رأى محللون سياسيون، أن مصر تحاول أن تسجل "اختراقا" في القضية الفلسطينية بإحياء مفاوضات السلام، وذلك من خلال الاتصالات التي تجريها مع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، بدعم أمريكي.
وزار رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الوزير عباس كامل، يوم الأربعاء الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، حيث استقبله كل من الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.
وجرت الزيارة بناء على تكليف من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في "إطار دفع الجهود المصرية لعملية السلام، التي يرعاها رئيس الجمهورية"، بحسب وكالة أنباء (الشرق الأوسط) المصرية الرسمية.
وخلال زيارته، نقل الوزير المصري للرئيس الفلسطيني رسالة من السيسي، تتضمن التأكيد على دعم مصر للقضية الفلسطينية، كما وجه دعوة من الرئيس المصري لبينيت لزيارة القاهرة خلال الأسابيع القادمة.
وتأتي زيارة رئيس المخابرات المصرية لفلسطين وإسرائيل بعد أيام من زيارة رئيس المخابرات الأمريكية (سي آي أيه) ويليام بيرنز للقاهرة، حيث استقبله الرئيس السيسي.
واستبق بيرنز زيارته للقاهرة بلقاء مع بينيت في تل أبيب.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن زيارة الوزير عباس كامل إلى فلسطين وإسرائيل "هدفها تثبيت حالة التهدئة في قطاع غزة، مع السعي إلى استئناف عملية السلام".
وأضاف فهمي، في تصريحات لوكالة أنباء (شينخوا)، أن "التحرك المصري الحالي في الملف الفلسطيني والانفتاح علي الجانب الإسرائيلي وإتمام زيارة عباس كامل في التوقيت الراهن مرتبط بمخطط مصري متكامل لتثبيت الهدنة، وتقديم تسهيلات لسكان القطاع، والبدء في إتمام مشروع الأعمار، والعمل علي استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من خلال وساطة مصرية أمريكية مباشرة، وبجهد مرتب له جيدا على المستوي المصري".
ورعت مصر في 21 مايو الماضي اتفاق تهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة، أنهى 11 يوما من القتال، الذي أسفر عن استشهاد أكثر من 250 فلسطينيا و مقتل 13 إسرائيليا وفقا لأرقام فلسطينية وإسرائيلية رسمية.
وتابع أن "التحرك المصري يحظى بدعم أمريكي كبير، عبرت عنه زيارة مدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز للقاهرة خلال الأيام الأخيرة، والتنسيق المصري الأمريكي متواصل ومهم لإقناع الجانب الاسرائيلي بالتحرك قدما نحو قبول الأفكار المصرية، والدخول في مفاوضات جدية بعد ان استقرت الأوضاع نسبيا في إسرائيل".
وأردف أن "القاهرة تعمل في أكثر من اتجاه، وعبر قائمة تحفيزية لكل الأطراف، حيث ستستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في القاهرة، لتقوية مركزه ودعمه وتشجيعه للانخراط في مفاوضات حقيقية، خاصة أن التقييم المصري للأوضاع في إسرائيل هو أن الحكومة الإسرائيلية ستستمر ولن تتفكك، والعمل معها مهم، وهو ما نقل للرئيس الفلسطيني محمود عباس شخصيا، بأن هناك فرصة متاحة لاستئناف جهود التسوية، وعدم إضاعة الوقت في مواقف محسومة مسبقا".
ولفت فهمي إلى أن بينيت سوف يقوم بزيارة مهمة إلى واشنطن الأسبوع القادم وهذا يعني أن هناك تنسيقا مصريا أمريكيا على مستوى عال.
وتوقع أن "تكون القاهرة مركزا للمفاوضات المقترحة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، على أن تشارك الولايات المتحدة في المفاوضات علي غرار ما جري في كامب ديفيد".
وأشار إلى أن "هناك أفكارا متعددة عرضت علي الجانب الفلسطيني للتجاوب مع الحركة المصرية النشطة وجهد الرئيس السيسي شخصيا".
ورأى فهمي أن "هناك تقبلا إسرائيليا للطرح المصري، لكن القاهرة تتحسب لكافة الخيارات، ولديها بالطبع سيناريوهات موضوعة، لكن هناك ثقة بأن إسرائيل تريد حالة التهدئة مع الفلسطينيين واستئناف عملية السلام".
وتوقع أن تنجح مصر في خطواتها إذا توافرت الإرادة السياسية لدى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، منوها بأن القاهرة تمتلك مصداقية كبيرة لدى كل الأطراف.
وختم أن "مصر ليس دورها إطفاء حرائق (في إشارة للنزاع الأخير بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل)، لكن محاولة وضع الأطراف على بداية الطريق والدخول في مفاوضات مباشرة وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية".
من جانبه، قال الدكتور جهاد الحرازين أستاذ النظم القانونية والعلوم السياسية والقيادي بحركة فتح الفلسطينية، إن مصر تحاول أن تسجل "اختراقا" في الملف الفلسطيني، خاصة أن الرئيس السيسي أكد في أكثر من مناسبة أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار ومواجهة التطرف والإرهاب في المنطقة دون حل القضية الفلسطينية.
وأضاف الحرازين لـ(شينخوا)، أن مصر تسعى لخلق "حالة من التطور" فيما يتعلق بالمسار السياسي للقضية الفلسطينية، و "عدم تركه لحالة الجمود" التي اصابته منذ العام 2014 خاصة بعدما لعبت دورا كبيرا إبان الحرب على قطاع غزة.
وتوقفت مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل منذ مارس من العام 2014، بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية لم تفض إلى أي اتفاق.
ودعا الخبير الفلسطيني إلى ممارسة الضغوط على إسرائيل حتى تلتزم بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وهذا الأمر الذى تبني عليه أي عملية سلام قادمة.
وأردف أن "مصر تعمل في هذا الاتجاه ولا ننسي دور مصر مع مجموعة ميونخ التي تضم أيضا الأردن وفرنسا وألمانيا من أجل تحريك عملية السلام".
وأوضح أن "مصر تنشط في هذا المجال باعتبارها تلقى قبولا لدي الشعب الفلسطيني ولديها اتفاقية سلام مع إسرائيل هو الأمر الذى يجعلها لاعب مهم ومحوري يستطيع تقريب وجهات النظر بين الأطراف".
وتابع "اعتقد أن الطرف الفلسطيني قدم كل ما عليه من التزامات وفقا للاتفاقات الموقعة سابقا لكن هناك حالة تعنت من قبل اليمين الإسرائيلي الذي يحكم والذى يرى أنه لا مستقبل لعملية السلام ويركز هدفه الرئيسي على الاستيطان وسلب الأراضي والتغيير الديموغرافي في القدس والضفة الغربية وهذا مخالف للقانون الدولي".
أما الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية فرأى أن التحركات المصري تهدف إلى "فتح باب التفاوض حول القضية الفلسطينية".
وقال غباشي لـ (شينخوا) إن "مصر لعبت دورا في التهدئة الحالية بين الطرفين وتريد أن تجعل هذه التهدئة دائمة كما تلعب دورا في إعادة إعمار غزة".
وأوضح أن الاتصالات بين الجانبين المصري والإسرائيلي تستخدم في كل الأحوال لمصلحة القضية الفلسطينية.