في غزة .. وجبة غداء لم تكتمل

الغداء الاخير

الأموات لا يشعرون، فبعد رحيلهم يبقى الألم ليُغذّي ذاكرة من كانوا حولهم، هكذا بدأت الحكاية مع بدء الأم بافتراش أطباق الغداء الأخير الذي لم يؤكل حتى هذه اللحظة، ثوانٍ معدودة تكفّلت بتجميد الزمن عندها، ليرحل من كانوا يحيطونه ويبقى الألم، الغداء الوحيد لتلك العائلة المكلومة تسند فيه جوفها كلما أحست بالجوع.
يروي المواطن محمد زياد ابو داير ما حصل معهم في ذلك اليوم: "نحن نسكن مقابل عمارة ابو العوف المكان الذي حصلت فيه مجزرة شارع الوحدة بمدينة غزة التي راح ضحيتها 46 شهيدا، نظرا لتعرض المنطقة للقصف انتقلنا إلى منزل عمي الذي يقع في الشارع أيضا لكن في منطقة أبعد  قليلا مكثنا هناك لمدة يومين وفي اليوم الثالث قررنا أن نتناول طعام الغداء، اجتمع افراد العائلة الذين كان عددهم  15 شخصا في فناء المنزل، كون الكهرباء منقطعة داخله ولا يوجد اضاءة كافية".

ويضيف ابو داير: "جلسنا داخل ساحة المنزل وجهزنا ما يلزم للطعام والعصائر، في تلك اللحظة كان والدي يقوم بقراءة القرآن على هاتفه المحمول على بعد مترين من تلك المائدة، ورفض والدي الجلوس على الأريكة التي كان يجلس عليها حتى ينتهي من قراءة القرآن، ويتابع وهو يشير إلى ما تبقى من أطباق الطعام التي اكتست بلون الدمار: "ما هي إلا دقيقة سمعنا صوت الصاروخ، اعتقدنا أنه متجه نحونا حتى تحول المنزل إلى غبار أسود وانتشرت رائحة البارود الذي كان ينبعث من المكان، وتساقطت الحجارة على رؤوسنا بشكل كثيف في تلك اللحظة لا أحد يعلم مصير الآخر".
وأضاف ابو داير: "اشتعلت النار في قطعة من القماش الموجودة داخل ساحة المنزل، ولحسن الحظ كانت براميل المياه في المنزل الذي يقع بجوارنا ما ساعد على اطفاء النار، انقشع الغبار ونظرت إلى والدي وجدته ملطخا بالدماء ولا يقدر على الحركة في لحظتها كان قد فارق الحياة شهيدا". يقول خالد أبو داير شقيق الشهيد زياد عم الطفلة الشهيدة رفيف: "رفيف طفلة تبلغ من العمر 11 عاما كانت تجلس بجوار عمها رحمه الله، كانت قد رسمت صورة عمارة ابو العوف التي وقعت فيها المجزرة قبل أيام، ويحيط بتلك الرسمة مجموعة من اعلام الدول الغربية لكنها لم تكمل تلك الرسمة".

كانت رفيف تقوم بشراء التمر والماء من مصروفها وتقف أمام المنزل وتقوم بتوزيع التمر على الصائمين المتأخرين في الشارع، تبادلهم الابتسامة رحلت رفيف وظلت رسمتها التي ستبقى شاهدة على براءة الطفولة وعلى حلمها وعلى كل شيء.
رحلت وتركت خلفها اختها ريماس التي كانت رفيقتها وشريكتها في ألعابها وملابسها أما المتأخرون الصائمون الذين كان لهم نصيب من تمر رفيف فكيف لهم أن ينسوها، أما عيون محبيها فلن تتوقف عن الذرف، ترك هذا العدوان الإسرائلي في كل بيت قصةً وألف دمعة.

المصدر: - غزة-عبدالرؤوف أبو عاذرة