- أشرف أبوخصيوان *
منذ اعلان التوصل إلى صيغة تهدئة أفضت إلى توقف القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، في أواخر مايو الماضي، ومع تعاظم قوة غزة المعنوية في اعادة توجيه البوصلة الفلسطينية الموحدة نحو القدس، وتبني الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم لخيار المقاومة بكافة أشكالها أمام العدو الاسرائيلي، وما صاحب ذلك من تعاضد عربي ودولي بصيغته الشعبية مع القضية الفلسطينية، حتى طفت على السطح أهمية عودة الحوار الوطني الفلسطيني وتحقيق المصالحة واعادة تشكيل المرجعيات الوطنية من خلال حوار وطني فلسطيني دعت له القاهرة، ولكنه فشل، بسبب تنافر المطالب بين حركتي فتح وحماس، وعدم رغبة الطرفين في تقبل بعضهما الأخر، وهذا ما أدخل غزة في نفق الحصار من جديد، في حين دخلت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في نفق مختلف، ألا وهو نفق استبعاد حكومة اشتيه عن المشهد السياسي.
كان الخلاف يدور حول السيادة، وأيهما يحقق مكاسب ومغانم الحرب، حماس تريد الولوج إلى المنظمة من خلال التعاطف الشعبي معها، وفتح تريد أن تُشكل حكومة وحدة وطنية، لإعادة اعمار غزة، وترتيب ملفات أخرى ترى أنها تُحيد النظر عن الاخفاق الكبير في عدم اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تم تأجيلها أو الغائها أو ترحيلها إلى وقت غير معلوم.
ولكن سرعان ما انزلقت السلطة الفلسطينية وحكومة الدكتور محمد اشتيه، في صفقة لقاحات فايزر المنتهية الصلاحية، وأسود وجه الحكومة أمام الشعب من جديد، وباتت تُخطط لكيفية الدفاع عن ماء وجهها بعدما، كشفت الصحافة الاسرائيلية أن الاتفاق يقضي باستيراد لقاحات منتهية الصلاحية، من أجل تطعيم مواطني الضفة وربما ارسال شحنات لغزة من تلك الصفقة اللعينة.
وسط ذلك، لا تزال اسرائيل تمارس قهرها للفلسطينيين في حي الشيخ جراح وسلوان، وتمارس قرية بيتا في نابلس أعمال المقاومة الشعبية التي تم الاتفاق عليها بين الامناء العامون في ديسمبر الماضي، عندما صدر البيان اليتيم بنسخته رقم واحد، لتمجيد المقاومة الشعبية دون أن يُكلف أحداً من أركان المتفقين على صيغة البيان بالمشاركة بإحدى تلك المظاهرات الشعبية السلمية.
تواصل حكومة الدكتور محمد اشتيه حياة التيه، فمن أصدر أوامر القاء القبض على الناشط السياسي نزار بنات، يعي تماماً أن هكذا اجراء ستكون نتائجه وخيمة، وإن لم يكن يعلم فهذه كارثة، فحادثة الاغتيال، فتحت شهية الانتقاد لمشروع استمرار حكومة الدكتور اشتيه، وهي رصاصة الرحمة عليها، فقد كتب اغتيال نزار بنات شهادة وفاه حكومة اشتيه، وربما يلحق بذلك بمستقبله السياسي، عندما قَبِل أن يكون رئيساً للحكومة في ظل تراجع قوة وشعبية حركة فتح الحاضنة القوية للنظام السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة.
من الواضح أنه برنامج مُعد بطريقة احترافية كي تبقى حكومة اشتيه تائهة في مستنقع الفجوات التي صُنعت من أجل القضاء عليها، فهي غير قادرة على اقناع المجتمع الدولي بقدرتها على اجراء الانتخابات، وغير قادرة على حماية مواطني الدولة وتوفير لهم لقاحات سارية المفعول، وفي نفس الوقت تُمارس البطش والقوة بحق المتظاهرين والصحفيين، نهيك عن قتل المعارضين لسياساتها.
ستطول مرحلة التيه في رام الله، وستزيد حدة العنف والانتقاد لسلوك الحكومة والسلطة معاً، وذلك لأنها استبدلت مشروع منظمة التحرير الفلسطينية بمشروع السلطة الفلسطينية، واستبدلت أمن وسلامة مواطني الدولة بسلامة مناصبهم ومقاعدهم التي تبيض لهم ذهباً.
لم يجرؤ أحد على انتقاد السلطة وتوجيه لها الاتهامات بهذا الكم لولا أنها فتحت الباب على نفسها، حتى خرج الاتحاد الأوروبي وأعلن براءته من دفع رواتب لموظفي الأمن، وهذه نقطة فارقة في سجل السلطة الفلسطينية، فالتمادي في انتهاكات حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير لا تُعجب الأوروبيين كثيراً، وربما توجه تساؤلات كبيرة في قادم الأيام للمسئولين في السلطة عن واقع الحريات العامة في ظل حكمهم بالحديد والنار وقمع المتظاهرين والمحتجين.
- كاتب وباحث سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت