- اعداد وكتابة: علاء الدين محمود أحمد
عصابات مسلحة ومتطرفة، مرتزقة مدفوعين بالمال والاغراءات المختلفة، جاءت باليهود إلى أرض فلسطين، عرفت بنقضها للعهود، وتناحرت فيما بينها وبين نفسها، ولم تدع مجالاً للصداقة معها على مر التاريخ والمتغيرات، وأسست لكيان شرذمة تحكمه المؤامرات على أرض السلام فلسطين.
تدمير السفينة آلتالينا دليل على تناحر العصابات الصهيونية، في الوقت الذي منع فيه حرباً أهلية في خضم إقامة الكيان. عصابة (أرغون ايتسيل- المنظمة العسكرية القومية) من بين هذه العصابات مع (هاغناه، بالماخ، ليحي، اشتيرن..)، وأنشئت ايتسيل في العام 1931م، أي قبل قيام دولة الاحتلال، واعتُبرت من المنظمات الإرهابية المتطرفة، وكوّنت بعد اجتماع لعدد من الشخصيات المنشقة عن منظمة "الهاغناه"، اعتراضاً على قيود الانتداب البريطاني المفروضة خلال التعامل مع الفلسطينيين، فهم لا يريدون كبح جماحهم بل يريدون مزيداً من القتل والدم بين الفلسطينيين. واستمر نشاطها حتى تم تفكيك المنظمات وتشكيل "جيش الدفاع الإسرائيلي"، بعد قيام دولة الاحتلال، أو بالأحرى بعد أن أنهاها الجيش.
تشكّلت "ايتسيل" نفسها من أفراد من منظمات أخرى غير "هاغناه"، أبرزها: بيتار، والحركة التنقيحية. وتولى زئيف جابوتنسكي- مؤسس الحركة التنقيحية- قيادة "ايتسيل" حتى وفاته في الرابع من آب 1940م، وخلفه في المنصب مناحيم بيغن.
كانت "ايتسيل" متشددة إلى حد رفضها قبول مبدأ ضبط النفس مع الانجليز والعرب. وانطلقت أعمالها الارهابية في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1937م، حيث نفذت عدد من العمليات ضد العرب في عدة مناطق من فلسطين. وقامت قوات الانتداب البريطاني باعتقال عدد من أفرادها، إلاّ أن هذه الإجراءات لم تكن مجدية، وتابعت العصابة أعمالها الإرهابية، خاصة في أيار/ مايو 1939م عقب صدور "الكتاب الأبيض" الذي حدّ من هجرة اليهود إلى فلسطين. وصعّدت عصابة "الإيتسيل" من عملياتها ضد الانكليز لتغيير سياساتها حول شراء اليهود الأراضي في فلسطين وإقامة المستوطنات عليها والهجرة إلى فلسطين، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبتنسيق مع عصابتي "الهاغاناه والليحي". وقامت العصابة بتفجير فندق الملك داود في القدس في 22 تموز/ يوليو 1946م، في أعقاب إعلان وزير خارجية بريطانيا ارنست بوين عن السياسة البريطانية.
قيادة عصابة "الهاغاناه" انسحبت من التحالف بعد العملية، بينما استمرت العصابتين في تنفيذ عمليات مشتركة ضد بريطانيا والعرب. وقامت السلطات البريطانية بإلقاء القبض على عدد من قياديي "الليحي" و"الايتسيل" وأصدرت عدداً من أحكام الإعدام التي نفذت العام 1947م في سجن عكا.
نفذت عصابة "الإيتسيل" مذبحة دير ياسين في 9 نيسان/ أبريل 1948م والتي راح ضحيتها أكثر من (200) من أهل القرية. وشاركت في معارك 1948م، واندمج جنودها مع قوات "الهاغاناه" في "جيش الدفاع الإسرائيلي"، بموجب اتفاق تم مع دافيد بن غوريون الذي أصبح رئيساً للحكومة ووزيراً لدفاعها.
قادة "إيتسيل" حاولوا الانفراد ببعض المواقع وقاموا بتنفيذ محاولة لتهريب الأسلحة عن طريق استخدام سفينة ""ألتالينا"". وصدر قرار نهائي بحل "الإيتسيل" في أعقاب تنفيذها عملية اغتيال وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت في 22 أيلول/ سبتمبر 1948م.
وأعلن بيغن عن تأسيس حزب "حيروت" بدلاً من "عصابة إيتسيل" في العام نفسه، وحمل الحزب أفكار نفسها. وفي الجيش نال أفراد "إيتسيل" نفس مكانة أفراد "هاغاناه" وحقوقهم، وجرى تكريمهم على دورهم وممارساتهم في إقامة الدولة.
في العشرين من حزيران/ يونيو 1948م دمرت الباخرة "ألتالينا"، وأغرقت، بقرار من بن غوريون، وهي السفينة التي تمتلكها (ايتسيل)، وأبحرت من أحد موانىء جنوب فرنسا، وكانت تحمل على ظهرها حوالي 920 مهاجراً وعتاداً عسكرياً (5000بندقية -250 رشاش قصير المدى– 5 مجنزرات– 5 مليون رصاصة وكميات من القذائف المضادة للدبابات) ومستلزمات طبية. ووصلت "ألتالينا" إلى شاطىء فيتيكين (بيت دجن) بعد الإعلان عن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين بخمسة أسابيع، وبعد ثلاثة أسابيع من انضمام ايتسيل إلى الجيش. عزمت قيادة ايتسيل على تخصيص 20% من السلاح الموجود على ظهر السفينة للوحدات الاستقلالية التابعة لها في القدس- التي تخضع للانتداب البريطاني- ما ينقض اتفاق إسرائيل مع بريطانيا- ومن ضمن النسبة نفسها أرادت العصابة تسليح مجموعاتها التي ألحقت بالجيش. طلبت الدولة من "ايتسيل" تسليم السلاح الذي جلبته على متن الباخرة لها، ولكن مناحيم بيغن رفض ذلك، فاعتبرت بعض الهيئات في دولة الاحتلال ذلك تمرداً من ايتسيل ومناحيم بيغن، حتى أن "بن عامي" رئيس بلدية نتانيا آنذاك، ذهب إلى قرية "فيتيكين" متطوعاً من أجل الحديث مع بيغن لانهاء تمرده، بيد أنّ الأخير رفض وساطته، فقررت الدولة القضاء على ""ألتالينا"" ومحتوياتها، بسبب اخلال "ايتسيل" بالاتفاق المبرم بينها وبين الحكومة، وأعطت الأوامر للواء الكسندورني في الجيش بالتعامل مع الأمر.
أفرغت السفينة "ألتالينا" كامل حمولتها على شاطئ فيتيكين، وأسند إلى وحدة قتالية من "ايتسيل" مكونة من (300) عنصر بقيادة "ميريدور" (نائب بيغن) بحماية السفينة وما عليها. ويروي قائد لواء الكسندورني في جيش الاحتلال بأنه أرسل رسالة لمناحيم بيغن مع أحد قادة كتائب اللواء في الجيش، بتسليم السفينة والشحنة التي تحملها، فرفض بيغن ذلك، ورد من الرسول بأن على قائد اللواء مجيئه بنفسه حاملاً راية بيضاء، ويكمل: بأنه بدأ بمحاصرة قرية فيتيكين، للسيطرة على السفينة وحمولتها.
بدأت الوحدة (89) عملية القضاء على السفينة ألتالينا، بقيادة موشي ديان، حيث حاصرت الشاطئ نفسه، واشتبكت مع قوة "ايتسيل" وفصلت بينهم وبين السفينة وبين شحنتها الموجودة على الشاطئ، ثمّ لاحق السفينة في عرض البحر، وبعد أن حطّت على شاطئ يافا "تل أبيب" هاجمتها بالمدافع، حتى دمرتها وسيطرت على حمولتها. وكانت حصيلة المعركة مقتل (19) شخصاً، منهم (16) من منظمة ايتسيل، و(3) من أفراد الجيش، واعتقل أفراد ايتسيل، وأنهى الجيش ما أسماها بحالة التمرد.
عقب ذلك فرّ بيغن وقيادة ايتسيل إلى عرض البحر، وبقوا هناك لفترة وجيزة، حتى انتهت الأزمة. بعد ذلك ذابت منظمة ايتسيل في الجيش، وأسس مناحيم بيغن حزب (حيروت) وشارك في الحياة السياسية لدولة الاحتلال. نكتب اليوم في ذكرى تدمير السفينة ألتالينا لنؤكد على أنّ إسرائيل كياناً تحكمه المؤامرات، وشرذمة جمعتها المصالح والمال، دون ثقافة أو تاريخ، مرتزقة تمكنوا بالسلاح والدم وبدعم أوروبي ثم أمريكي، من إقامة كيان كالسرطان يجثم على جسد الأمة العربية الحُر، وكانت معركة السيطرة على ألتالينا خير دليل على اجرامهم وحقدهم الأسود.
اعداد وكتابة: علاء الدين محمود أحمد
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت