كي تكون المقاطعة، في سياق خطة وطنية شاملة

بقلم: جهاد سليمان

جهاد سليمان
  • جهاد سليمان\ عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

تشكل حركة المقاطعة جزءا أساسيا من أشكال المقاومة الناعمة، التي تؤثر بشكل مباشر على إقتصاد دولة الإحتلال الإسرائيلية، خاصة بعد ما شهده العالم من نمو لافت، لحملات مقاطعة البضائع الاسرائيلية، والتي شكلت قوة ضغط شعبية على المجتمع الدولي،لاتخاذ خطوات عملية، لمعاقبة الإحتلال الإسرائيلي بمقاطعة بضائعه، لحين التوصل للمقاطعة الدبلوماسية والسياسية الشاملة، وذلك بتعظيم الراي العام العالمي المؤيد للقضية الفلسطينية، وللحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، المنصوص عليها بقرارات الشرعية الدولية، المتمثلة بإنهاء الإحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين.

بتاريخ 27 أيار 2021، أصدرت وزارة الإقتصاد الفلسطينية قرارا يقضي بمنع منتجات شركة "تنوفا" الإسرائيلية، من الدخول إلى السوق الفلسطينية، معتبرة أن الشركة لم تلتزم بالمعايير التي وضعتها الوزارة المتعلقة بوضع تاريخ الإصدار وإنتهاء الصلاحية على المنتجات.

تعتبر "تنوفا" هي إحدى أكبر الشركات الإسرائيلية  لصناعة الألبان والمواد الغذائية،  لكن الإتحاد الأوروبي أصدر قرارا في شباط 2014، حظر من خلاله إستيراد منتجاتها، ونفذ هذا القرار ابتداء من كانون الثاني 2015، وبموجب هذا القرار لم تعد المفوضية الأوروبية تعترف بسلطات المراقبة الإسرائيلية في الأراض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وذلك بعد عدة وثائق تبين من خلالها، تورط هذه الشركة بدعم المستوطنات غير الشرعية، وإعتمادها على إنتاج الشركات في المستوطنات فيما يتعلق بالمواد الخام التي مصدرها مستوطنات بيت يتير، كرمل معون، مخدال عوز، وروش تسوريم، الواقعة في الضفة الغربية.

وفي آب 2014، عقب إصدار قرار الإتحاد الأوروبي بحظر الإستيراد من هذه الشركة، أصدرت وزارة الزراعة الإسرائيلية بيانا، تنصح من خلاله فصل الحليب الخام القادم من المستوطنات غير الشرعية عن المنتج داخل الخط الأخضر، ولكن يستحيل تصديق هذا البيان بسبب عدم وجود أي دليل قاطع يثبت أن هناك فصل فعلي داخل المصنع، كما أنه لا يشكل مبررا إستغلال الأراضي الفلسطينية المحتلة والموارد الفلسطينية، رغم علم الشركة بأن المستوطنات هي غير شرعية، ومخالفة لقواعد القانون الدولي، وتحديدا نص المادة 55 من قواعد لاهاي 1907.

وفي هذه الحالة، فإن نشاطات هذه الشركة تتيح الإستغلال المستمر واليومي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وللموارد الفلسطينية، متجاهلة القانون الدولي، فلم تكتف شركة "تنوفا" الإسرائيلية بشراء المواد من المستوطنات غير الشرعية من شركة "تاعفوراه"، التي  قدمت خدمات هندسية متعلقة بنقل الحمولات الثقيلة من المستوطنات إلى السلطات الإسرائيلية أثناء بناء جدار الفصل العنصري، الذي أدانته محكمة العدل الدولية في الفتوى الإستشارية عام 2004،  وشاركت في بناء جسرين في الضفة الغربية، الأول فوق شارع رقم 1 بجانب المنطقة الصناعية "ميشور أدوميم"، والثاني في طريق 4/20 فوق شارع رقم 433 في الضفة الغربية، و قامت  بنقل الدبابات الإسرائيلية خلال العدوان على قطاع غزة عام 2012، بل سهلت النشاطات الإستيطانية الإسرائيلية غير الشرعية للسلطات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية.

لكن على الرغم من حظر الإتحاد الأوروبي لشركة "تنوفا"، مازالت هناك بعض الدول الأوروبية مستوردة لمنتوجاتها الغذائية، حيث تقدر السوق الإسرائيلية لصناعة الألبان بقيمة 7.5 مليار شيكل إسرائيلي، وتغلغلت في الأسواق الفلسطينية وخنقتها، بسبب السيطرة الإسرائيلية على المعابر الحدودية.

ولا تكتفي هذه الشركة بصناعة الألبان والمواد الغذائية، بل هي من أكبر الشركات التي تمتلك أسهم في شركات المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية مثل شركة "معدنوت" "سانفروست" للخضار، "عانفيي تسيون" للمربى وتعمل في عسقلان، وكان مجموع عائداتها 6.8 مليار شيكل خلال عام 2014، بالإضافة إلى تجارة الدواجن، التي إمتلكت أسهم شركة "برايت فود" الصينية عام 2015.

كما تجني شركة "تنوفا" حوالي 65 مليون دولار سنويا، من الأسواق الفلسطينية، ما جعل حركات المقاطعة وبعض المبادرات المحلية، تطلق حملات لمقاطعتها، وذلك بسبب قمعها للمزارعين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث قام جيش الإحتلال الإسرائيلي بهدم مصنع ألبان بلدة البرج الفلسطينية الواقعة في منطقة الخليل، كما هدم مزرعة ألبان كاملة في بلدة خلة الوردة الفلسطينية، كي لا تنافس شركات المستوطنات، ولإجبار الفلسطينيين لإستيرادها بدلا من مقاطعتها، في ظل بروتوكول باريس الإقتصادي، المتحكم بالإقتصاد الفلسطيني، ومن الأدلة على ذلك، قامت قوات الإحتلال الإسرائيلية بهدم مزارع عائلة ندي في بيت حانون، التي كانت تمتلك 370 بقرة، ما أدى إلى هبوط كميات إنتاج الحليب، وأطلقت النار أيضا عمدا على عدد كبير من المواشي كانت توفر دخلا لحوالي 17 عائلة، وفي المقابل، تم تهديم مصنع الألبان الفلسطيني "دلول" مرتين، الذي كان يوفر لقطاع غزة الحليب، والألبان والأجبان، وبأسعار منخفضة مقارنة بالأسعار المقدمة من شركة "تنوفا" الإسرائيلية.

بينما يخوض الفلسطينيون صراعا على كافة الأصعدة مع الإحتلال الإسرائيلي، من خلال حظر بيع منتوجاته الوطنية بحجة أنها غير مطابقة للمواصفات، وذلك عقب حملات المقاطعة التي أطلقها ناشطون فلسطينيون لحظر شراء منتوجات شركة "تنوفا" الإسرائيلية، حيث وصلت الخسائر الإسرائيلية إلى 1.8 مليار دولار، كما تم تشكيل لجنة من وزارة الإقتصاد الوطني والزراعة والصحة والضابطة الجمركية ودائرة حماية المستهلك، لتفريغ مستودعات التجار من منتوجات شركة "تنوفا"، وأقفلت السلطات الفلسطينية المتاجر التي لم تلتزم بقرار المقاطعة، كما أوقفت 8 شاحنات تابعة للشركة الإسرائيلية من دخول معبر "بيتونيا" التجاري، بين رام الله والقدس، وأتلف 57 طنا من السلع الإستهلاكية الإسرائيلية.

برزت مطالبات فلسطينية بإلغاء التعامل بعملة الشيكل الإسرائيلي، للضغط على الجانب الإسرائيلي، والتحرر من بروتوكول باريس الإقتصادي الذي يكبل اليد العاملة الفلسطينية، ويربط إقتصادها بالإقتصاد الإسرائيلي، الذي يحد من قدرتها الصناعية والإنتاجية، وعندما تبلغت دولة الإحتلال الإسرائيلية بذلك، أقدمت على تقليص 8 ساعات بالنهار من الكهرباء على الشعب الفلسطيني، بحجة تراكم الديون المستحقة لشركة "تنوفا" على الفلسطينيين، ما يستدعي متابعة الجهات المختصة وإتحاد الصناعات الفلسطينية وضع خطة شاملة وكاملة، وإيجاد بدائل مناسبة عن المنتجات الإسرائيلية، والتخلص من هيمنة الإحتلال الإسرائيلي وإبتذاذاته.

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت