- معركة "سيف القدس" تعيد الأقصى إلى رأس أولويات الصراع مع الاحتلال الذي حاول التقدم على صعيد فرض صلاة اليهود فيه، وإغراقه بمشاريع تهويدية ضخمة
أطلقت مؤسسة القدس الدولية يوم السبت 21 آب/أغسطس 2021 تقريرها السنوي الخامس عشر (عين على الأقصى 2021)، وذلك خلال مؤتمر صحفي افتراضي، شاركت فيه ثلةٌ من الشخصيات العاملة والمهتمة في الشأن الفلسطيني.
وبدأت فعاليات المؤتمر بكلمةٍ من بشارة مرهج، نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، الذي أشار إلى أنّه وعلى الرغم مما يمر به لبنان من ظروف، فإنه لن يتخلى عن القدس مهما كانت التحديّات.
وقال بشارة مرهج: "إنّ نظرة سريعة إلى تطورات المشهد في القدس تبيّن لنا أن الحريق الذي أضرمه المتطرف الصهيوني في المسجد عام 1969 لم ينطفئ، بل إن كيان العدو لا يزال يشعل الحريق تلو الآخر أملاً من في طمس الهوية العربية والإسلامية للقدس، وتكريس هوية أخرى تتلاءم مع مزاعمه وطموحاته".
وأضاف مرهج: " هذا المشهد القاتم الذي يحاول كيان العدو تكريسه وإرساءه في القدس وكأنه أمرٌ واقعٌ وقدرٌ محكم لا فكاك منه هو جزءٌ من الصورة، أما الجزء الآخر الذي يكسر حدّة المشهد فنجده في الثبات والإرادة الشعبية التي منعت الاحتلال من اقتحام الأقصى يوم 28 رمضان، والتي تتصدى لجرائمه بحقّ القدس والمقدسات، وتقاوم مخططاته لتهجير المقدسيين وتعميق الاستيطان".
وتابع بشارة مرهج: " ولا بدّ من الإشارة إلى أن حفريات تهويدية يقوم بها الاحتلال في حي الشيخ جراح كشفت عن رفات جندي أردني تعود إلى معارك حرب عام 1967، فلعلها تكون إشارة تذكّر بما كان الموقف العربي عليه آنذاك وأين هو اليوم وأين يجب أن يكون".
وختم بشارة مرهج كلمته محيياً الصامدين والمرابطين المقاومين في جبل صبيح وجنين والقدس والمسجد الأقصى، والداخل المحتل.
عقب كلمة بشارة مرهج، تحدث ياسين حمّود، مدير عام مؤسسة القدس الدولية، واستهلَّ حديثه بكلمةٍ بدأها بتوجيه التحية إلى الشعبِ الفلسطينيِّ الذي خاضَ بشجاعةٍ هبةَ بابِ العمودِ، ومعركةَ سيفِ القدسِ، وانتصر فيهما.
وتحدث ياسين حمّود عن أهمية تقرير (عين على الأقصى) الذي تصدره مؤسسة القدس الدولية، والذي يُعَدُّ وفقًا للعديدِ من المتخصصين في الشّأنِ المقدسي أشملَ تقريرٍ بحثيٍّ يرصدُ التطوراتِ والمواقفَ المتعلقةَ بالمسجدِ الأقصى، ويحلّلُها، ويقدمُ التوصياتِ للجهاتِ المؤثرةِ في قضيةِ الأقصى، وقال حمّود: "رصدنا في تقريرنا السنوي عينٌ على الأقصى الخامسَ عشرَ جملةً من التطورات، على صعيدِ تطورِ فكرةِ الوجودِ اليهوديِّ في الأقصى، ومحاولاتِ الاحتلالِ فرضَ هذا الوجودِ في المسجدِ، والمشاريعِ التهويديةِ في الأقصى ومحيطه، إضافةً إلى التفاعلِ على المستوى العربيِّ والإسلاميِّ والدوليّ".
وأضاف حمّود: "على صعيدِ تطورِ فكرةِ الوجودِ اليهوديِّ في المسجدِ الأقصى فقد رصدَها التقريرُ من خلال أربعةِ مستويات: السياسيِّ والأمني والديني والقانوني، وقد مضت هذه الفكرةُ وأصحابُها في مسارِها الصاعدِ على مدى أربعةِ عقودٍ من الزمنِ، تمتعتْ خلالِ آخرِ عقدين بنفوذٍ سياسيٍّ مباشرٍ، بلورت خلالهما ثلاثَ أجنداتٍ مرحليةٍ هي التقسيمُ الزمانيُّ والتقسيمُ المكاني".
وتابع ياسين حمّود: "لقد كان التأسيسُ المعنويُّ "للمعبدِ" هدفًا لـ "منظمات المعبد" عبر فرض الطقوسِ التوراتية العلنيةِ وجعلها الأجندةَ المركزيةَ التي حاول الاحتلالُ فرضَها في الأقصى طوال العام الماضي، واستنفرت "جماعاتُ المعبد" كلَّ نفوذِها لفرض اقتحام 28 رمضان، ورغم المواجهاتِ والحربِ تابعت هذا المسارَ في اقتحام يوم التروية في 18-7-2021، حيث شكر رئيسُ وزراءِ الاحتلالِ نفتالي بينيت شرطتَه على "تمكينِ اليهودِ من أداءِ طقوسِهم بحرية في جبل المعبد"، معلناً عن أجندته بوضوحٍ، وهو ما يجعل فرضَ الطقوسِ التوراتية في الأقصى مرشحاً لأن يكون عنوانَ مواجهةٍ قريبةٍ قادمة".
وعن مواعيد المواجهة والتصعيد المتوقعة في المسجد الأقصى خلال المرحلة القادمة، قال ياسين حمّود: "لقد كان التناظرُ العبريُّ-الهجري مفتاحَ تحديدِ مواعيدِ المواجهةِ على مدى السنواتِ الثلاثِ الماضية، واليومَ إذ تتبدلُ الرزنامة العبرية فإن تناظراً أشدَّ حدةً سينشأ ما بين عيد الفصحِ العبري بأيامه السبعة والنصف الثاني من رمضان على مدى ثلاث سنواتٍ قادمة ما بين 2022-2024".
وعرّجَ ياسين حمّود على أبرزِ المشاريع التهويدية في محيطِ المسجدِ الأقصى التي رصدها تقريرُ (عين على الأقصى 2021)، قائلاً: "إنَّ الاحتلالَ يستهدفُ قلبَ القدسِ بثلاثةِ مشاريعَ تهويديةٍ ضخمةٍ، هي: "مركز المدينة شرق"، و"وادي السيليكون"، وتهويد المنطقة من باب العمود إلى حيّ الشيخ جرّاح، والهدفُ من هذه المشاريعِ تغييرُ الوجهِ الثقافيِّ والعمرانيِّ والتجاريِّ والديموغرافيِّ للمناطقِ المستهدَفةِ التي تشكلُ وسطَ المدينةِ المقدسةِ، ومعلومٌ أنّ المسجدَ الأقصى يقعُ في قلبِ قلبِ القدسِ". وبيّن أنّ "هيئة تطوير القدس" مضت قُدمًا في تنفيذ خطوات عملية لبناء "القطار الهوائي أو التلفريك" في فضاء البلدة القديمة، على الرغم من عدم صدور قرار قضائي يسمح لها بذلك.
أمّا محاولات تثبيت الوجود اليهودي في المسجد الأقصى، التي تشكل اقتحامات المسجد الأقصى أبرز صورها، فقد تحدث ياسين حمّود عما رصده تقرير (عين على الأقصى 2021) من اقتحاماتٍ خلال مدة الرصد.
وقال حمّود: "بلغَ عددُ الاقتحاماتِ السياسيةِ للمسجدِ 4 اقتحاماتٍ، شاركَ فيها ثلاثةُ أعضاءٍ في الكنيست وبلغَ عددُ المستوطنينَ الذين اقتحموا الأقصى في مدةِ الرصد نحو 26526 مقتحمًا، من المستوطنين والطلابِ اليهودِ وعناصرِ الاحتلالِ الأمنيةِ".
ولفت ياسين حمّود النظر إلى أبرز اعتداءات أجهزة الاحتلال القمعية تجاه المسجد الأقصى، ومحاولتها تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك.
وأضاف ياسين حمّود: "وطوال مدةِ الرصدِ لم تتوقفْ سلطاتُ الاحتلالِ عن التدخلِ في شؤونِ دائرةِ الأوقافِ الإسلاميةِ في القدس، ومنعِها من أداءِ مهامِّها في الترميمِ والصيانةِ، واعتقالِ موظفيها، والتضييقِ عليهم".
وفي الإجابة عن سؤال، كيفَ كان التفاعلُ معَ الأقصى على المستوى العربيِّ والإسلاميِّ والدوليِّ مع قضية المسجد الأقصى المبارك؟، تناول ياسين حمّود أبرز ما رصده تقرير (عين على الأقصى 2021) من مواقف، في مختلف المستويات: الفلسطينية، والعربية، والإسلامية، والدولية.
وقال حمّود: "على المستوى الفلسطينيِّ، خطَتِ المقاومةُ الفلسطينيةُ خطواتٍ ناجحةً باتجاهِ تثبيتِ معادلةٍ جديدةٍ تربطُ بين تدخُّلِ المقاومةِ في غزةَ والتطوراتِ في القدسِ والمسجدِ الأقصى، فقد بادرتِ المقاومةُ الفلسطينيةُ في قطاعِ غزةَ بقصفِ مناطقَ تحتَ سيطرةِ الاحتلالِ في القدسِ المحتلةِ ردًّا على محاولةِ المستوطنين اقتحامَ الأقصى في 28 رمضان، ومحاولةِ طردِ عائلاتِ حيِّ الشيخِ جراح شمالَ البلدةِ القديمة".
وعن موقف السلطة الفلسطينية، قال حمّود: "ولكنَّ هذا الأداءَ الفلسطينيَّ الشعبيَّ المميزَ لم تقابلْه السلطةُ الفلسطينيةُ بما يوازيه من قوةٍ، وثباتٍ، بل أقدَمتْ على إعادةِ العلاقاتِ مع الاحتلالِ الإسرائيليِّ بعد انقطاعٍ شككَ في حقيقتِه كثيرٌ من الفصائلِ ومن المتابعينَ للشأنِ الفلسطينيِّ والإسرائيليِّ، واستمرت في حصرِ خياراتِها لمواجهةِ الاعتداءاتِ في القدس والأقصى بالمفاوضات".
وأشار ياسين حمّود إلى ما رصده تقرير (عين على الأقصى 2021) من موقفٍ عربيٍ رسميٍ من المسجد الأقصى خلال فترة الرصد.
وقال حمّود: "ولم يطرأْ جديدٌ في المواقفِ الرسمية العربيةِ والإسلاميةِ، سوى السقوطِ المخزي لبعضِ الدولِ التي هرولَتْ للتطبيعِ مع الاحتلالِ الإسرائيليِّ ووقَّعَتْ معه اتفاقياتٍ أُطلِقَ عليها "أبراهام"، وقد نصَّتْ هذه الاتفاقياتُ المشؤومةُ على جعلِ المسجدِ الأقصى محجًّا لاقتحاماتِ المطبّعين العربِ، وعلى تزويرِ تعريفِه، وتشريعِ أبوابِه ليكونَ مكانًا يستوعبُ صلاةَ جميعِ أتباعِ الديانات".
وأشار ياسين حمّود إلى الدور الذي يترتب على الأردن تجاه المسجد الأقصى، بصفتِه المسؤولَ عن رعايةِ شؤونِ المسجدِ، والذي لم يغادر مربع العجز، مكتفياً بالشجب والاستنكار، على الرغمِ من الاستهدافِ الإسرائيليِّ الكثيفِ والمتواصلِ للدورِ الأردنيِّ في الأقصى.
وفرّق حمّود بين موقف الشعوب العربية والأنظمة العربية من المسجد الأقصى المبارك، وقضيته، إذ إنّ نبضُ الشعوبِ العربيةِ والإسلاميةِ كان قريبًا من همومِ الأقصى".
وقال ياسين حمّود: لقد كان هذا النبض شديدَ الاقترابِ من همومِ الشعبِ الفلسطينيِّ ونضالِه ولا سيما في معركةِ سيفِ القدسِ التي أظهرَت انتماءً صادقًا من شعوبِ الأمةِ للمقاومةِ الفلسطينيةِ، وتعلقًا بقادتِها. وأبدعَ أبناءُ الأمةِ في تسطيرِ مبادراتٍ فرديةٍ تعبّرُ عن حقيقةِ موقفِ شعوبِنا من التطبيعِِ".
وعن الموقف الدولي من المسجد الأقصى خلال مدة الرصد في تقرير (عين على الأقصى 2021)، قال حمّود: "أما المواقفُ الدوليةُ فبقيتْ على حالِها باستثناءِ حراكٍ خطيرٍ قادَه الرئيسُ الأمريكيُّ السابقُ دونالد ترامب، وأفضى إلى توقيعِ اتفاقياتِ تطبيعٍ بين الاحتلالِ الإسرائيليِّ وعددٍ من الدولِ العربية".
وفي ختام كلمته، ذكر ياسين حمّود عدداً من التوصيات لمنعِ الاحتلالِ من تسجيلِ مزيدٍ من المكاسبِ في مشروعِه التهويديِّ الذي يستهدفُ الأقصى، وفقاً لما خلُص إليه تقرير (عين على الأقصى 2021)، والتي تناولت مختلف اللاعبين والأطراف في الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية.
وبدأت تلك التوصيات بالسلطة الفلسطينية التي دعاها حمّود إلى الاستفادة من الدروسِ التي قدمَتْها معركةُ "سيف القدس"، والهبة الفلسطينية الشاملة والإيمان بأنَّ العملَ المقاومَ والفعلَ الميدانيَّ هما أكثرُ الطرقِ التي تستطيع من خلالها الضغط على الاحتلال. وقطع العلاقاتِ فعليًّا مع العدوِّ الإسرائيليّ.
أمّا المقاومة الفلسطينية، فقد دعاها ياسين حمّود إلى أن تُبقيَ على تفاعلِها الحثيثِ مع ما يجري في المسجد الأقصى، وأن يبقى المسجدُ في قلبِ خطابِها الإعلاميِّ وأدائِها الميدانيِّ، كما دعا حمّود قوى وفصائل المقاومة إلى تعزيزُ العملِ المقاومِ في الضفة، من بوابة الدفاع عن القدس والأقصى.
ووجه ياسين حمّود رسالةً إلى الجماهير الفلسطينية دعاها خلالها إلى أن تثقَ بقدراتِها، وتتحلى بالثباتِ والإصرارِ والمبادرةِ، والإبداعِ في وسائلِ المواجهةِ مع الاحتلال.
وفيما يخص الأردن الرسمي وموقفه من المسجد الأقصى المبارك، دعا التقرير الأردن إلى إعادة النظرِ في السياساتِ التي تتبعُها إدارةُ الأوقافِ في القدسِ التي يجبُ أنْ تكونَ منسجمةً مع نبض الشارعِ المقدسي والفلسطيني، وطالب الأردن الرسمي بأنْ ترفضَ أيَّ تنسيقٍ مع الاحتلالِ بشأن الأقصى، وتوفير الحمايةِ لموظفي المسجدِ الأقصى وروّادِه، ومنع الاحتلال من التحكمِ في شؤونِ المسجدِ، ولا سيما الترميمُ والصيانة.
ووجه حمّود توصياتٍ مهمة للمستوى العربي الرسمي تمثلت بالمطالبة بتطبيق قراراتِ جامعةِ الدولِ العربيةِ ومنظمةِ التعاونِ الإسلاميِّ المتعلقة بدعم الأقصى والقدس والمقدسيين، وعدم السماحِ لتحويلِ جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي رهائن بيدِ بعضِ الدولِ السائرةِ في ركب التطبيعِ، والتي صارتْ تمانعُ إصدارَ قراراتٍ تجرّمُ التطبيعُ، وتدعو إلى دعمٍ واضحٍ للفلسطينيين.
وفي ختام المؤتمر، قال ياسين حمّود: "لقد رسمَ تقريرُ هذا العامِ مشهدًا واضحًا لطبيعةِ المعركةِ على الأقصى، فقد تمايزَتْ أطرافُها، وارتقى من ارتقى، وسقط من سقط، وفازَ من فازَ بوسامِ الدفاعِ عن الأقصى بالدماءِ والتضحياتِ والجهودِ والرباطِ والمواقفِ المشرفةِ، وخسرَ من خسرَ ممن تلوّثَ برِجسِ التطبيع".