- بقلم:سري سمور
الحكومة الإسرائيلية(بينيت-لابيد) لم تحصل إلا على 60 صوتا مقابل 59 في التصويت الذي جرى في جو صاخب وعاصف في الكنيست مساء الأحد 13 حزيران/يونيو الجاري، وتكونت من تحالف أحزاب إسرائيلية لا يكاد يجمعها سوى هدف استبدال بنيامين ...واستمرار هذه الحكومة أمر مرجوح، بسبب الخلافات والتباينات بين أحزابها وشخصياتها، واحتمال الذهاب إلى انتخابات خامسة محتمل بنسبة كبيرة، ومثله احتمال تفسخ الائتلاف وتمكن نتنياهو من بناء ائتلاف جديد...فاستمرار حكومة بهذه الخلطة الغريبة في الكيان العبري أمر إذا حصل ولو لسنتين اثنتين، سيكون من عجائب دنيا السياسة!
ولعل من أكثر ما شغل المتابعين والمهتمين، هو دعم ومشاركة قائمة د.منصور عباس(طبيب أسنان من بلدة المغار) من الجناح الجنوبي غير المحظور للحركة الإسلامية في الداخل-تم حظر الجناح الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح في 2015- والتحالف مع الثنائي بينيت-لابيد وتوقيع اتفاق بين الطرفين يغلب عليه الطابع الخدماتي لا السياسي.
وكان منصور عباس قد بدأ بعد مغازلات ومجاملات بالتفاوض مع بنيامين نتنياهو ولكن التفاوض بينهما وصل إلى طريق مسدود، فانتقل الرجل إلى المعسكر المناوئ لنتنياهو، وهو معسكر ليس أقل تطرفا ويمينية وعنصرية من الليكود.
فنتنياهو الذي دأب على مهاجمة نظرائه من اليمين كلما حاولوا تشكيل ائتلاف حكومي مع أحزاب توصف باليسارية، مستخدما عبارات تحريضية تخوينية، هو من بدأ الأمر وقبل من حيث المبدأ هذا النوع من التحالف مع قائمة منصور عباس(4 مقاعد)، وسجل سابقة قبول تحالف بين حزب يميني صهيوني مع حزب عربي له خلفية إسلامية، بغض النظر عن التحولات التي واكبت مسيرته.
ثمة قاعدة معروفة تقول(في السياسة يمكنك أن تبرر كل فعل وكل إجراء بل كل شيء) ومع أن هذه القاعدة معروفة لكن يتم التغاضي عنها من بعض المنشغلين في السياسة عملا أو كتابة أو تحليلا ومتابعة، بحيث يظنون أن سياسيا ما، سيقع في حرج من فعل أو خيار، وسيبدو عاجزا عن التبرير ومحاولة الإقناع...ولكن في واقع الحال، ليس ثمة شخصية أو حزب أو دولة بطبيعة الحال اتخذت خيارا أو موقفا، إلا وساقت التبريرات دون شعور يذكر بالحرج، وكأن(الوقاحة) من متطلبات أو أدوات العمل السياسي، عند كثير من الناس!
ظاهرة منصور عباس تذكرنا حتما بتوجهات قوى وأحزاب وشخصيات وتجمعات تنتسب إلى التيار الإسلامي في أماكن شتى من العالم الإسلامي، اختارت لنفسها مسارات تناقض المبادئ التأسيسية والأهداف الأولى التي تكتلت وانطلقت من أجلها، والتي شكلت سردية عملها السياسي وحتى الدعوي وصولا إلى النقابي والإعلامي.
فأحزاب شيعية في العراق لم تجد حرجا في الدخول على ظهر الدبابات الأمريكية إلى بغداد، والانخراط في عملية سياسية عقيمة لم تجلب لبلاد الرافدين سوى الدمار والفساد والتمزق، علما بأنها كانت تتهم صدام حسين بالعمالة لأمريكا!
ولم تكن بعض الأحزاب السنية هناك بعيدة عن تلك اللعبة، مما أحدث انقساما في صفوفها؛ فالتيار الإخواني في العراق دخلت شخصيات منه في مجلس الحكم الذي بناه (بريمر) مثل محسن عبد الحميد، واختارت مجموعات إخوانية أخرى خوض غمار مقاومة المحتل الأمريكي، ولكن كان الضوء المسلّط على من اختاروا الانخراط في اللعبة السياسية التي يضبط المحتلون إيقاعها أكثر سطوعا، وهو أمر كان له مساهمة في إحداث حالة من الإرباك وانفضاض جماهيري –بغض النظر عن حجمه- من حول هذه المجموعات والأحزاب والشخصيات، وانتقلت من مرحلة التجييش والخطاب القائم على الحشد واضح المعالم والخيارات والأهداف، إلى خطاب الدفاع والتبرير، سواء من كان منها منخرطا في تلك العملية، أو من يخالفها، بالقول أن نهجه مختلف والانشغال بإثبات ذلك الاختلاف الذي يصعب على العامة فهم دقائقه في ظل الصخب الإعلامي الموجه.
وفي أفغانستان قام تحالف الشمال بدعم التحالف الأمريكي المحتل للبلاد وقبول تشكيل حكومة في ظله، فمن حاربوا الغزو السوفياتي وحليفه نجيب الله لسنوات، أمثال برهان الدين رباني وعبد الرسول سيّاف، سوّغوا وبرروا الدخول تحت العباءة الأمريكية.
ولكن بعيدا عن الموقف الذي كثيرا ما يرد هؤلاء عليه بأنه (جمود أيديولوجي) أو (بعدا عن الواقعية السياسية) أو تجاوزا وابتعادا عن مبدأ (الإصلاح ما استطعت) أو (الحفاظ على مصلحة البلاد والعباد) وغير ذلك من النقاش والجدل، وبمكيال النتائج الواضحة فإن ذهاب بعض الحركات الإسلامية إلى خيار التعايش السياسي والمشاركة في عملية سياسية تحت الاحتلال ووفق محدداته، تشير إلى فشل كبير، وإلى عبثية هذا الخيار، بل تظهر أن ما يقولون بأنه تحجّر وتخندق خلف شعارات عفا عليها الزمن، وقيود أيديولوجية تجاوزها الواقع وما عادت تصلح للتعامل مع المتغيرات، خير مما ذهبوا إليه.
ففي أفغانستان لم يشهد البلد استقرارا بعد الإطاحة بحكومة طالبان في 2001 والتحالف الذي شكل حكومة ونظاما في كابل تحت الحماية الأمريكية، لم يفلح في لمّ شمل الشعب الأفغاني ولو بالحد الأدنى، ولم يحقق إنجازات تذكر في مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم، وبالمناسبة هذه الأمور كثيرا ما ترفعها الوحدات السياسية التي تختار العمل السياسي تحت حراب وحماية ودعم المحتل الأجنبي، بأنها أولوية الشعوب الأولى، وتتقدم على ما يقولون أنه خطابات وشعارات (لا تبني مدرسة ولا تعطي مريضا جرعة دواء)...فإذا كان ثمة مكاسب فهي شخصية لمن دخلوا الحكومة المدعومة من الاحتلال الأمريكي، يضاف لها كما في أي احتلال في التاريخ ثلة قليلة من المنتفعين.
فحركة طالبان اختلف معها من اختلف واتفق معها من اتفق، قررت القتال الاستنزافي بلا كلل أو ملل حتى اضطر الأمريكان إلى توقيع اتفاق معها وهي المصنفة في قاموسهم السياسي (حركة إرهابية) مضطرين إلى تجاوز ما يقتضيه هذا التصنيف...لتثبت الأيام والسنين المتعاقبة أن خيار التعايش مع الاحتلال لا جدوى منه...ومع أن الاتفاق يتعثر ولكن اليوم الذي تتخلى فيه واشنطن عمن تحالفوا أو تواطؤوا معها في كابل منذ عقدين من الزمن ليس بعيدا..وأن فكرة(استحالة الوقوف في وجه دول عظمى) فكرة خاطئة تتغذى على الهزيمة النفسية.
ربما ابتعدت عن موضوع منصور عباس وقائمته؛ ولكن كان لا بد من هذا الاستعراض للتدليل على أن الرجل ليس ظاهرة تشذّ عن مجموعة من الإسلاميين يظنون أنهم بالفهلوة والبراغماتية المزعومة سيغيرون جوهر الأشياء.
وإضافة إلى الاستعراض السابق حول سياسات بعض المجموعات المحسوبة على التيار الإسلامي، لنتذكر أن دولا عربية بررت هرولتها نحو التطبيع الذي يلامس التحالف مع الصهاينة بأنه سيمنع خطط الضم التي توافق عليها ترمب-نتنياهو مطلع سنة 2020 وسيحد من سياسة التهويد في القدس، فهل كان التبرير ذا صلة بالوقائع والحقائق؟
ولكي يكون واضحا فإنني من الناحية المبدئية أرى أن إسرائيل كيان يعاني عقدة الشرعية، ولطالما بحث عنها عند معزولين لا قيمة لهم، أو حتى عند(مكرونيزيا) ولو قبلنا جدلا تبريرات ومسوغات ما ذكرت من أمثلة، فإنه لا يمكن القبول بحال من الأحوال بمنح غطاء من عربي مسلم صودر حقه في وطنه منذ 73 بوحشية السلاح لمن قام بالاحتلال والمصادرة ومارس العنصرية والإقصاء وتسببت سياساته بخلق كل الأزمات والمشكلات التي يقول منصور عباس أنه يريد معالجتها جزئيا أو كليا...وإسرائيل قامت على باطل مطلق وما بني على باطل فهو باطل.
وبعيدا عما يسميه/يراه منصور عباس ومؤيدوه بأنه غرق في شعارات (بالية) فهل سيحقق تحالفه مع الثنائي بينيت-لابيد مصالح محققة للفلسطينيين في الداخل، مثلما يسوّق متسلحا باتفاقه الموقع معهم، أم سيظل حبرا على ورق؟ أو يتم تنفيذ هوامش لا تسمن ولا تغني من جوع؟
وأيضا هل الثمن السياسي والمعنوي الذي تم دفعه يكافئ أو يوازي ما سيحصل عليه أهلنا في الداخل؟وهل لعب دور المنقذ للكيان من أزمته السياسية في هذا التوقيت وزيادة الشرخ والانقسام في أوساط الفلسطينيين يقدّر بالثمن الذي يفاخر به منصور عباس؟
قد يقال بأنه للمرة الأولى في تاريخ الكيان يحصل هذا النوع من الاختراق لتوليفته الحكومية التي كانت تفاخر أحزابها (يمين ووسط ويسار) بتجنب الحصول على دعم النواب العرب في الكنيست؛ الآن تسابق نتنياهو مع بينيت للحصول على دعم قائمة منصور عباس، وهناك لأول مرة وزير عربي(فريج عيساوي من ميرتس) في التشكيلة الحكومية...حقيقة هذا اختراق لا يوازي بل ربما يضعف حالة الوحدة الشعورية الفلسطينية التي أبهرت الصديق وأغاظت العدو أثناء معركة سيف القدس الأخيرة...ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح، ويفترض أن (الدكتور) يعرف هذه القاعدة الفقهية الإسلامية جيدا!
ليس مشهدا مقبولا أن يقوم تيار إسلامي في غزة بمناجزة الاحتلال والدفاع عن القدس والأقصى وتقديم الشهداء، فيما هناك من يحسب على التيار الإسلامي يخطو هذه الخطوة، مقدّما بها ذخيرة لمن يصطادون في الماء العكر، ومتربصون كل همهم تشويه الإسلاميين جميعا بالتذرع بتصرفات قلّة شاذة من المحسوبين عليهم.
ستثبت الأيام القادمة أن سمّ الأفعى لا يتحول إلى عسل لو وضع في قارورة جميلة المنظر وقرئ عليه آيات من الذكر الحكيم، وكيان عنصري إحلالي سرديته تقوم على شطب الفلسطينيين من هذه الأرض لن يكترث لو وقّع مع كل فرد عربي في الداخل اتفاقا وليس فقط مع منصور عباس...هداه الله وأصلح حاله.
،،،،
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين الحنفي)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت