للفساد فيه.

وبعد، فإنه لا تغيير أبداً في حالنا إلا إذا نحَّينا رموز فشلنا الذين كلما أبقينا عليهم، أملاً في نجاح،  ازددنا فشلاً، فإذا ما نحَّينا صناع الفشل بات الميدان فسيحاً أمام عقول جديدة في الفكر والقول والعمل. أما التغيير فليس – كما أسلفنا – كلمة نقولها ثم نمضي لتمضي هي إلى ما تمضي إليه، فتبقى كلمة تذهب الرياح بها كل مذهب، وإنما التغيير فعل وممارسة، قبل إجراء الانتخابات، وأثناءها، وبعد إجرائها. فقبل الانتخابات، يتعرف الناخبون على مرشحيهم ويطلعون على  تاريخهم وأفكارهم ورؤاهم ومدى قدرتهم على إحداث التغيير الذي من شأنه أن يغير حياتهم على كل مستوى، وبعد الانتخابات يرون فيهم ما قد يرون من صدق وتضحية أو كذب وتدليس ونفعية.

أما آخر الكلام، فإن الانتخابات التي تم - بالغش والخداع والفهلوة وغياب الوطنية - تأجيلها، يمكن – بل يجب – تجديدها وإعادة إحيائها واستئنافها، وإلا فهل من قيمة أو ثقل أو وزن لستٍّ وثلاثين قائمة انتخابية قوامها 1389 مرشحاً أقعدهم – كما أقعد شعباً بأسره كان سيصدر حكمه فيهم – قرار منعدم صدر عن غير مخول فقضى بما لم يُخَوَّلْ به.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت