الأبطال يستشهدون والجموع تصفق

بقلم: عدنان الصباح

عدنان الصباح
  •  بقلم عدنان الصباح

تحت جنح الظلام تتسلل قوات الاحتلال الاسرائيلي الى مدننا وقرانا فيقتلون ويجرحون وبخطفون خلال وقت قصير ثم يغادروا من حيث اتوا وفي احسن الاحوال يحملون معهم اصابة او اثنتان من بين جنودهم بينما ننشغل نحن بعرس الشهيد وبيت العزاء والملصقات الجاهزة وصور الشهيد على مواقع التوال الاجتماعي وكلمات العزاء التي لا حدود لها ولا يستمر الامر اكثر من ثلاثة ايام او اقل لننشغل بشهيد جديد وصور جديدة ومنشورات جديدة ونعزي انفسنا ونغني للشهيد وكان شيئا لم يحدث.
 الأخطر من ذلك غياب الشعور بالفقد او الحزن او الالم العلني اضعف الايمان لفقدان شباب في مقتبل العمر يسقطون وحيدين في مواجهة غير متكافئة بين شاب وحيد مع بندقيته وجيش جرار بكل امكانياته المعروفة ولا يجد شهيدنا الا بعد ان يغمض عينيه ويغيب الجموع تلتف من حوله والحناجر الفارغة تهتف باسمه ورسميين يهددون بانتقام لم يأت يوما حتى اللحظة.
 عشرون جنديا احتلاليا يقتحمون مدينة باسرها بآلافها فيختفي الجميع في منازلهم ويخرج البطل وحيدا ليدافع عنهم بدمه ولحمه الحي فيصبح صيدا سهلا لقوات الاحتلال حين يجدونه في مواجهتهم مكشوفا من أي حصن وخصوصا حصن ناسه ومع ان هذا الفعل يتكرر بشكل شبه يومي الا ان احدا دون ان يحاول احد استخلاص العبر او توجيه الارشادات حتى او التفكير بالفعل المقاوم حتى نتمكن من حماية ابناءنا وادامة كفاحهم لأطول فترة ممكنة.
 الشواهد كثيرة فهي لا تعد ولا تحصى وهي لم تشمل فقط الشهداء بل ان ابطال النفق لم يجدوا القدرة على الاختباء بين ناسهم في عرض فلسطين وطولها وعلى مدى الايام التي تمكن الابطال من الحفاظ على حريتهم فيها اعتمدوا فقط على قدراتهم الذاتية وحين احتاجوا للمساعدة وجدوا انفسهم في قبضة الاحتلال.
 ببساطة ينام كل المصفقين ويتركون الابطال لمصيرهم وبكل بساطة تتمكن قوة معادية قوامها في احسن الاحوال مائة شخص بعدة عربات وعدة بنادق من اختراق مدينة يقطنها الالاف وبها اعداد كبيرة من المسلحين وتنفذ هذه القوة مهمتها بنجاح وعادة ما تغتدر دون اية اصابات علما بان هذه القوة وغيرها ما كانت لتتمكن من انجاز مهمتها لو ان الالاف بدوا بالطرق بالملاعق فقط على قضبان شبابيكهم وابواب بيوتهم حتى ولو لم يخرجوا للشوارع وفي هذه الحالة كان جنود القوة سيصبحون اسرى بين ايدي الناس بدون سلاح ولن ينفعهم سلاحهم مع الالاف التي ستحيط بهم من كل جهة.
تلك هي الارادة الشعبية الغائبة وتلك هي النافذة الوحيدة التي يقفز منها الاحتلال لقاع بيوتنا فيفعل ما يشاء ويغادر وقت يشاء والحناجر والاكف التي كنا بحاجة لها ليلا لتحمي الشهيد نجدها صارخة وعملاقة وقوية في جنازته والرصاص الذي غاب عن حمايته حضر بكل قوة لوداعه وبهذه الطريقة فان الاحتلال سيواصل النجاح وحصد ارواح ابطالنا الواحد تلو الاخر وكل ما نفعه هو التعداد والمنفخة الفارغة حين يغيب الاحتلال لتختفي كل هذه المرجلات الفارغة حين يحضر.
المصيبة هذه لا يتحملها قطعا جموع الشبان الهاتفين والغاضبين والذين ننتقدهم صبح مساء بل ان النقد الحقيقي يجب ان توجه سهامه للقوى والفصائل وقياداتها التي امتهنت صناعة البيانات والتنديد والاستنكار والتهديد في احسن الاحوال وعادة فان البيانات الاكثر كفاحية ونبرة مقاومة ما تصدر من غزة بينما تكون البيانات الصادرة في الضفة الغربية اكثر نعومة ومصاغة بلغة دبلوماسية الى حد بعيد في حين ان الاحتلال يستخدم سلاحه لقتل ابناءنا علنا وأمام عيوننا واستغلالا لعجزنا الرسمي الذي اردناه نحن ان يكون وكبلنا ايدينا وايدي شعبنا به الى حد بعيد.
ان المطلوب التوقف عن التصفيق لأبطالنا يموتون تحت جنح الليل فرادى بل السعي لحمايتهم وتدريبهم وتمكينهم من الصمود في وجه الاحتلال وقواته والوقوف الى جانبهم وعدم الاكتفاء بتبني جنازاتهم والا فان ذلك يعني بكل بساطة مواصلة فقدان الابطال الواحد تلو الآخر وتفريخ المصفقين اكثر فاكثر وهو ما يحتاج اليه عدونا اكثر من أي شيء آخر ان يواصل القتل يوميا ونواصل نحن التنديد يوميا ولو كان ذلك التنديد يحمل لغة الثأر والوعيد.
 نحن بحاجة لمقاومة ذكية جماعية موحدة قادرة على الصمود والمواصلة أكثر فأكثر وانهاك العدو اكثر فاكثر وما دون ذلك سيعني مواصلة تناقص مخزون الابطال الافراد الذين يبدون الاستعداد دوما للصمود والمقاومة والتضحية لكن عدم مراكمة التجارب من قبل هيئة اركان حقيقية للمقاومة وغياب المشاركة الشعبية الرافدة والحاكية للأبطال سيجعل من كفاحنا مسلسل من الانتكاسات ومسلسل من وداع الشهداء بالزغاريد والهتافات يقابلها مسلسل ابشع من نجاح الاحتلال في ترويضنا وتحويلنا الى ابواق للنفخ لا علاقة لنا بفعل المقاومة تدريجيا ويؤصل الفكرة القائلة باننا غير قادرين على تحقيق النصر او مواصلة فعل النصر ان انجزناه مرة هنا ومرة هناك وحكايات الابطال الذين اسروا او استشهدوا او جرحوا اثناء المقاومة لم تكن فشلا لهم بل فشل حقيقي للقيادة وفصائلها الغائبة والتي تعتاش على بطولاتهم ودمهم لا اكثر ولا اقل.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت