المقاومة الفلسطينية وإسرائيل ومسألة " كسر المعادلات "

بقلم: هاني العقاد

هاني العقاد
  • د. هاني العقاد

منذ حرب العام 2014  مرورا بأكثر من عشرون جولة مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي في غزة وصولا لحرب الإحدى عشر يوما في مايو الماضي وحتي هذه الساعة وإسرائيل ليس في اجندتها الكثير سوي كسر المعادلات وتثبيت معادلة القوة والنار والردع للفلسطينيين , تثبيت المعادلات بات  عنوان كل مواجهة بين المقاومة والاحتلال وكسر هذه المعادلات الهدف الخفي وراء كل جولة قتال في غزة حتي لو كان لساعات , المقاومة تجسد معادلة ما علي الأرض بعد مواجهة ما وإسرائيل تواجه من جديد وتستخدم قوتها العسكرية  لكسر هذه المعادلة , صراع معادلات قد لا ينتهي ومعركة ستبقي تدور رحاها بين الفينة والأخرى حتي يستطع طرف ما ان يثبت معادلته ويردع الاخر ويفرض شروط المرحلة من جديد, إسرائيل ليس في راسها سوي الحرب والنار والقصف والحصار والابتزاز بذلك تعتقد انها تستطيع ان تكسر أي معادلة ليس هنا في غزة بل أيضا علي مختلف جبهات المواجهة مع اسرائيل في غزة والضفة ولبنان وسوريا وايران وحتي بحر العرب .

 

المواجهة الأخيرة بين المقاومة وإسرائيل والتي تفجرت تحت عنوان (سيف القدس) كانت على أساس افشال تثبيت الاحتلال معادلة فرض السيادة على القدس وتغيير الوضع القائم هناك وتقسيمه زمانيا ومكانيا وتهجير سكان (حي الشيخ جراح) وهذه معادلة كبيرة اختارتها المقاومة لتصحح الكثير من الأحاديث التي تعتبر مواجهة المقاومة مع الاحتلال ليس أكثر من مواجهة من اجل الأموال القطرية وتحقيق مصالح حماس بالبقاء قوية في غزة كحاكم وحيد. حققت المقاومة المعادلة بقصفها القدس وتل ابيب في الدقائق الاولي من معركة "سيف القدس" حتى تمكن الوسطاء من التوصل لوقف إطلاق النار وهنا أصبح الهم الأكبر امام المقاومة كيف يمكنها ان تحافظ على هذه المعادلة وتثبتها في وجه محاولة إسرائيلية مستميتة لكسرها باي شكل من الاشكال وخاصة ان المسالة تتعلق بالقدس التي تعتبرها إسرائيل عاصمة ابدية لها بموجب وعد ترامب الأسود. لم تتمكن المقاومة من الحفاظ على هذه المعادلة بعدما انطلقت مسيرة الاعلام الإسرائيلية ووصلت باب العامود ومارس المستوطنين موبقاتهم وهتفوا "الموت للعرب "واعتدوا باللفظ على رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وسلم، على ما يبدو ان تهديدات كبيرة وصلت وتفاهمات سفلية توصل اليها الوسطاء بان لا تحاول المقاومة قصف القدس وتل ابيب من جديد مقابل الا تصل المسيرة باب العامود الا ان الاحتلال لا يحترم تفاهماته ولا أي اتفاقيات لان القضية هنا كسر معادلة كبيرة وهي الا تتحدث المقاومة من جديد عن القدس.

 

حاولت إسرائيل ومازالت فرض معادلة جديدة بعد الحرب الأخيرة على غزة وهي إعادة الاعمار مقابل اسراها هناك والتهدئة غير ممكنه دون رفع الحصار بالمقابل، ما يقارب أربع شهور والوسطاء يحاولوا التوصل لمقاربات في هذا الموضوع الا ان إسرائيل تتعنت وتتملص وتتلوي وتعاند الوسطاء ولا تريد ان تعقد أي اتفاق مع المقاومة في غزة الا بدون اثمان أي ان تحصل على أسراها وتهدئة طويلة الأمد مقابل تسهيلات لقطاع غزة وإدخال الأموال القطرية ليس أكثر. أكثر من رسالة وصلت الاحتلال الإسرائيلي عبر الوسطاء وأكثر من مره استطاع الوسطاء تخدير المشهد وانتزاع صبر جديد من المقاومة في غزة دون نتيجة حقيقية على الأرض، إسرائيل تصر على فرض معادلتها الجديدة وهي "واحدة بواحدة " أي التهدئة بالتسهيلات وإعادة الاعمار بالأسري وتصر على ربط الكل بموضوع استعادة جثث جنودها دون التوصل الي صفقة تبادل على غرار صفقة شاليط 2011.  لا يوجد أي خيار امام المقاومة لقبول ذلك وليس لديها أي خيار أخير غير الضغط على اسرائيل واجبارها على الرضوخ لشروطها وهذا أصبح مكلف في الوقت الحاضر وقد يعيد الطرفان لجولة قتال جديدة ان تدحرجت الأمور لأبعد من فعل ورد فعل لكن هذا الطريق الوحيد امام المقاومة.

 مع وصول مباحثات التهدئة واعادة اعمار غزة لطريق مسدود وتعنت اسرائيل في احداث اختراق حقيقي لنزع فتيل مواجهة جديدة لم يكن امام المقاومة خيار سوي العودة للتلويح بمسيرات العودة وكسر الحصار و توتير الحدود أسبوعيا بعدما كرست إسرائيل  معادلة "البالون بصاروخ" ونجحت في الي حد ما  وهذا ما اجبر المقاومة للجوء الي الجماهير وتفعيل مسيرات العودة والمقاومة الشعبية والتي انطلقت اولاً في صورة مهرجانات تضغط علي الاحتلال بتفعيل أساليب المقاومة الخشنة علي طول الحدود , فشلت محاولة الوسطاء اجبار حماس علي نقل مهرجان ذكري 52 لإحراق المسجد الأقصى بعيدا عن الحدود لان إسرائيل لم توعد بشيء وخاصة ان هناك اتفاق  بين الأمم المتحدة وقطر بموافقة إسرائيلية  لم يعجب حماس كثيرا لأنه تجاهل موظفي حماس وهو اتفاق الحد الأدنى من تغير معادلة اسرائيل المفروضة علي غزة  لإدخال الأموال للفقراء والمحتاجين في القطاع الا انه اتفاق تجسيده سيزيد من خنق حماس ماليا   لهذا  فان فرص نجاح الاتفاق محدودة وان قبلت به حماس ستقبل مضطرة.

الان تحاول إسرائيل كسر معادلة الضغط عليها من خلال المقاومة الخشنة على حدود القطاع وانهائها بالرد على كل فعالية للمقاومة هناك بقصف قطاع غزة بقوة وتثبيت معادلة ان أي فعالية على الحدود سنرد عليها بقصف غزة في المقابل فان المقاومة ستواصل ارسال الرسائل الساخنة لإسرائيل   "ان الحدود مع غزة لن تكون هادئة الا إذا قبلت إسرائيل بالسماح بإدخال الأموال القطرية غير منقوصة وسمحت بإعمار غزة وفتحت المعابر دون ربطها باستعادة جثث جنودها باعتبار هذه قضية مختلفة تخضع لمفاوضات منفصلة لصفقة تبادل جديدة".   

[email protected]

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت