- جهاد حرب
(1) قطاع الأمن ... وضمان نزاهة الحكم
يقدم قطاع الأمن؛ بما يحتويه من أجهزة ومؤسسات وافراد ومعدات وثقافة، خدمة أساسية للمواطنين "توفير الأمان" قبل فرض النظام والحفاظ على النظام السياسي أو حماية البلاد، وهي إحدى خدمات الرعاية؛ كالتعليم والصحة، المقدمة من الدولة بحساب مدفوع الأجر مسبقاً عبر الضرائب المختلفة التي يدفعها المواطنون لتغذية الخزينة العامة. بهذا المعنى وقبل كل شي يعمل رجال الأمن لخدمة المواطنين ولصالحهم جميعا دون تمييز بسبب اللون أو العرق أو الدين أو الرأي السياسي، ودون تسييس باستخدام المؤسسة الأمنية لصالح حزب معين أو أفراد محددين أو مجموعة محدودة أو فئة بعينها أو جهة لوحدها، ولخدمة الوطن والولاء للدولة وفق قيمها المرسومة في وثيقة إعلان الاستقلال والقواعد الدستورية الآمرة المنصوص عليها في القانون الأساسي وذلك لضمان نزاهة الحكم.
مما لاشك فيه أن هناك أهمية بالغة لوجود عقيدة أمنية لجميع أجهزة الدولة الأمنية والشرطية والعسكرية تضبط توجهات الأجهزة وسلوك منتسبيها، وتضمن وجود ثقافة أمنية قائمة على سيادة القانون واحترام القواعد الدستورية الحاكمة للحريات وحقوق المواطنين، وإعمال قيم السلوك النزيه لمنتسبي أجهزة الأمن ضباطاً وأفراداً بما تضمن حيادية واستقلالية وفاعلية المؤسسة الأمنية، ومبادئ الشفافية القادرة على منح المواطنين تفهماً لسلوك هذه الأجهزة في حفظ النظام، ونظم المساءلة التي تتيح بناء ثقة المواطنين بها من خلال تعزيز عدم افلات منتسبي هذه الأجهزة من العقاب في حال ارتكاب أحدهم مخالفة لأساسات الخدمة وقواعد العمل أو الصلاحيات الممنوحة له أو الاعتداء على حقوق المواطنين أو التعسف باستخدام السلطة الممنوحة له بحكم وظيفته.
(2) جهاز الشرطة... الاعتذار لاستعادة الثقة
ذيل جهاز الشرطة الفلسطينية بياناته الأخيرة بجملة تشير إلى الاستهجان ووجود "هجمة ضد الشرطة والأجهزة الأمنية تهدف لتشويه عملها القانوني". هذا الاستهجان محل التساؤل يحتاج إلى عناية للإجابة على أحجية اللغز الخاص بفقدان جهاز الشرطة جزءاً هاماً من ثقة الجمهور التي حظي بها وفق استطلاعات الرأي العام مقارنة ببقية الأجهزة الأمنية والعسكرية على مدار السنوات الماضية؛ باعتباره يقدم خدمة توفير الأمن الشخصي للمواطنين، ويساعد على ضمان الحقوق الشخصية للمواطنين، وباعتباره ملجأ الضعفاء والمهمشين من المواطنين ممن ليس لهم حظوة أو قدرة على جلب حقوقهم دون عنف. فيما بات المواطنون ووسائل الإعلام في الآونة الأخيرة يشككون في روايته للأحداث أو إجراءاته.
في ظني أن هذا الأمر ناجم عن سلوك جهاز الشرطة الذي شاهده المواطنون والإعلاميون في معالجة تداعيات مقتل المعارض السياسي نزار بنات؛ كعملية القمع للمتظاهرين من قبل وحدات من جهاز الشرطة، وتخليها عن القيام بواجبها في صون الحريات وحماية المواطنين "المحتجين" بمنع الاعتداء عليهم من أشخاص بلباس مدني سواء في يوم واقعة السحل التي جرت على دوار المنارة وسط مدينة رام الله، أو إخلاء الشرطة مواقعها على دوار الساعة "ساحة الشهيد ياسر عرفات" ما سمح بالاعتداء على المواطنين المحتجين الموجودين في ساحة الشهيد ياسر عرفات، بالإضافة إلى واقعة اعتداء قواتٍ من الشرطة على الصحفيين وأهالي المعتقلين أمام مركز الشرطة "البالوع" في مدينة البيرة.
إن عمليات القمع العنيفة للمحتجين من قبل وحدات من جهاز الشرطة، والاعتداء على الصحفيين والإعلاميين، وانحيازها لفئة محددة، وتخليها عن واجباتها المنصوص عليها في القانون لحماية أرواح المواطنين بانسحابها من الساحات العامة أو السماح لأشخاص بلباس مدني بسحل المحتجين والاعتداء عليهم والتحرش بالنساء المشاركات في الاحتجاجات، وطريقة الاعتقال العنيفة لناشطين سياسيين، وإجراءات التوقيف لنشطاء سياسيين ومعارضين في نهاية يوم الخميس أو بداية أيام عطلة العيد؛ لاستخدام هذا الحجز كعقاب لهم بحيث لا يتمكنون من تقديم اعتراضات أمام المحاكم في ذات اليوم أو في اليوم التالي للإفراج عنهم، والوقوع في أخطاء إعلامية تظهر ضعف أدائها؛ كتجاوز تقديم المعلومات تضر بسمعة أشخاص مثلما حدث مع الإعلامية والصحفية فاتن علوان بإعلان الناطق باسم جهاز الشرطة تفاصيل غير مسبوقة، هذه القضايا جميعها ساهمت في إضعاف ثقة المواطنين والصحفيين ووسائل الإعلام في جهاز الشرطة وفي إجراءاته وفي غايات بياناته.
في ظني؛ إن استعادة ثقة المواطنين يتطلب؛ اعتذاراً واجباً من قيادة الشرطة عن تلك الاحداث، وتعهداً واضحاً ومعلناً بألا تتكرر هذه التجاوزات، ومحاسبة المسؤولين الذين تجاوزوا التعليمات الخاصة بآلية التعامل مع الاحتجاجات، ومراجعة جادة لآليات العمل الخاصة بالتعاطي مع مثل هكذا أحداث سواء التجمعات أو المظاهرات، وإعادة النظر في ثقافة منتسبي جهاز الشرطة لناحية إعلاء سيادة القانون والالتزام بالتعليمات الخاصة باستخدام القوة.
إن حرصنا على بقاء ثقة المواطنين عالية بجهاز الشرطة وحماية عمله وضمان احترام المواطنين لمنتسبيه ضباطاً وافراداً، وضمان عدم جر جهاز الشرطة بعيدا عن دوره الأساسي كفاعل أساسي في ضمان نزاهة الحكم باعتباره جهة لإنفاذ القانون بنزاهة وحيادية واستقلالية بعيدا عن المؤثرات السياسية والفئوية، يدعونا للحديث والنقد بصراحة وبرصانة ودون مواربة. هذا الحرص أيضا نابع من ثقتي الكبيرة بقيادة جهاز الشرطة لتفهم الانتقادات من جهة، وفهم الأولويات من جهة ثانية، وتصويب الأخطاء من جهة ثالثة، واستثمار أنجع لإمكانيات الكوادر البشرية لدى ضباط جهاز الشرطة في عملية المراجعة لتطوير الأداء واستعادة ثقة المواطنين والحصول على رضاهم من جهة رابعة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت