إرحمونا

بقلم: رامي الغف

رامي الغف
  • كتب: رامي الغف

 يعيش المواطن الغزي هذه الأيام على صفيح ساخن جدا، متزامنا مع موجة الحر الشديد الذي يجتاح منطقتنا ككل صيف. المواطن الغلبان والمسحوق على أمرة يعيش أصعب ظروفه الحياتية وخاصة وأن درجات الحرارة بدأت تدريجيا بالصعود وقد تصل في الأيام القادمة إلى أعلى مستوياتها، وهو يعاني من فقدان أبسط الخدمات كالتنمية والإغاثة والتأهيل، والوعود لا تنتهي بالتحسين والسيطرة على الأزمات فلم تعد تجدي ولا أعتقد أن هناك من يصدق هذه الوعود الفضاضه بعد الآن. المواطن يعاني وضعا قاسيا وصعبا، بسبب الكهرباء الغير مستقره بتاتا، وكثرة إنقطاعاتها التي أثرت على حياته اليومية، فكم من مواطن فقد بضاعته، وكم من محال خسر منتوجاته، وكم من مصنع أتلفت صناعته، وكم من شركة فنشت عمالها، وكم وكم!! نتيجة إنقطاعات الكهرباء المستمرة وبإطراد.
يأتي هذا ونحن في فصل الصيف حيث الحر الشديد وأولادنا وأمهاتنا وآباءنا بحاجة ماسة للكهرباء، لمقدرتهم على البروده من خلال تشغيل المراوح والمكيفات الكهربائية. يأتي صيف هذا العام وأزمة الكهرباء ما زالت تراوح مكانها ولا حلول لا من هنا ولا من هناك، وكأننا في واد وقادتنا ومسؤولينا في واد آخر، فالكهرباء أصبحت الشغل الشاغل للمواطنين ومن أهم مشاكلهم اليومية، بعد أن عجزت الحكومة وسلطة الطاقة وشركة الكهرباء على توفيرها بصورة سليمة.
 وهنا نتساءل هل حل مشكله يعتبر مشكله بحد ذاته؟ وهل الكلام عن مشكلة الكهرباء أصبح شي يثير الأعصاب؟ بحيث يستفز المقابل ويبدأ بالشتم والسباب وهذه عاده معظم اهل غزة الذين يتميزون بشكل عام بصعوبة إرضائهم وسهوله إغضابهم واستفزازهم الا ما عصم ربي، وهل نظل ندور بهذا الفلك الدوار عن أسباب ومسببات انقطاع التيار الكهربائي وكأننا ندور حول حلقة مفرغه التي بدأت منذ نشأة الإنسان، وهل ان حل أحجية الكهرباء تحتاج منا أولا حل الأحجية الشهيرة ؟ هل ان البيضة أتت من الدجاجة ام الدجاجة أتت من البيضة؟ لقد كتبت مقالات وإنتقدات كثيرة كتبت بحق السيدة كهرباء باشا والسادة الاشاوس المدراء والمسئولين فيها، كل عبر عن وجهة نظره وما بداخله بطريقته الخاصة، وصراحة كل من كتب كلمة واحدة بحق الكهرباء كان صائباً على الرغم من التبريرات المتكررة والجولات الميدانية والأفلام الكهربائية التي تقوم ببطولتها هذه الكهرباء.
 لعل شركة توزيع الكهرباء، لا تعلم ان المواطن الفلسطيني اصبح بدرجة خبير بأمور الكهرباء بسبب الظروف التي عاشها لأكثر من ثمانية اعوام من الزمن المليئة بالهموم والغموم والأحزان، وهذه السنين كفيلة بجعله يعلم بخفايا الامور وظاهرها بمعنى انه اصبح كما يقال" مقطع السمكه وديلها " وهذا يجعل المسئولين عن توزيع الكهرباء في موقف ضعيف وهزيل، لأنهم لا يعلمون ان المواطنين يتوقعون بسلبيات القادم قبل حدوثها خصوصا في فصل الشتاء القارص الذي يحتل فيه الوطن الفلسطيني وخاصة قطاع غزة الساحلي موقع متقدم ان لم يكن الاول في إنخفاض درجات الحرارة.
 كما تعودنا في كل شتاء على المعاناة بسبب انقطاع التيار الكهربائي بحجج وذرائع كثيرة ومنها المناكفات بين الشركة في غزة وسلطة الطاقة في رام الله من جهه، ومن جهه اخرى عدم توفر المواد البترولية، مرورا باستخدام المواطنين الاجهزة الكهربائية والمكيفات والصوبات الخ، فالصيف في بداياته والمواطنين ينتظرون تحسن الكهرباء، لكن يبدو ان لا حلول سريعة في الافق, لتظل الكهرباء شحيحة، وتعيش حالة المطاردة الازلية بين القط والفار ابطالها شركة الكهرباء وسلطة الطاقة في حكومة الدكتور محمد اشتيه.
 وهنا نتساءل هل من المعقول لوطن تتوفر فيه كل المتطلبات والمقومات وخاصة الهبات والتبرعات والمنح المالية الدولية والعربية وهو الآن يعيش بظلام دامس، فلقد امست معضلة تردي الكهرباء التي دخلت التاريخ الفلسطيني من اوسع ابوابه واحدة من المكابدات اليومية للمواطن الفلسطيني يتجرعها على مضض وينظر الى الوعود الكهربائية التي تطن مسامعه بين حين وحين بعين اليأس حتى سأم المواطن من الحديث حول هذا الموضوع الذي صار مملولا من مملولاته.
والواقع لا ندري ما هي حقيقة مشكلة الكهرباء لتبقى دون حل ومعالجة لحد الآن، فقد سأم المواطن المسكين من الوعود المعسولة، وطفق يرتئي بين أن يبقى في جو حار أو يصبر على حظه العاثر علـّه يحصل على ضالته المفقودة التي طال انتظارها في وطننا الجديد!! ولا ندري ما الذي يجعل المسئولين منكفئين عن معالجة هذا الملف الذي بات يؤرق المواطن وينظر إليه نظر الريبة والإشمئزاز، ويبقى المواطن وسط هذه التبريرات المستمرة تزداد معاناته يوماً بعد يوم.
 إن الكهرباء اليوم في غيبوبة لا نعرف متى تستيقظ منها، والذي يسمع التصريحات بين الحين والآخر يقول ستكون الكهرباء في وطننا نموذجية، ولا يوجد منها مثيل في العالم اجمع لما صرف لها من أموال تعادل ميزانية دول، وبما إننا نعيش في دوامة الأزمات حيث تظهر لنا بين الحين والآخر أزمة تليها أخرى من غير نوع وتختلف عن سابقتها من حيث النوع والكم والأسلوب.
 ألا يعلم المسئول في شركة الكهرباء او سلطة الطاقة إن مسألة الكهرباء باتت اليوم تشكل عصب الحياة الفلسطينية، وإنها الأولى في الخدمات ويجب أن تقدم على ما سواها، وإن صلحت صلح ما سواها وإن فسدت فسد ما سواها، وفي الواقع فان بقاء هذه المشكلة وعدم اكتراث المسئولين بوضع حلّ لها وعدم اهتمامهم الكافي والمطلوب سيفقد الثقة بهم، وإن المعاناة في الجانب الكهربائي إذا ما استمرت على هذا المنوال ربما تتفاقم الأمور وتصل إلى ما لا تحمد عقباها.
وإذا ما عزمت حكومة الدكتور اشتية بالتعاون مع شركة الكهرباء وسلطة الطاقة على تقديم الأهم على المهم، وإذا ما كانت لديها همة ومصداقية في انجاز هذا الملف الشائك وطنيا أم استثماريا لكان بمقدورها ذلك، ولكننا وحسبما يقول الخبراء الاقتصاديون إن ما ينقصنا هو التخطيط السليم والبرنامج الواضح والقوانين المساندة للاستثمار وتشجيع الشركات العربية على المجيء للوطن وضخ استثماراتها. إن حكومة الدكتور محمد اشتيه مطالبة بالعمل الجاد لرفع معاناة المواطن جراء ما يعانيه من تردي خدمة الكهرباء، وبلغت معاناة المواطنين حداً لم يعد يطاق مع استمرار الوعود من المسئول بتحسين خدمة الكهرباء من دون أن يجد المواطن لها أي مصداقية وتحقق!!
ولكننا بحاجة إلى همة مضاعفة وتضافر جميع الجهود للتغلب على هذه المشكلة. بالرغم مما قيل فإن مشكلة الكهرباء تبقى معقدة ونحن نثمن الجهود المخلصة التي يبذلها المنتسبين والكوادر الهندسية والإدارية والفنية لشركة الكهرباء، ولكننا لابد ان نضع النقاط على الحروف ونقول ان ثمة خلل واضح وفاضح في سياسة الشركة لحل هذه المشكلة، فينبغي على رئيس الوزراء الدكتور التدخل المباشر وتشكيل خلية ازمة كهربائية على غرار خلية الازمات الامنية والإعلامية والإقتصادية والمالية في الوطن، خصوصا ونحن في فصل صيف لا يبقي ولا يذر. ويبقى السؤال الاهم الذي نترك اجابته للمواطن، هل المشكلة في شركة الكهرباء أم في سلطة الطاقة أم في الحكومة، ام في الواقع السيئ والمرير الذي نعيشه؟

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت