أزمة تعريف الواقعية السياسية بالضفة

بقلم: خالد معالي

خالد معالي
  •  د. خالد معالي

لا جدال أن الوضع الفلسطيني صعب جدا، على مختلف المستويات، وان الأمور تتجه للمجهول  ، خاصة في الضفة الغربية، فرئيس وزراء الاحتلال""نفتالي بينت"، ومنذ أن تولى منصبه وهو في حالة هيجان في استنزاف ما تبقى من القدس المحتلة ومناطق "ج" حسب اتفاقية "اوسلو" التي لم يبقى منها سوى تعريف مناطق مفصلة حسب مقاس الاحتلال.

ولا جدال ان هناك سباق، بين تيارين سياسيين رئيسين في الساحة الفلسطينية، وبعد جولة "سيف القدس" مالت الكفة بشكل واضح وكبير لصالح تيار المواجهة والمقاومة، حيث تبين ان ما يسمى بدولة "اسرائيل" ما هي الا نمر من ورق، تلقت ضربات في قلب عاصمتها الوهمية ومنع التجول فيها، وردت عليها بقصف مدنيين عزل، واطفال وعمارات سكنية، فهل هناك عجز أكبر من هذا؟!

تعالوا نتفق على تعريف الواقعية السياسية، فهي "الممارسة السياسية المستندة إلى القراءة الموضوعية العلمية للواقع - ففتح ترى ان باب المفاوضات لا يصح ان يقفل، بينما غزة ترى المقاومة قادرة على التحرير- بقصد تحويله وتغيير معطياته، ما يوجد واقعًا آخر مختلفًا، وهي عملية توفيق خلاقة ومعقدة بين متناقضات في ضوء ما هو معلوم وملموس، وتوظف المعرفة في كشف أسرار الواقع واتجاهاته.

لنتفكر في قول العالم الإسلامي الكبير ابن خلدون الذي يقول في مقدمته: "القوي يتبعه الكثيرون ويلحقون به لمجرد أنه قوي، سواء ظالم او عادل"، ومن هنا ينطلق جزء كبير من الفلسطينيين بالبحث عن أسباب قوتهم، ومعرفة نقاط ضعف الاحتلال، وهو ما نجحت به غزة في جولة سيف القدس الى حد كبير.

بما ان غزة ترى ان الواقعية السياسة هي فن التغيير وهزيمة المحتل أن طرد المحتل سهل جدًّا، وأسهل مما يتوقع الكثيرون، فهي لن تتراجع، بل راحت تقفز قفزات قوية وتتطور وتراكم خبرتها وضربها للاحتلال بشكل غير مسبوق، والدليل مقارنة سريعة وبسيطة لقدرات غزة، خلال الجولات العدوانية عليها من قبل الاحتلال:  2008، و20012، و2014 ، وأخيرا جولة 2021 التي استمرت 11 يوما.

تيار اسقاط فن الممكن على الواقعية السياسية في الساحة الفلسطينية، يرون أن الحقيقة لها عدة أوجه، فلا مفر من اختيار المناسب منها، والمناسب هنا هو حقيقة وجود قوة مهيمنة ومسيطرة، لابد من التعاطي معها مؤقتًا إلى حين تغير الظروف الاقليمية والدولية، ويذهبون بعيدا في هذا الشوط الطويل، الذي كلفهم وكلف الشعب الفلسطيني كثيرا، ودليل ذلك الاستيطان الذي يبتلع سريعا ما تبقى من أراضي وتبخر حلم الدولة.

أمر عادي جدًّا أن تختلف الرؤى تجاه تعريف الواقعية السياسية، كونها مدارس مختلفة، لدى قوى الشعب الفلسطيني، وهو ما جرى في ثورات سابقة عبر التاريخ، لكن لا يعني ذلك أن تنعطف انعطافًا حادًّا، ويصبح التناقض الثانوي هو محور الارتكاز، وتعطيل فهم وممارسة من يختلفون في الرؤى والبرامج، لان هذا يعني هدر للطاقات الخلاقة، كونهم جميعا تحت سقف الاحتلال الذي يترصدهم جميعا ولا يفرق بين لون واخر، وهو ما يقلص الخيارات السياسية لصالح تيار المواجهة.

من الغريب جدا، ان توجد واقعية سياسية فلسطينية في اتجاهين مختلفين، مع وجود احتلال جاثم على صدور الشعب الفلسطيني وقواه المختلفة، يعد أنفاسهم عليهم عدًّا، وهو أمر غريب وغير معقول في عالم السياسية، على الاقل ان يتفقوا ولو بالحد الادنى، ما دام الهدف واحد، والدم واحد، والمصير واحد، والمحتل واحد.

بحسب رأي منظري مدرسة فن الممكن ومواصل المفاوضات مع الادارة الامريكية الجديدة – الديمقراطيين – بقيادة "بايدن"، فان المرونة، والموضوعية، ودراسة الإمكانات المتاحة والتعاطي معها، وعدم الانجرار وراء الخطابات الحماسية، وعدم بعثرة الشعارات البراقة، التي تضر ولا تنفع؛ كل ذلك يمكن له أن يعيد الحقوق لأصحابها، وتضمن عدم تقديم تضحيات مجانية، وكأن 27 عاما من المفاوضات والتعويل على الغير قد نجح او حقق تقدما؟!

ويرون أيضًا أن التحول نحو انتفاضة مسلحة ثالثة وعنيفة وقرار مواجهة الاحتلال هي واقعية سياسية مغلوطة، وما هو إلا ضرب من الجنون والانتحار السياسي، يتحمل نتائجه تاريخيًّا من اتخذ القرار دون التبصر والتمعن الكافيين بطريقة عميقة ومدروسة في معرفة العواقب المترتبة عليه مقدمًا.

ما زال يعيب تيار التفاوض على أصحاب النظرية الثورية بانه قد استبد بهم وأعياهم طول وقت الانتظار، وتعايشوا مع اللحظة العابرة العاطفية، وإنهم جميعًا يحلقون كثيرًا في الأوهام، وإن خطاباتهم ووسائلهم وأساليبهم ما هي إلا دغدغة للعواطف، وتصلح للعوام ولجموع الناس العاديين البسطاء سطحيي التفكير.

تتعامل مدرسة فن الممكن بما هو موجود وحاصل، ولذا تبتعد قدر الإمكان عن سنة التدافع وحالة الجدل، وهو ما قد يقود إلى بطء حركة التغيير أو وقفها.

ويتسلح معرفو الواقعية السياسة العقلانية، بأنها فن التغيير والمؤيدون لهذا التعريف لهم وجاهتم، بأنه لم يحصل ولو حالة واحدة عبر التاريخ أن تحرر شعب من الاحتلال دون مقاومة وثورة وتضحيات جسام، فلا حرية على طبق من ذهب.

جدليًّا من حق كل مدرسة أن تدافع عن نفسها وتطرح ما لديها من بضاعة، وتعززها بالدلائل والشواهد، وتدعم فكرها وطريقة فهمها للأمور، ومن يبنِ أفكاره على أساس متين يدم ويستمر وينتصر، وتبقى الأعمال بخواتيمها، وهو ما لا تجيب عنه إجابة شافية مدرسة الواقعية السياسية التي تعرف السياسة بأنها فن الممكن.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت