- د. أسامه الفرا
أعربت وزيرة الصحة عن استيائها من ردود الفعل والهجوم على وزارة الصحة على خلفية صفقة اللقاح دون معرفة التفاصيل، ويحق للوزيرة أن تستاء وتزعل بل وتغضب والواجب يحتم علينا أن نعتذر لها ونقف ببابها طمعاً في الصفح والغفران، فما كان لنا أن نجعل من الحبة قبة ونحول صفقة اللقاح إلى مادة تلوكها الألسن، فماذا يعني أن تصل إلينا 1,4 مليون جرعة من لقاح "فايزر" منتهية الصلاحية أو قاب أيام أو أقل على الانتهاء؟، وما الضرر في أن يتم تطعيم ثلث الشعب الفلسطيني بلقاح منتهي الصلاحية؟، ولماذا كل هذا الضجيج وثمنها لا يتجاوز 9,45 مليون دولار؟، ألا يجدر بنا أن نلتزم الصمت كما يفعل الرئيس ورئيس حكومته؟، ألا توجد قواسم مشتركة بين استياء الوزيرة وصمت الرئيس غير أن كليهما عصي على الفهم؟. لم أكن أرغب في الحديث عن صفقة اللقاح كونها تأتي في سياق فساد ممتد طولاً وعرضاً، لكن القصة الكاملة عن لقاح "فايزر" التي أوردتها وزارة الصحة ونقلتها وكالة وفا دفعني لذلك، وأول ما يلفت الانتباه في القصة تلك الفروسية التي تحلت بها الوزيرة حيث أكدت أن وزارة الصحة هي الجهة الوحيدة التي وقعت على الاتفاق، ونفت أي دور لهيئة الشؤون المدنية حيث اقتصر دورها على التنسيق مع الجانب الاسرائيلي لعقد اللقاءات دون أي تدخل في الأمور الفنية، وبالتالي حملت الوزيرة نفسها المسؤولية الكاملة عن الصفقة، يا لها من بطولة ...
على أي حال وعودة على القصة الكاملة التي اوردتها وزارة الصحة، فقد جاء فيها أن "فايزر" اقترحت في شهر مايو الماضي أنه بإمكانها التواصل مع اسرائيل التي تمتلك 1,4 مليون جرعة لتحويلها إلى فلسطين مقابل تعويضها من حصة فلسطين من اللقاحات في الفترة المقبلة، وهنا أذكر الوزيرة بأن "فايزر" شركة أدوية وليست منظمة دولية تنظم وتشرف على اتفاقات بين الدول، والمنطق يقول أن اتفاقاً أولياً جرى بين السلطة وإسرائيل بموجبه تم الطلب من "فايزر" أن تقوم بتزويد اسرائيل بالكمية التي ستأخذها السلطة من اسرائيل وذلك من حصة السلطة المتفق عليها مع "فايزر"، وثانياً أن العرض قدم إلى الوزارة في مايو والوزارة تعرف مسبقاً أن تاريخ انتهاء صلاحية اللقاح في حزيران، وهي تعرف أيضاً أن ما بين تاريخ العرض والقبول به وإيصال اللقاح إلى الأراضي الفلسطينية والقدرة اليومية للوزارة على التطعيم سيستغرق الكثير من الوقت الذي يصبح معه اللقاح خارج الخدمة، وثالثاً يفهم من بيان الوزارة أن سعر جرعة اللقاح التي أوشكت صلاحيتها على الانتهاء هو نفس الثمن الذي ابتاعته السلطة من "فايزر"، فهل تعلم وزيرة الصحة أن الدول المتخلفة العفنة بالفساد التي تقبل أن تشتري أدوية شارفت صلاحيتها على الانتهاء تشتريها بثمن بخس فما بالك بأدوية انتهت صلاحيتها؟.
أما الأسابيع الثلاثة التي ماطلت فيها اسرئيل وتبن لكم لاحقاً أن اسرائيل تعترض على وجود كلمة "دولة فلسطين" في توقيع وزيرة الصحة الفلسطينية فضلا عن محاولتها فرض شروط تتعلق بمنع ارسال أي من اللقاحات إلى قطاع غزة فمن الواضح أن في ذلك إدعاء بطولة زائف، فقد سبق لاسرائيل أن سمحت بإدخال اللقاح إلى غزة وفعلت ذلك ليس حباً في غزة وحفاظاً على أهلها من الجائحة بل لأنها تدرك أن تفشي الجائحة في غزة يلحق بها الأذى، وإن كان مجلس الأمن قد فشل على مدار عقود عدة بإجبار إسرائيل على تنفيذ أمر ما فكيف لنا أن نصدق بأن شركة أدوية أعطت صكاً لكم ألغت من خلاله الشرط الاسرائيلي المتعلق بقطاع غزة؟، المهم كما جاء في القصة الكاملة أن التفاوض مع الجانب الإسرائيلي استمر حتى نهاية الاسبوع الماضي، وهذا يعني أن اللقاح المتفق عليه دخل حيز انتهاء الصلاحية قبل أن تتم الصفقة، وعليه بات على اسرائيل أن تتصرف بإتلاف اللقاح عوضاً عن بيعه قبل أن تجد المغفل الذي يشتريه، ولم تبادر الوزارة بإلغاء الاتفاق وإعادة اللقاح لأصحابه إلى بعد أن تم تسريب انتهاء صلاحيته في الصحافة الإسرائيلية،
وأخيراً يتطرق بيان الوزارة إلى التحدي الكبير الذي واجهها ولتفادي العودة للإغلاقات أجرت الوزارة نقاشاً موسعاً حول العرض المقدم لها وبعد دراسة كافة المعطيات تم الموافقة عليه وتم العمل على انجازه دون أن تتوقف الوزارة ولو للحظة واحدة في بيانها عن القصور البين لها في مواجهة الجائحة. معالي الوزيرة، القصة الكاملة تفوح منها رائحة الفساد والغباء والبطولة الزائفة، وقد تكوني كباقي أبناء شعبنا المكلوم بقياداته ضحية لأباطرة الفساد والنفوذ، وليس من البطولة في شيء التستر على فساد أو إخفاء الحقائق، وحتى إن سلمنا جدلاً "وأشك في ذلك" بعدم وجود فساد مالي فالمؤكد أن قيادة الوزارة المؤتمنة على صحة المواطن لم تعد محل ثقته، والشجاعة الأدبية تحتم عليكم تقديم استقالتكم، وأن تباشر النيابة العامة التحقيق في القضية بشفافية وأن تفصح عن نتائج التحقيق.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت