- بقلم: رضوان أبو جاموس
مما لا شك فيه أن معركة "سيف القدس" التي خاضتها المقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني شكلت منعطفا كبيرا في تاريخ الصراع بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال، حيث ضربت المقاومة الفلسطينية مثالا يحتذي به في النخوة والشهامة، عندما لبت صرخة حرائر بيت المقدس وأهالي الشيخ جراح.
وبرهنت المقاومة استعدادها للشهادة ولمواصلة القتال حتى آخر النهاية فالموت في سبيل الدفاع عن القدس أسمى الامنيات وبات من المسلّمات المؤكدة عند
الفلسطينيين، فعلى الرغم من استخدام الكيان الغاصب أقصى درجات القصف الهمجي الذي طال كل المؤسسات والبنى التحتية والمنازل، الا إن كلفة الذل
والهوان أكبر من كلفة الحرب والجهاد.
من الملاحظ في جولة القتال هذه أن النصر كان حليف الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وعلى رأسها كتائب القسام وسرايا القدس منذ الضربة الأولى،
فشاهدنا كيف تطورت صواريخ المقاومة كسلاح استراتيجي عما كانت عليه في جولات القتال السابقة، من حيث دقتها ومدياتها وأعدادها، وففي هذه ا لجولة
تعرضت البقرة المقدسة "تل أبيب" لأولى الضربات الصاروخية مباشرة فأصبح قرار ضرب تل ابيب كشربة ماء.
بطبيعة الحال مثَّل ضرب العمق الصهيوني وما نجم عنه من خسائر في الأرواح والممتلكات تطورًا في سياق الردع المتبادل بين إسرائيل والمقاومة، لاسيما
مع إطلاق عدد يتراوح بين نحو 3500–4000 صاروخ على مختلف المناطق الإسرائيلية، ومن أبرزها: القدس وبئر السبع خلال أحد عشر يوماً.
من هنا يمكن القول أن ما قبل معركة "سيف القدس" ليس كما بعدها، حيث شاهد العالم بأسره النتائج الإيجابية التي حققتها المقاومة الفلسطينية سواء على الصعيد الدولي أو الصعيد المحلي والمشهد الفلسطيني على وجه الخصوص.
نلاحظ أن معركة سيف القدس أعادة الصراع مع المحتل لطبيعته التاريخية، ووحدت الشعب الفلسطيني في خندق المقاومة متجاوزه حدوده الجغرافية والسياسية، ورفعت الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، حيث شملت المعركة الحالية كل الجغرافية الفلسطينية انطلاقاً من القدس والشيخ جراح مرورا بغزة العزة وضفة الإباء وصولا لثورة فلسطيني الداخل المحتل.
كما أن المواجهة الحالية تختلف في ظروف انطلاقتها فرمزية المكان والزمان من قلب مدينة القدس بكل من تحمله من دلالات رمزية ووطنية وقومية ودينية
وعالمية، بل إن مشاركة فلسطينيي الـ48 في العمل المقاوم المباشر شكّل لافتةً بارزة تعلن عن مستوى جديد للمواجهة مع الاحتلال. لقد شكل فلسطينيو الداخل المحتل علامةً فارقة، خصوصاً في المدن المشتركة سكنياً، كما في القدس واللد وغيرهما.
وعلى الصعيد الدولي أعادة معركة "سيف القدس" الاهتمام والاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للامة الإسلامية، بعد سنوات من التهميش والتراجع وانحراف البوصلة وتهافت البعض للتطبيع المهين مع دولة الاحتلال، حيث شاهدنا المسيرات والفعاليات الشعبية تجوب مختلف الدول العربية من العراق واليمن مرورا بالأردن ومصر وصولاً للمغرب العربي.
علاوة على ذلك فقد شهدت العواصم الغربية حراك وفعاليات شعبية مؤيدة للشعب الفلسطيني ومطالبه بتحقيق مطالبة العادلة في الحرية والعدالة، حيث خرج مئات الالاف في بريطانيا وامريكيا وفرنسا والمانيا الشوارع والأماكن العامة أمام السفارات الصهيونية داعمين لنضال الشعب الفلسطيني ومنددين بجرائم الاحتلال.
كما أن معركة سيف القدس كشفت ضعف دولة الاحتلال وهشاشة جبهته الداخلية وأنها أوهن من بيت العنكبوت، وأن فصائل المقاومة الفلسطينية مع ضعف امكانياتها فرضت معادلة الرعب المتبادل والقصف بالقصف، وعجزت عن تحقيق أي من أهدافها المعلنة وغير المعلنة بإيقاف إطلاق الصواريخ، أو اغتيال أي من قادة المقاومة.
أكثر من ذلك، لقد دفع استهداف دولة الاحتلال المباني والمؤسسات الدولية بما فيها الإعلامية، التي طالت مكاتب وكالات الأنباء العالمية ومحطات إعلامية
كالجزيرة، لزيادة الضغط الدولي الرسمي لوقف العدوان وبدا ذلك جلياً من تخبط قادة دولة الاحتلال وتصريحهم بخطأ قصف المقرات الإعلامية.
وأكدت معركة سيف القدس أن الدلالات والنتائج المرتبطة بها كبيرة جداً، ستكون لها انعكاسات حقيقية مباشرة، في مقدمتها أن صواريخ المقاومة باتت قادرة
على أن تطال كامل فلسطين التاريخية، الأمر الذي يكتسب معاني أكثر تفاؤلاً بأن الطريق للقدس بات أقرب مما يتصوره البعض "وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبا.
هذه الدلالات والنتائج تمثل جزءاً من إشارات التحول الاستراتيجي في طبيعة التعامل مع العدو الصهيوني كدولة احتلال، وليس كدولة صديقة يهرول البعض
للتعاون والتطبيع المشترك معها، فمن حسنات معركة سيف القدس أنَّ دول التطبيع تلقت صفعة قوية ووصمة عار.
كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت