يقضي الفلسطيني سعيد العر من غزة ساعات طويلة يوميا في علاج عشرات الكلاب والقطط الضالة التي أصيبت جراء هجمات إسرائيلية على قطاع غزة خلال موجة التوتر الأخيرة الشهر الماضي.
وشنت إسرائيل في الفترة من 10 إلى 21 مايو الماضي حملة عسكرية على قطاع غزة على إثر حوادث توتر في شرق القدس ومواجهات مع الفلسطينيين في المسجد الأقصى بعدة أيام أدت لوقوع عشرات الإصابات.
وعلى مدار 11 يوما من القتال العنيف نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية مئات الغارات الجوية العنيفة على قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة، في المقابل أطلقت الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة آلاف الصواريخ على إسرائيل.
ويقول سعيد العر في الخمسينات من عمره لوكالة أنباء (شينخوا)، إن موجة التوتر أدت لإصابة عشرات الحيوانات الضالة جسديا ونفسيا جراء الضربات الجوية التي استهدفت أماكن متفرقة من القطاع.
ويضيف العر وهو أب لثمانية أطفال بينما يجلس أحد الكلاب أمامه لإجراء فحوصات طبية أن "تلك الكائنات غير الناطقة لا يمكنها التعبير عن آلامها أو المخاوف التي تعيشها وفي غالب الأحيان يتركون بمفردهم دون أي مساعدة من أحد".
وطيلة الأيام الماضية التي أعقبت موجة التوتر جاب العر وهو ليس طبيبا بيطريا إنما شخص يهوى هذا الأمر ، شوارع قطاع غزة بحثا عن الحيوانات المصابة أو الضالة لتقديم الطعام والدواء والمأوى لها.
ويتابع الرجل الذي يتلقى يوميا اتصالات من أشخاص في مناطق متفرقة من قطاع غزة بوجود حيوانات في مناطق سكناهم، أن "ترك الحيوانات وحيدة في وقت الصراع بينما هي تعيش الخوف دفعه لإطلاق مبادرة صحية لتقديم العلاج لها".
ولم تكن هذه المبادرة الأولى، حيث سبق أن بدأ العر في عام 2006 بمساعدة الحيوانات الضالة التي تعرضت في كثير من الأحيان للإيذاء من قبل السائقين الذين قاموا بدهسها عن عمد بسياراتهم أو من قبل الأطفال الذين اعتادوا ضربها بالحجارة.
وعلى مر الأعوام أصبحت مبادرة العر أقوى، وفي عام 2016 أنشأ أول مأوى للحيوانات على مستوى القطاع يوفر خدمات صحية ومعيشية لعشرات الحيوانات الضالة في القطاع الساحلي.
ويضم الملجأ الذي يقدم خدماته المتعددة حتى اليوم قرابة 200 حيوان ضال بما في ذلك الكلاب والقطط معظمهم مصاب ويحمل إعاقة.
ويقول العر إن المجتمع الفلسطيني في غزة يفتقد ثقافة تشجع الناس على تبني الحيوانات أو الاهتمام بحقوقهم، ولهذا ستجد الحيوانات الضالة في غزة تعيش في ظروف غير طبيعية، ويعاني معظمها من الخوف والانطواء وانعدام الأمن.
وحاول الرجل الخمسيني تغيير تلك المعادلة، لكن أيام التصعيد العسكري وضعته أمام تحد آخر، إذ لم يتمكن لا هو ولا ابنه الذي يساعده من الوصول إلى مأوى الحيوانات لتفقد حيواناتهم الأليفة، بينما تسبب القصف في إصابة العديد منها بصدمة، فيما هرب 100 منهم من المأوى.
ويصف سائد الأبن الأكبر للعر لوكالة أنباء (شينخوا)، أن تلك الفترة "كانت مروعة وكنا على مدار الساعة نفكر كثيرًا في الكلاب والقطط وكيف سيتعاملون مع الغارات الجوية الإسرائيلية".
ويقول سائد (21 عاما) "بمجرد إعلان وقف إطلاق النار سارعنا إلى الملجأ لتفقد حيواناتنا، إلا أننا أصبنا بحالة من الذهول بعد ما اكتشفنا أن العديد منهم غادروا المكان بينما علق آخرون في مكان صغير يحمي بعضهم البعض من الموت".
ومن ثم بدأت أيام البحث الطويلة عن الحيوانات الضالة التي هربت من المأوى، أثبتت المهمة التي اعتمدت على عدد من المتطوعين نجاحها وتمكن الفريق من تحديد موقع 60 منهم، أصيب العديد منهم بجروح خطيرة، فيما عانى الكثيرون من تغيرات جذرية في سلوكياتهم.
وفي محاولة لعلاج الحيوانات المصابة، يتعاون العر وأبناؤه مع عشرة أطباء بيطريين منتشرين في القطاع.
ويقول الطبيب البيطري رمزي لبد لوكالة أنباء (شينخوا)، "عالجنا عشرات الحيوانات المتضررة من موجة التوتر الأخيرة التي تسببت في إصابة معظمها في الشوارع بينما أصيب آخرون في منازل أصحابها".
ويضيف رمزي لبد "وجدنا أن بعضهم يعاني من العزلة والانطواء، والبعض الآخر يعاني من الخوف الشديد الذي يدفعهم دائما للفرار من أماكنهم، وآخرون يعانون من أن يصبحوا أكثر شراسة وعدائية حتى لأصحابها"، مشيرا إلى أن الحيوانات في غزة تحتاج إلى معاملة جسدية ونفسية كما تعاني مثل البشر.
وهذا يضع العر تحت الضغط في ظل سعيه لمساعدة المزيد من الحيوانات لكن موارده المالية محدودة.
ويقول عن ذلك إن "بعض السكان يتطوعون لدعمه بغذاء للحيوانات والبعض الآخر بالأدوية الأساسية".
ويوضح أن مهمة البحث عن الحيوانات وتقديم الطعام والدواء والمأوى لهم ليست سهلة، معربا عن أمله بتحقيق حلمه في إنشاء أكبر مؤسسة من شأنها أن تكون موطنًا لجميع الحيوانات الضالة في قطاع غزة.