- بقلم: شاكر فريد حسن
بادئ ذي بدء أقول بأنه رغم تحفظي ورفضي التام لخطاب ونهج النائب العربي ابن قرية المغار منصور عباس الجديد، الشريك في ائتلاف اليمين الاستيطاني وحكومة بينيت- لبيد، لكن وللحقيقة الموضوعية أن هذا النهج يحظى بمباركة وتأييد أوساط شعبية وأكاديمية و"مثقفة"، ويرون فيه نوع من البرغماتية والرؤيا السياسية الصحيحة.!
وهذا النهج العباسي يقوم على المقايضة والتنازل عن الهوية القومية والمطالب السياسية الجماعية، وتغليب المدني على الوطني. وإننا نفهم من هذا الخطاب أن الوجود العربي في الكنيست لم يخدم مجتمعنا ومسعاه وجاء ليغير هذا المعادلة، وهو الآن مع أعضاء قائمته شركاء في ائتلاف حكومي يميني يواصل السياسة العنصرية المعادية لجماهيرنا العربية ولشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية، وكذلك يواصل بناء المستوطنات، ويؤيد ترحيل أهالي الشيخ جراح، ويسمح بمسيرة الاعلام في القدس، ويهدد قطاع غزة بشن عدوان جديد أقسى وأشد من أي عدوان سابق لتصفية المقاومة ومنع اطلاق الصواريخ، ويسعى لتمرير وتمديد قانون لم الشمل الذي يستهدف العائلات والأسر الفلسطينية، وبذلك يضع عباس نفسه أمام امتحان صعب كبير، فكيف يمكنه البقاء في خلية دبابير.
خطاب ونهج منصور عباس وفتحه قنوات تواصل مع المؤسسة الصهيونية الحاكمة هو اختزال للقضية، ويحول نضال مجتمعنا الفلسطيني في مواجهة مشروع استيطاني استعماري كوليونالي، وسياسة تمييزية واضطهادية نعاني منها منذ قيام الدولة، إلى نقاش حقوق أقليات مهاجرة وليس صاحبة الوطن الأصلي ولها الحق في الوجود والحياة والمساواة في الحقوق.
لا يمكن نقاش ملف العنف المستشري في مجتمعنا العربي وقضاياه ومشاكله بمنأى عن سياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة، الرامية إلى كي الوعي الوطني وتحجيم الخطاب الوطني وتصفية الهوية الوطنية، والتساؤل عن سلب الاعتراف بالقرى البدوية في النقب، وحملات الهدم المتواصلة ضدها وتضييق مسطحات قرانا وبلداتنا العربية وتهويد الجليل وفكرة الترانسفير وقانون القومية وقانون كامنتس، إلا من خلال فهم واستيعاب سياق السياسات الابرتهايدية.
منصور عباس يلعب هذه الأيام دور "العربي الجيد أو الصالح"، ذلك المصطلح الذي يستخدم في الإعلام والخطاب الاسرائيلي لوصف العربي المخلص لإسرائيل، وهذا يمنحه حالة خاصة ووضع متميز عن غيره من السياسيين والقيادات العربية، ويسعى للتأثير من خلال خطوات تدفعه وفق اعتقاده وتفكيره إلى تغيير وقلب العملية السياسية الإسرائيلية تشريعًا وتنفيذيًا، وتحقيق إنجازات للوسط العربي والحصول على الميزانيات. ولكن ما هي السيناريوهات المتوقعة لمسار كهذا في نهاية المطاف، لا سيما أن القضية الفلسطينية تعود بقوة إلى الواجهة وتستعيد ترابط وتلاحم أضلاعها الثلاثة على نحو غير مسبوق، وإلى أي مدى يمكن لنا نحن العرب الفلسطينيين تقبل مسار عباس، بعد الأحداث الأخيرة وما جرى من احتجاج شعبي واسع على السياسة العنصرية الإسرائيلية والتنديد بالعدوان على غزة.
يمكننا الحديث مطولًا عن نهج وخطاب ومسار منصور عباس الجديد، الذي يصفه البعض بالجريء، وكأنه يخلق تيارًا نوعيًا مختلفًا وجديدًا في العمل السياسي بين جماهيرنا العربية الفلسطينية. وبرأيي أن افرازات هذا النهج وولادته جاء بفعل تراجع الوعي الوطني والثقافة السياسية وغياب وتنحي ورحيل الكثير من القيادات الوطنية عن المشهد السياسي، وفي ظل غياب مشروع سياسي ووطني جامع للكل الفلسطيني في الداخل، وتوجيه كل الجهود والطاقات في انتخابات الكنيست.
ستظل الأيديولوجيا الصهيونية التي تأسست عليها إسرائيل، والهوة العميقة بين شعبي هذه البلاد، حائلًا أمام منصور عباس وتحوله هو وقائمته من فصيل تفاوضي يقتات على ثغرات الطيف السياسي الإسرائيلي إلى مشروع سياسي حقيقي، وفي نهاية الأمر سيصيب القائمة العربية ما أصاب قطار التطبيع العربي، وما أصاب نتنياهو نفسه، وكما يقول المثل "من يجرب المجرب عقله مخرب"، وجماهيرنا العربية عرفت وجربت قوائم وعكاكيز عربية كثيرة لم تحقق لها أي شيء، والوجهة القادمة هو لنهج الكفاح المشروع الذي ينتزع الحقوق ويحقق المطالب اليومية، وليس نهج قطف الرأس والمقايضة الذي يمثله العربي الجيد منصور عباس.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت