- اشرف صالح
إن وقف إطلاق النار المتبادل بين الفصائل في غزة وبين الإحتلال في الحرب الأخيرة , كان طوق النجاة للناس اللذين كانوا سيدفعون الثمن في حرب ستكون نتائجها كنتائج الحروب الثلاثة الماضية , وهذا ما جعل الناس يكبرون ويهللون في منتصف الليلة التي أعلنت فيها الفصائل خبر الهدنة , لأنهم كانوا يدركون جيداً ما الذي سيحدث بعد إنتهاء حرب قد تدوم شهر أو شهرين , وقد تنتهي بدمار ثلث غزة بعدما بدأت بتدمير الأبراج , ولكني لم أكن أتوقع أن الفصائل ستكمل هذا المشهد حتى النهاية , ليتحول من فرحة بسبب الخروج بالسلامة من الحرب الى فرحة إنتصار بحسب ما تقول , وأن تضع حجر أساس للإنتصار الذي تريد أن تعممه بين الناس , وبالفعل أقيمت المهرجانات في كل محافظات غزة , ونظمت العروضات العسكرية في شوارع غزة , وتم التعميم على جميع المساجد والمؤسسات العامة والشوارع والميادين بأن ما حدث هو الإنتصار الذي ينتظرونه الناس , ومن يقول غير ذلك فهو عميل ومنبطح وخارج عن الصف , وبهذه الطريقة التي إتبعتها الفصائل سواء بقصد أو بغير قصد , سكرت الطريق أمام كل من يريد أن ينتقد , أو من يريد أن يعرف الإنتصار الحقيقي والذي يتمثل في تحرير الأرض , أو على الأقل إقامة الدولة , أو على الأقل تحقيق بعض المطالب , أو على الأقل جلوس الفصائل على طاولة الحوار في القاهرة , أو على الأقل الإتفاق على بناء برج كان قائمأ قبل الحرب وأصبح ركام بعد الحرب , ليصبح موضوع الحوار الفلسطيني , وأيضاً ليصبح من الثوابت كالقدس وعودة اللاجئين والإستيطان , وربما يطول الحوار لسنوات على كيفية بنائه .
إن الحرب الأخيرة جعلت غزة تحصل على تعاطف ودعم عربي ودولي كبير , بسبب لم أذكره في بداية مقالي وهو وحدة الشعب الفلسطيني حول موضوع القدس , ورغم أن هذه الوحدة ذهبت أدراج الرياح بمجرد ما إنتهت الحرب , ورغم أن الساسة فشلوا في إستثمار هذه الوحدة , إلا أنها حققت دعم مالي لم يسبق له مثيل , حيث بدء بمليار دولار من مصر الشقيقة وقطر , وسينتهي بمليارات بحسب ما نقرأ في وسائل الإعلام , ولكن هذه المليارات ستكون إضافة جديدة في عدم الثقة , وحاجز جديد يحول بين الشعب وبين الفصائل والحكومات بسبب التشكيك في توزيعها بالعدل والمساواة , والمصيبة الأكبر أن هذه المليارات ستكون ملف جديد يحتاج الى حوارات جديدة في القاهرة , بحيث أن آلية صرفها مجهولة لحتى الآن , والجهة التي ستشرف على صرفها مجهولة لحتى الآن.. وكأنها لعنة حلت علينا , حتى الأرزاق التي تأتي بعد الحروب أصبحت محل خلاف بين المتحاورين اللذين إتخذو الحوارات مجرد وظيفة وروتين .
ربما تكون هذه المليارات التي جمعها المتبرعين , أرزاق كتبها الله للناس كي يعوضهم عما رأوه في الحرب , ويعوضهم أيضاً عن خسائرهم المادية نتيجة الحرب , وهذا في حال تم توزيعها بالعدل والمساواة ووضعها في مكانها الصحيح , ولكنها أيضاً شكلت ملف خلاف جديد بين الفصائل , وهذا الملف دق ناقوس الخطر من جديد , ليقول لنا بكل صراحة "إذا كانت فصائلنا مختلفة على إدارة ملف الإعمار والدعم المالي , فماذا ستفعل بباقي الملفات والتي تتمثل في منظمة التحرير , وملف تبادل الأسرى, والهدنة طويلة الأمد , وتشكيل حكومة وحدة , والإتفاق على إستراتيجية موحدة لمواجهة الإحتلال , واواواواوا " فكل هذه الملفات كانت على طاولة المخابرات المصرية جملة واحدة , ومن المفترض أن تبدأ بالحوار مع الفصائل اليوم أو غداً , ولكن المخابرات المصرية أدركت أن فصائلنا غير قادره على تحريك ملف واحد فقط , ومن ثم ألغت أو أجلت هذه الحوارات والتي كانت ستعود عليها وعلينا بالفشل من جديد , والسبب الذي يتربع على قمة الأسباب التي ذكرتها , هو أن إسرائيل غير جادة وغير مستعدة في هذا الوقت وبالذات لتحريك ملف صفقة التبادل المرتقبة , وذلك بسبب أن زمن نتنياهو إنتهى , وغداً ستكون حكومة يمينية جديدة ستتولى ملف صفقة التبادل , وستضع لها رؤية جديدة وتصور جديد , وهذا بحد ذاته قلب طاولة الحوار أمام المخابرات المصرية , فالخابرات المصرية أدركت أن المليارات التي تأتي الى غزة أصبحت بحاجة الى حوارات مكثفة , فماذا سيكون شكل باقي الملفات الثقيلة إذاً !!! .
كاتب ومحلل سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت