يزينون لنا الطريق الى الهاوية

بقلم: رائد موسى

رائد موسى
  •   بقلم د. رائد موسى

ينشط الاعلام الاسرائيلي ومنذ سنوات طويلة بمحاولات توجيه الرأي العام الفلسطيني تجاه ما يريده الاسرائيلي عن طريق بث العشرات من المقالات وتقارير معاهد دراسات ، التي تتناول الشأن الفلسطيني من الزاوية التي يريد توجيه الفلسطيني نحوها ، وهو مدرك بان الاعلام الفلسطيني يتلقف كل ما يبث عن الشأن الفلسطيني الداخلي ، وينشره كأخبار مهمة بالخط العريض ، ويتناولها الكثير من القُراء كأخبار ذات مصدر رصين وغير قابل للتشكيك وذلك بناء على نظرية "عقدة الخواجا" حيث يرى الكثير من العرب بان الأجنبي لا يكذب .
وعلى ما سبق اذا تتبعنا النشاط الاعلامي الاسرائيلي الموجه للفلسطينيين وبمختلف ادواته نراه لا يحيد عن بث فكرتين بشكل ثابت ومستمر ومتكرر بهدف ترسيخهما في ذهن الفلسطيني على انهما حقائق وهما كالتالي: مشروع التسوية السياسية الذي تسير فيه منظمة التحرير الفلسطينية هو مشروع فاشل ومتناقض مع طموحات الشعب الفلسطيني ولن يؤدي الى شيء مفيد للشعب الفلسطيني ، وان السلطة الفلسطينية سلطة فاسدة متمسكة بتنسيق أمني مع اسرائيل لا يخدم تطلعات الشعب الفلسطيني .
والفكرة الثانية: ان فصائل المقاومة المسلحة تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة ومرعبة لإسرائيل وتشكل تهديد وجودي، وكما جاء في أحد تقارير اليوم والمنشور كخبر رئيسي في أحدى وكالات الاعلام الفلسطينية بان حركة حماس باتت "تمثل اليوم القضية الفلسطينية بشكل حقيقي أكثر من السلطة". !!
 هنا نعود لمناقشة الافكار بشكل واقعي وعملي ملموس التسوية السياسية التي تسير عليها منظمة التحرير نرى بوضوح بانها اقامت مؤسسات الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين وقد ارتقت بالمجتمع الفلسطيني صحياً وتعليمياً وعمرانياً وصناعياً، وتجارة وزراعة وسياحة والاقتصاد وأمن وعلاقات دولية ... ونجحت من خلال خطها السياسي بالارتقاء بمكانة الشعب الفلسطيني الدولية لدولة مراقب في الامم المتحدة مما فتح ذلك المجال لدولة فلسطين بالانضمام لمعظم المؤسسات والاتفاقات الدولية واهمها المحكمة الجنائية الدولية وما تسببه من أرق وتهديد بالمحاسبة أو الملاحقة لقادة الاحتلال ، بالإضافة لمكانة فلسطين في اليونسكو ومجلس حقوق الانسان التي جعلت اسرائيل تنسحب غاضبة من تلك المجالس الدولية المهمة في حفظ وصون الحقوق الفلسطينية والتي من ابرزها في القدس والمسجد الاقصى والحرم الابراهيمي ، حيث نجحت دولة فلسطين بانتزاع العشرات من القرارات التي تصون الحقوق من ابرزها قرار اليونسكو بانه ليس لليهود أي صلة بالمسجد الأقصى ، بالإضافة لنجاح دولة فلسطين باستصدار القائمة السوداء للشركات العاملة في المستوطنات والتي وضعت قيود امام أي شركات تفكر بعدم مقاطعة الاستيطان ، وجعل منها من يقرر الانسحاب عن العمل في المستوطنات .
وبالإضافة لما سبق من منجزات فالمقاومة الشعبية لم تتوقف بل ترعاها منظمة التحرير من خلال هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وتستمر منظمة التحرير برعاية أسر الشهداء والجرحى والاسرى وتعويض وأعمار كل ما يهدمه ويدمره الاحتلال بما يحافظ ذلك على جذوة المقاومة والنضال ضد الاحتلال مستمرة .
اسرائيل تدرك جيدا بان الخط السياسي الذي تسير فيه منظمة التحرير بشكل ثابت وهادئ ومستمر سيؤدي بشكل حتمي الى اسقاط الاحتلال واستقلال دولة فلسطين بعاصمتها القدس، وسيجبر اسرائيل على القبول بحل عادل لقضية اللاجئين ، وبنفس الوقت مسار منظمة التحرير ان استمر الاحتلال بالتعنت امامه سيرسخ اسرائيل كنظام تمييز عنصري وحيد في العالم لن يقبله أحد مهما حاول استمالة بعض الانظمة للتعاون والتحالف معه ، وبوادر هذا الرفض بدأت تتجلى بوضوح في عقر دار الحليف الأول والراعي الأساسي لإسرائيل وهي الولايات المتحدة .
 الآن نعود للفكرة الثانية التي تمجد وتضخم من دور فصائل المقاومة المسلحة وعلى رأسها حركة حماس وهنا نتسائل على أي أساس خلص التقرير لأن حماس باتت "تمثل اليوم القضية الفلسطينية بشكل حقيقي أكثر من السلطة" ؟ ، ولماذا يحاول الاعلام الاسرائيلي ترسيخ تلك الفكرة في الرأي العام الفلسطيني ؟ مطالب حماس وبنود تفاهماتها مع اسرائيل ليست سراً مخفي على أحد ، واليوم تتأزم العلاقة بين حماس وحكومة الاحتلال الجديدة لأن الاخيرة ترفض العودة لما كانت عليه الأمور بين حماس وحكومة نتنياهو من تفاهمات تتعلق بضبط الأمن والتهدئة في غزة بمعنى وقف كل أشكال المقاومة من غزة سلمية ومسلحة مقابل دخول المنحة المالية القطرية بشكل مباشر لحماس بالإضافة لتسهيلات تجارية واقتصادية لصالح سلطات حماس في غزة .
فهل هذا هو الذي يمثل القضية الفلسطينية بشكل حقيقي أكثر من مشروع منظمة التحرير الساعي لاستقلال الدولة الفلسطينية على كامل الأرض المحتلة عام 1967 بعاصمتها القدس الشريف مع حل عادل لقضية للاجئين !! لذلك من الواضح ان اسرائيل تسعى من خلال عملية بث اعلامي هادئة ومستمرة ، لجعلنا نحطم انفسنا بأيادينا ، فتشوه في عقولنا أي منجز حقيقي لنا على الأرض ، مقابل تزيين الطريق الذي لن يؤدي بنا الا الى العزل والحصار والتجاهل الدولي والدمار والدماء والتفتت والظلام والتهجير دون أي جدوى .
 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت