- بقلم: شاكر فريد حسن
مضى 39عامًا على مجزرة صبرا وشاتيلا، التي نفذتها جماعات وعصابات الكتائب وجيش لبنان الجنوبي تحت اشراف ودعم القوات الاسرائيلية الغازية، بعد دخولها العاصمة اللبنانية بيروت واحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها، وسقط فيها عدد هائل من الشهداء، من الاطفال والنساء والشيوخ، غالبيتهم من الفلسطينيين، وبلغت حصيلتها ما بين 3500الى 5000 شهيدًا.
وقد نفذت هذه المجزرة انتقاماً من الفلسطينيين ورجال المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، الذين صمدوا في وجه آلة الحرب الاسرائيلية إبان العدوان الهمجي الاجرامي الذي شنه حكام اسرائيل على لبنان عام 1982، واستهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتصفية منظمة التحرير الفلسطينية وتبديد حقوق الشعب الفلسطيني العادلة، ومنع اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فضلاً عن تحقيق المشروع الامريكي الاسرائيلي بتحويل لبنان الى دولة تابعة تعتمد على الدرع الاسرائيلي، علاوة على اسقاط النظام السوري المدعوم في حينه من الاتحاد السوفييتي سابقاً. ولكن الصمود البطولي الاسطوري الفلسطيني – الوطني اللبناني أمام الغزاة قلب كل حساباتهم رأساً على عقب وأفشل أهدافهم المبيتة، حيث أخفقت قوى الغزو الاسرائيلي في حسم المعركة عسكرياً، وفشلت في إبادة الثورة الفلسطينية جسداً وتنظيماً وقيادة، وتحولت بيروت الى ستالينغراد البطلة، وغدت رمزاً للصمود والتحدي والمقاومة والشموخ، والمثل الساطع امام العالم والشعوب العربية قاطبة، في أنه بالإمكان قبر ولجم كل معتدٍ وتحطيم أنيابه وتكبيل حركته العدوانية مهما بلغت قوته العسكرية. ولا ريب ان الصمود البطولي الاسطوري الفلسطيني اللبناني في وجه آلة الدمار أثناء حصار بيروت الوطنية، والمقاومة التي أجترحها أبطال الثورة والنضال الفلسطيني قي قلعة الشقيف، وفي صيدا وصور والنبطية، وفي مخيمات البؤس والجوع والشقاء الفلسطينية، هي من أنصع صفحات تاريخ شعبنا الفلسطيني البطولي وانجحها على الساحة السياسية. فببسالته التاريخية المشهودة استطاع شعبنا أن يكسب الى صف حقوقه العادلة المشروعة أغلبية الرأي العام العالمي، وباتت قضية قامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أكثر قضية ملحة يحتضنها العالم.
إن مذابح صبرا وشاتيلا هي من أبشع المجازر في تاريخ البشرية، وقد استهدفت بالأساس بث الرعب في نفوس الفلسطينيين والتأثير على معنوياتهم ودفعهم للهجرة والرحيل ومغادرة الاراضي اللبنانية وكذلك تأجيج الفتنة الطائفية والمذهبية الداخلية، واستكمال عمليات الغزو والاجتياح العسكري ضد الوجود الفلسطيني في لبنان عدا عن تأليب أبناء المخيمات الفلسطينية ضد قيادتهم الشرعية والتاريخية بحجة ترك لبنان دون حمايتهم.
ما حدث في صبرا وشاتيلا لم يكن مجرد صور عابرة في ارشيف تاريخ شعبنا النضالي والكفاحي، ولم يكن أبدًا مجرد حدث عابر لمغامرة جنونية دموية قامت بتنفيذها جحافل الغزو وعملائهم الكتائبيين والجيش اللبناني الجنوبي، وإنما هي جريمة نكراء بحق شعبنا وضد الانسانية، لأجل اجهاض النضال التحرري الاستقلالي الفلسطيني، وتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
دم شهداء صبرا وشاتيلا لم ولن يذهب هدرًا، فشعبنا لم ولن يركع، وهو متمسك، وأكثر من أي وقت مضى، بنضاله الوطني الشجاع وحقوقه الوطنية المشروعة، ولن يتنازل عن الثوابت. ولا شك ان هذه المجزرة تعكس مضمون وابقاء الصرخة، التي أطلقها شاعر الشعب الراحل سالم جبران بعد مجزرة كفر قاسم، حين هتف شعرًا قائلًا:
الدم لم يجف
والصرخة لا تزال
تمزق الضمير
وفي فمها أكثر من سؤال
والحية الرقطاء ... لا تزال عطشى الى الدماء..
حقًا، ان هذه الحية لا زالت عطشى الى الدماء، وهي تطارد وتلاحق الفلسطيني في كل مكان، وترتكب بحقه المجازر والمذابح.
وأخيرًا، فإن شعبنا لن ينسى ولن يغفر لمرتكبي هذه المجزرة الرهيبة، ورغم مرور هذه السنوات الطوال عليها، فإن دماء الشهداء والضحايا تطارد المجرمين بانتظار محاكمة المسؤولين وتقديمهم الى المحكمة الدولية بارتكابهم جرائم حرب ضد المدنيين الأبرياء.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت