- بقلم : صلاح صبحية
لقد تحرّر الأسرى ولم يهربوا كما قيل ويقال ، هم ناضلوا فتحرروا ، هم ليسوا المحررين بل هم المتحررون ، هم وصلوا إلى آخر النفق ليعانقوا شمس الحرية ، فانتصروا بإرادتهم الحرة على عدوهم الصهيوني ، لأنهم منذ أن وجدوا أنفسهم في زنازين الاحتلال أدركوا جيداً أنهم أمام مرحلة نضالية جديدة ، وكيف إذا حكم عليهم الاحتلال بالسجن المؤبد مدى الحياة ، إذا هم في مواجهة يومية مع الاحتلال على مدار الأربع والعشرين ساعة ، وهذا يتطلب تكتكياً جديداً في المواجهة ، الإضراب عن الطعام وسلاحه الأمعاء الخاوية ، وإذا نجح بعض الأسرى في تحرير أنفسهم مجبرين الاحتلال على ذلك ، يساندهم أبناء شعبهم في داخل الوطن وخارجه من خلال الاعتصامات التي يُضغط بها على العدو الصهيوني ،كما يساندهم المجتمع الدولي ضاغطاً على الكيان الصهيوني لتحريرهم .
لم يكن ما أقدم عليه الأسرى مجرد فعل عادي ، بل هو فعل جهادي ونضالي بإسلوب جديد مارسه المناضلون الأسرى بكل سرية تامة ، لأنّ أسلوب الأنفاق للتحرر من الأسر يتطلب من الأسرى حكمة عالية من الثقة بالنفس ، وإرادة قوية وعزيمة لا تلين وإيمان لا يتزعزع بحتمية النصر وتحقيق الهدف ، وبتلك المواصفات التي امتلكها الأسرى كان عليهم الانتقال من مرحلة التأمل والمراقبة إلى مرحلة التخطيط والإعداد ، فقد حددوا الهدف وحددوا الأسلوب وامتلكوا أدوات التنفيذ، كما عززوا الثقة ببعضهم البعض لأنّ ذلك ضروري جداً في مرحلة التنفيذ بحيث أصبحوا جميعاً على قلب رجل واحد ، فالحرية بقرارهم هي الهدف . وقد اقتضى هذا الأسلوب النضالي تحديد مراحل هذا النهج والأسلوب التحرري ، فكانت البداية وحدتهم في مواجهة عدوهم الصهيوني ، وثانياً تحديد الهدف بأنه التحرر من الأسر والوصول إلى الحرية دون وسيط او مفاوض ، لأن الوسيط والمفاوض في هذا الأسلوب هو السرية المطلقة والصمت المطبق في التنفيذ ، ثالثاً التخطيط بشكل يشمل كل مراحل التنفيذ ، وخاصة تحديد الوقت المناسب للتنفيذ داخل الزنزانة بما يضمن سريته المطلقة ، والأهم في ذلك امتلاك أدوات التنفيذ ،
وهنا لا يهمنا أن نعرف ونصرُّ على معرفة هذه الأدوات ، كما يجب تحديد الزمن التقريبي لتنفيذ العمل لكي يدرك الأسرى حجم العمل المنفذ وهذا يفيد في تحفيز نشاطهم اليومي ، والأهم في ذلك كيف يتخلص الأسرى من مخلفات الحفر اليومي وهم يدركون خطورة هذا الأمر ، ويأتي التنفيذ الذي هو مهمة الجميع وبشكل متساو بين أفراد هذه المجموعة النضالية وممن يساعدهم من خارج هذا السجن اللعين .
إن انجاز هدف التحرر يعتبر انجازاً عظيماً في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ، هذا الهدف الذي لم يحتاج إلى مفاوضات مع العدو الصهيوني فكل مراحل التحرر وتوقيتها كانت ملكاً للأسرى وحدهم فقط ، وهذا يعطينا درساً أساسياً في ظل مواجهة ومقاومة الاحتلال بأن عنصر السرية والأمن هو عنصر هام في مواجهة الاحتلال ، فالمقاومة ليست مجرد تصريحات وبناء رؤى مختلفة وإنما هي وحدة الموقف ووحدة التنفيذ ووحدة الهدف ، فهل تشهد الساحة الفلسطينية اليوم وحدة وطنية فلسطينية على قاعدة المقاومة المستمرة ضد الاحتلال ؟
وحفاظاً على سلامة الأسرى الذين حرروا أنفسهم علينا جميعاً مسؤولية كبيرة تجاهم ، فقد كانوا السباقين في التخلص من الاحتلال وبإسلوب أفقد الصهاينة جادة صباههم ، وأمام وحدة مشاعر أبناء الشعب العربي الفلسطيني التي تجلت واضحة على وجوه أبناء شعبنا العربي الفلسطيني، فلنكرس هذه الوحدة شعبياً وعربياً ودولياً ، فقد أصبح الفلسطينيون قاب قوسين أو أدنى من تحطيم المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين .
٢٠٢١/٩/٧ صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت