الجوع في غزة والشبع في السودان..

بقلم: أشرف صالح

اشرف صالح

 

من البديهي أن يكون لأي حزب سياسي مشاريعه الخاصة الى جانب التمويل والدعم الخارجي , وذلك خوفاً من غدر الزمان , ولكن من العدل أن يكون لجياع غزة نصيب من هذه الأموال الطائلة , بدلاً من أن تذهب كالزبد مع أول موجة في بحر السياسة العميق , والذي لا يعرف عدو من صديق , فالسودان اليوم ليس كالسودان في الأمس , ولكن الجوع في غزة لا ينتقل الى مكان آخر , مثلما سينتقل الشبع من السودان الى أي دولة أخرى .

أي شخص كان مطلع على أمور حماس السرية  كان يتوقع أن تصادر السودان أموال ومشاريع حماس بعد تطبيعها مع إسرائيل , وهذا كان سيحدث مع أي فصيل فلسطيني له علاقة مع السودان القديم , سواء علاقة بزنز أو سياسة أو حتى مجرد صداقة , ولكن ليس كل شخص كان مطلع على علاقة البزنز بين حماس وأي دولة عربية أو إقليمية , لأن هذه  العلاقات محذورة تماماً عن الرأي العام , وبما أن موقف السودان من حماس أصبح كموقف تركيا حديثاً وسوريا بعد الثورة وغيرها من الدول التي ترى أن حماس ليس الملعب المناسب لها في هذه الفترة , تمت ترجمة هذا الموقف بمصادرة مشاريع حماس في السودان , وهذا كان أول مفتاح من مفاتيح أبواب حماس المغلقة يقع في يد الرأي العام , فاليوم الشارع الفلسطيني وتحديداً الغزي بات يعرف هذه المعلومه الإقتصادية , وهي طريقة حماس في البزنز , وهذه الطريقة ذكية ولكنها لا تعود بالفائدة إلا لأصحابها , أصحابها اللذين كتبوا رواية الجوع في غزة والشبع في السودان .

وفي هذه المناسبة سأكتب القليل من ما أعرفه عن حركة حماس وفلسفتها الإقتصادية , كوني أعيش في غزة , وكون مهنتي تتطلب مني أن أعرف تركيبة الأحزاب السياسية حتى لو كانت مجرد رؤوس أقلام في مجلداتها  الباطنية , فحركة حماس تصدر الصورة التقليدية للرأي العام بصفتها حكومة أمر واقع , وهذه الصورة تتمثل في موازنة الضرائب الداخلية لغزة , والمساعدات العلنية التي تأتي بإسم جياع غزة , وخاصة المساعدات القطرية , وبالطبع هذه الضرائب والمساعدات تغطي رواتب موظفوا حماس في غزة "بنسبة نصف راتب" كي يظهر للرأي العام أن حماس لا تملك المال بدليل أن موظفوها لا يتقاضون سوا نصف راتب  , وبهذه الطريقة تجد حماس لها مبرراً للتصرف بأراضي الدولة وتوزيعها على موظفوها بحجة أن ضرائب غزة لا تكفي للرواتب , وهكذا تكتمل المنظومة الإقتصادية لحماس في غزة "نصف راتب للموظفين + قطعة أرض كمستحقات" وما يتبقى من الضرائب والمساعدات العلنية يتحول الى الخزينة العامة لحماس , والتي تتكون من الضرائب والمساعدات الداخلية والخارجية , والمشاريع الداخلية والخارجية , وضف على ذلك الإشتراكات التنظيمية التي يدفعا كل عنصر ينتمي بشكل رسمي في صفوف حماس .

أما بالنسبة لنفي حماس بأن لها أصول ومشاريع في السودان , فهذا نفي فضفاض وحمال لأوجه كثيرة , وفيه تلاعب لغوي قد يفهمه البعض على أنه حقيقة , فحماس قالت أنه لا يوجد أصول ومشاريع بإسمها في السودان , وهذا بالطبع كلام سليم من الناحية القانونية , لأن الأشخاص اللذين يديرون مشاريع حماس في السودان هم رجال أعمال يعملون لصالح حماس كبزنز , وليس شرطاً أن يكونون ضمن صفوف حماس , وبالطبع هذه الطريقة تنطبق على كل مشاريع حماس سواء في غزة أو في أي دولة عربية , فحماس تملك عقلية إقتصادية جبارة .

حركة حماس تمتلك أموال كثيرة ومتعددة المصادر , منها مصادر علنية ومنها مصادر سرية , وهذا أمر بديهي لأي حزب يعتبر ثاني أكبر الأحزاب السياسية المنافسة على الحكم والسلطة بعد حركة فتح , فحماس تعلم جيداً أن دوام الحال من المحال , فربما تحصل إنتخابات تشريعية ورئاسية غداً أو بعد عشرين عاماً , وتجد نفسها في المعارضة بدلاً من الحكم , وربما يقرر الإحتلال إشتياح غزة مثلاً , وربما تحدث ثورة في غزة مثلاً , وربما وربما وربما , فأعتقد أن حماس تعمل ضمن إستراتيجية إقتصادية تحسباً لأي ظرف طارئ ممن ذكرت أعلاه , ولكن السؤال المهم وهو , أين نصيب جياع غزة وخاصة اللذين يدفعون الضرائب لحكومة غزة ؟ واين نصيب جياع غزة من المساعدات التي تأتي بإسمهم ؟ أليس من حق الجياع أن يأكلوا !! فهم يعلمون جيداً أن بطاقاتهم الشخصية وصورهم العائلية تلف بلدان العالم  من أجل جميع الأموال بإسمهم .

كاتب ومحلل سايسي -  فلسطين - غزة

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت