- د.احمد لطفي شاهين
خلال الايام الماضية عشنا كلنا أجواء الفرح عندما انتصرت ارادة ستة معتقلين فلسطينيين على دولة الاحتلال الصهيوني بمعلقة ... عندما تنسموا رائحة القدس فور خروجهم من نفق الحرية حيث شعرنا كلنا اننا احرار وشعرنا معهم بنشوة الانتصار .. واستمر الامل يرفرف في ارواحنا وكلنا نريد ان يتمكن هؤلاء الستة من الاختفاء والنجاة بأنفسهم .. لكن سرعان ما تحطم الامل وحصلت النكسة النفسية التي اوجعت قلوبنا عندما تمكن الاحتلال الصهيوني من اعتقالهم بشكل متتالي .. ومازاد من قهرنا انهم تعرضوا للضرب والتعذيب .. وهذا ليس امرا جديدا على احتلال جبان تخترق أمنه ملعقة وانما هؤلاء ابطال نريد لهم الحرية والعزة والانتصار بكبرياء على السجان .. ان الذي يسجن اكثر من احد عشر الف معتقل فلسطيني هو المسجون الحقيقي لانه يقف على ابواب وابراج المعتقلات محروماً من النوم والراحة حوفاً من معلقل ... بينما ابناء ونساء واطفال فلسطين المعتقلين هم الاحرار .. يحلقون في سماء الوجود ..ينشدون كلمات أنشودة الحياة والخلاص ، ويرددون التغريدات الإنسانية ، دون نرجسية أو انانية بقلوب صافية وارادة حديدية ، رغم كل الاهات و الوجع الشديد .
انهم داخل السجون باجسادهم لكن أرواحهم ترفرف حول القدس وفي سماء الارض المحتلة مثل النسور المحلقة في سماء الجمال الفلسطيني ، بقلوب قوية مملوءة بالحب للشعب و الوطن والقضية الفلسطينية، تملأهم الحيوية والعناد والتحدي دون أن يعتريهم الغرور ..
يعاقبهم الاحتلال يومياً بالتعذيب والوقوف تحت الشمس لتأكل لحمهم لكنهم يعاندون الشمس ويتنسمون الامل من شعاعها ولا يتوقفون عن محاولات الخروج من السجون من تحت الارض او من فوق الارض .. بمعلقة او بإبرة ..او باضراب مفتوح عن الطعام .. ارواحهم ترفرف في السماء صبورة متعلقة بالله .. و قلوبهم مقبلة على السعادة.. دائما تتدفق الحياة في نظرات عيونهم التي تنساب بين تيارات العشق الوطني انسيابا ، فيُقبلون على التمرد بكل عنفوان ، يعزفون اناشيد الثورة بعبارات متوارثة منذ عام النكبة 1948 ، و يوقظون القلوب باشارات النصر اثناء المحاكمة .. انهم مثل الشموع المضيئة بكل التفاؤل والإيجابية ، انهم يجسدون المعنى الحقيقي لمن يشتعل ليضيء الطريق للاخرين ..
و قد راينا كلنا تلك القلوب الرقيقة التي نشعر انها كادت أن تكون اقسى من الحديد بالعناد والصبر والتحدي والامل ... قلوب قد نظن انها أوشكت أن تموت بين متاهات النسيان و تضيع بين سطور النكران ، لكنها قلوب تحلم بعشق جديد تريد الحرية في ملكوت الوجود ، تريد كلمات الامل التي ننثرها بين سطور عبراتنا واوجاعنا ... انهم نسور فلسطين يحلقون في سماء الكتابة ويبنون قصور الادب الثوري المقاوم فى دنيا الحرية الابدية و العشق الأزلي للوطن في دروب السلوك التحرري ، .. ولسان حالهم يقول:
الحق يؤخذ عنوةً لا بالوعود ولا المزاعم
فالأرض أرضي ما حييت ودونها قطع الجماجم
مقدار شبر لا نضيّع .. ولا نبالي بالخواتم"
فالأرض ليست للرهان ولا تساوَم بالدراهم
من كان يطمح للسلام مع العـ.ـدو تراه واهم...
لقد راينا الشمس في أعينهم.. رأينا القمر وقت البدور في ابتسامتهم.. راينا السماء تغضب غضبا شديداً لحظة اعتقالهم فامطرت غضباً عسى ان تغسل ذنوب تقصيرنا بحقهم، اننا نشعر اننا خذلناهم بقصد او دون قصد ان لم نكن خذلنا انفسنا ... هؤلاء المعتقلين الابطال هم اخر الرجال في هذا الزمان يحملون رسالة متجددة مفادها انه لن يضيع الحق الفلسطيني ابداً .. ولن نتراجع عن محاولات كسر ارادة السجان الصهيوني نعم ، رسالتهم عميقة لكل انسان ، مفادها .. تذكروا أن حياتكم امانة و رسالة خالدة وإن موتكم القريب البعيد محطة من محطات الحياة التي لن تكون خالدة الا بالبطولة والشرف ، فاكتبوا تاريخكم مثلنا بمداد من دماء عروقكم ، لا تعترفوا بالخذلان و لا تستصيغوا مرارة الذل .. تمردوا تمردوا فلن تخسروا شيئاً.. الا حياتكم البائسة، .. انه لا فرق بين حياتكم وموتكم إلا الحرية والسمو و الاعتزاز ، والكبرياء .. كونوا احرارا حتى داخل المعتقلات .. فإن ذهبت حريتكم فانتم موتى حتى وان عشتم في قصور..
ان الحرية اثمن من الخبز ولا قيمة للحياة بدون الحرية ان رسالة هؤلاء الستة الابطال تفرض علينا جميعاُ ان يكون المعتقلين الفلسطينين جميعاً في أولويات حياتنا ونضالنا وكفاحنا على كل المستويات.. يجب ان نتذكرهم كل لحظة ونذكرهم في دعائنا وصلواتنا... يجب ان يخرجوا جميعاً بلا استثناء ويجب ان نستثمر اي فرصة او موقف للحديث عنهم ونشر قضيتهم واثارة الراي العام العربي والدولي لمصلحتهم.. يجب علينا ان نترجم كل المقالات والمنشورات التي تخصهم الى كل اللغات ليعلم العالم كله بمدى عذاباتهم ومدى صبرهم ومدى شوق الامهات لابنائهم المعتقلين الابطال وان الثورة الفلسطينية لن تتوقف ولن تنتهي الا بالتحرير الكامل للارض والانسان .
ختاما .. اختم مقالي بهذه الأبيات التي لا اعرف كاتبها لكنه بلا شك فلسطيني مخلص عاش تجربة السجن والقهر والتعذيب ولايزال يملك الامل بالحرية:
أَنَا يَا نَاصِر الْأَسْرَى فِلَسْطِينِي
فَلَا تَسْأَلْنِ عَنْ حِزْبِي وَعَن دِينِي
قُيُود السِّجْن قَد أَدَمْت عُرُوق يَدَي
وَقَيدُ خلافِكم فِي الرُّوحِ يدميني
أَنَا أَمْضِي رَبِيع اﻟﻌﻤﺮ فِي ﺳِﺠﻨﻲ
وَحُبّ الْأَرْض يَجْرِي فِي شراييني
فِلَسْطِينِي وَأَيّ كَان تَنْظِيمِي
أَنَا كُوفِيَّة الزَّيْتُونِ ﻭﺍﻟﺘﻴﻦِ
هُنَا أَمْضِي سِنِين الْعُمْر مُنْفَرِداً
بِلَا أَم وَلَا أُخْتٍ تسليني
وَاقْبِض جَمْرَة الْأَقْصَى بِكَفّ يَدَي
وَمَن إلْأَك يَا أَقْصَى يُواسِينِي ؟
هُنَا السَّجَّان يعرفني ويصرخ بِي
حَمَاسا كُنْت أَم فَتْحًا. فِلَسْطِينِي
وَصَوْت سياطه بَلَغَت مسامعكم
وَكَان الصَّمْتَ فِي الأعْمَاق يُؤْذِينِي
وَصَوْت الْقُدْس إذ ﺻﺮﺧﺖ تناشدني
تَلاَشَى الْقَوْمُ مِنْ حَوْلِي أغيثوني
أكرسي بِلَا سَاق ﻳﻔﺮقكم ؟
تَرَى لَوْ مِتّ هَل تأتو ﻟﺘﺄﺑﻴﻨﻲ
انا فى القبو مشروعٌ لتضحيةٍ
وانتم تبتغوا جمع الملايينِ؟
و بيتي صار اطلالاً ممزقةً
ويعرف قصرك ..الروسي والصيني
كفرت بكل تنظيم تجاوزني
وصار اليوم تنظيمي فلسطيني
فلسطيني أرابط فوقها جبلاً
بأشجاري وأحجاري وزيتوني
سالقى الله رغم الجرح..
منتصراً وما من قوةٍ في الأرض.. تُثنيني .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت