عقد المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" ندوة بعنوان "سياسة نفتالي بينيت تجاه القضية الفلسطينية: مفهوم تقليص الصراع" في الثامن عشر من الشهر الحالي عبر تقنية زوم، حول رؤية رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد نفتالي بينيت للقضية الفلسطينية بمشاركة الباحثين المختصّين بالشأن الإسرائيلي مهنّد مصطفى مدير عام مركز مدى الكرمل، ووليد حبّاس الباحث في مركز مدار، وأدارت الندوة مديرة المركز د. هنيدة غانم.
وأكّد الباحثان خلال الندوة أن رؤية بينيت للقضية الفلسطينية تقترب من مفهوم "تقليص الصراع" الذي برز مؤخرًا في الخطاب الإسرائيلي. ويستند هذا المفهوم، كما أوضح الباحثان خلال الندوة، إلى ضرورة قيام الحكومة الإسرائيلية بخطوات تسهيلية تجاه الاقتصاد الفلسطيني؛ الحركة داخل الضفة الغربية؛ سفر الفلسطينيين إلى الخارج وتقليل الاحتكاك ما بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، الأمر الذي قد يمنح الفلسطينيين شعورًا بالسيادة الحرية الرمزيتان، وتتيح في الوقت نفسه هذه الخطوات لإسرائيل إمكانية التفرّد بالمنطقة المصنّفة "ج" والاستمرار بمشروعها الاستيطاني.
وفي هذا السياق، ذكر مصطفى، أن مشروع بينيت المعروف باسم "خطة التهدئة"، يقوم على قبول النتائج المترتبة على اتفاق "أوسلو"، لكن مع عدم وجود رغبة في التقدّم في أي عملية سياسية، حيث يسعى من خلال ذلك إلى الإبقاء على الواقع القائم، ورفض قيام دولة فلسطينية مستقلّة والاعتراف بحقّ العودة. وأضاف: "بينيت جاء بمحاولة لتجديد الخطاب أو المشروع السياسي اليميني، ليس بالعودة إلى ما قبل اتفاق "أوسلو"، بل عبر قبول نتائجه كما هي الآن، أي القبول بما أنتجه الاتفاق على الأرض، لكن دون التقدّم بهذه النتائج إلى الأمام". مضيفًا أن هناك ثلاث نتائج رئيسة لاتفاق "أوسلو"، تتمثّل في إقامة سلطة وطنية فلسطينية على جزء من أرض فلسطين، وتقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق (أ) و(ب) و(ج)، والفصل الجغرافي والسياسي بين الضفة وقطاع غزة.
وأضاف مصطفى: "عندما دخل بينيت الحياة السياسية لأول مرة في انتخابات العام 2013، طرح مشروعه بناءً على هذه النتائج، وأطلق عليه "خطة التهدئة"، وهي خطوط عملية لإدارة الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي. وتطرّق إلى أن أهم بند في خطّة بينيت هو ضم مناطق (ج) للسيادة الإسرائيلية بشكل أحادي الجانب بمعزل عن أي تسوية أو مفاوضات مع الفلسطينيين.
وأوضح أن بينيت يرى أن ضم مناطق (ج)، التي تُشكّل 60% من مساحة الضفة، تُقدّم حلاً لمشكلتين بالنسبة لإسرائيل؛ وتتمثّل الأولى في المستوطنات إذ سيُساهم "الضم" في إضفاء شرعية على مكانتها حيث سيتحول المستوطنين إلى جزء من دولة إسرائيل، أما المشكلة الثانية، فهي "أخلاقية" وتتمثّل في مسألة الفصل العنصري "الأبارتهايد"، لذا طرح منح الفلسطينيين الذين سيتم ضمهم إلى اسرائيل مواطنة إسرائيلية كاملة.
كما لفت مصطفى إلى اعتراف بينيت في إطار خطّته بالسلطة الوطنية كإدارة حكم ذاتي على المناطق التي تسيطر عليها (أ) و(ب)، ورغبته بألّا يتعرّض الفلسطينيين اثناء انتقالهم داخل الضفة إلى حواجز أو جنود اسرائيليين. وعليه، فإن خطة بينيت تأخذ الواقع الذي أوجده "أوسلو" وتقف عنده، وتسبغ عليه غطاء سياسيًا أيديولوجيًا، أي أنه لا يريد التراجع عنه ولا التقدّم فيه، بالتالي، فإنه ينظر للسلطة بشكلها الحالي، على أنها الكيان الذي يعبر عن طموح والآمال السياسية للفلسطينيين، ومن جهة ثانية فإنه يطرح نفسه كإنسان أخلاقي وليبرالي، (..) من هنا فلا مشكلة لديه بتطوير الاقتصاد الفلسطيني في الضفة.
وذكر مصطفى أيضًا أن الخطة تتضمّن منع عودة أي لاجئ من أي دولة عربية حتى إلى الضفة، واستمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية عليها، إضافة إلى تثبيت الفصل بين الضفة والقطاع، من هنا، فإنه توقّع ألّا تختلف سياسة بينيت عن سلفه بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بالتعاطي مع غزة.
من ناحيته، أكّد حباس، أن مفهوم "تقليص الصراع" ربما يكون جديدًا كمصطلح، لكن مضمونه في العديد من الجوانب قيد التطبيق على أرض الواقع، ويشكّل عاملاً مشتركًا لدى معظم أحزاب اليمين.
وأوضح حباس أن بينيت تلفّظ لأول مرة بهذا المصطلح، بعد أيام قليلة من تولّيه رئاسة الحكومة، وكان ذلك في إحدى المقابلات الصحافية عندما سُئل عن موقفه من القضية الفلسطينية. بيد أن أول من صاغ هذا المفهوم كان المؤرّخ الإسرائيلي ميخا غودمان، وتحديدًا في مقال له نُشر في العام 2019، حدّد من خلاله ثماني خطوات لتحقيق نظرية "تقليص الصراع".
ونوّه حباس إلى أن "تقليص الصراع" مُصطلح يختلف عن مصطلحات أخرى مستخدمة في الخطاب السياسي الاسرائيلي مثل تسوية أو حسم أو حلّ الصراع، أو السلام الاقتصادي. حيث أن مفهوم "تقليص الصراع" يقوم على عدّة فرضيات، من ضمنها أن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين صراع أزلي ولا يوجد له حل، وأنه لم يبدأ بفعل سياسي عسكري، أي احتلال 1967، إضافة إلى أن "أوسلو" انتهى، بمعنى أن الوضع القائم هو أقصى ما يُمكن تقديمه سياسيًا للفلسطينيين.
وذكر حباس أن رؤية "غودمان" لـ "تقليص الصراع" تقوم على إزالة المفاعيل التي تولّد توترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بمعنى ألّا يكون هناك أي نوع من الاحتكاك بين الجانبين، وأن يستمر عزل الفلسطينيين في الضفة بشكل تكنولوجي وذكي من خلال تغييب المظاهر العسكرية الإسرائيلية. وذكر أن غودمان طرح ثماني خطوات لـ "تقليص الصراع"، تُقابلها خمس خطوات مطلوب من إسرائيل القيام بها حتى تحفظ الأمن.
وبيّن أن الخطوات الثمانية تتضمّن (1) ربط مناطق الحكم الذاتي أي (أ) و(ب) مع بعضها البعض، عبر إنشاء بنية تحتية معقّدة تشمل شوارع وأنفاق وجسور، (2) منح الفلسطينيين مساحات إضافية من مناطق (ج)، (3) تسهيل استخدام الفلسطينيين للمطارات الإسرائيلية، (4) زيادة عدد التصاريح الممنوحة للعمال الفلسطينيين لتصل إلى نحو 400 ألف تصريح، (5) الاعتناء بالمناطق الصناعية داخل الضفة، (6) توفير خطوط لوجستية "آمنة" للاستيراد والتصدير الفلسطيني، (7) إنهاء اتفاق باريس الاقتصادي ومنح الفلسطينيين شعور بالاستقلال الاقتصادي، وأخيرًا (8) دعم مساعي الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لكن مع دون ترسيم حدودها.
أما بالنسبة للخطوات الخمس المطلوبة لـحفظ الأمن، أوضح أنها تشمل مواصلة جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" حريّة عمله في كافة أنحاء الضفة، وتمتّع الجيش الإسرائيلي بحرية دخول واعتقال والقيام بأي عمل عسكري في قلب المدن الفلسطينية، وأن يكون هناك حضور عسكري إسرائيلي كامل في منطقة الأغوار، وأن يكون المجال الجوي خاضعًا للسيطرة الإسرائيلية فقط، علاوةً على سيطرة إسرائيل على المجال الكهرومغناطيسي بما يشمل الطاقة والموجات والترددات الخاصة بخدمات الاتصالات.
وذكر حباس أن بينيت، وقبل أن يتولّى منصب رئيس الحكومة كان قد أُعجب على ما يبدو بمقال غودمان، وخرج بتغريدات ومقابلات يُشيد فيها بمضمونه. موضّحًا أنه تم إنشاء "مبادرة إسرائيلية لتقليص الصراع" مقرّها في القدس، ولديها رقم في سجل الجمعيات الإسرائيلية وتعكف على الترويج لخطوات "تقليص الصراع".
وكانت مديرة المركز د. هنيدة غانم، والتي أدارت هذه الندوة، قد أشارت في البداية إلى أن الاهتمام برؤية بينيت للصراع الفلسطيني –الإسرائيلي وآلية التعاطي معه، هو أحد الأسباب التي حدت بالمركز إلى تنظيم الندوة، خاصّة في ظلّ طرح بينيت ذاته لمفهوم "تقليص الصراع". وقالت "كما يعلم الجميع فإن بينيت ينتمي إلى ما يُعرف بـ "الصهيونية الدينية"، بيد أن الحكومة الإسرائيلية تجمع في أطيافها كافة التناقضات القائمة في الحلبة السياسية، من هنا فقد ارتأينا التركيز على هذا القضية".