قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، زياد النخالة، إن "أبناء فلسطين يدافعون عن مقدسات الأمة ويفدونها بالأرواح ويسطرون أروع ملحمة تاريخية تسجل أسمى معاني البطولة"، مبينا أن القدس هي عنوان وحدة وعزة الأمة.
جاء ذلك في كلمة النخالة خلال ملتقى صلاح الدين الأيوبي الثالث، يوم السبت، حيث أوضح أن "الملتقى ينعقد بينما القدس أسيرة في أيدي أعداء الله وأعداء الأمة، والمسجد الأقصى مستهدف بالتهويد ومشاريع التقاسم الزماني والمكاني، وحتى بالتدمير، والمقدسيون يعانون كل صنوف القمع والتنكيل والأسر، وأبناء فلسطين يدافعون عن مقدسات الأمة، ويفتدونها بالأرواح، في أروع ملحمة تاريخية تسجل أسمى معاني البطولة والفداء والتمسك بالأرض والمقدسات، دفاعًا عن كرامة الأمة ودينها."
وقال النخالة:" تستحق ذكرى تحرير القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي أن نقف عندها ونستخلص منها العبر، لمواجهة المشروع الغربي المتجدد الذي يستهدف أمتنا العربية والإسلامية، منذ غزو نابليون لمصر، وخروجه مهزومًا بعدما انكسر جيشه على أسوار عكا" ، مبينا أن "معركة تحرير بيت المقدس التي خاضها القائد صلاح الدين الأيوبي لا يمكن اختصارها في معركة حطين المجيدة وحدها، بل سبقها إعداد وتجهيز وإشغال ووضع خطط على مستوى العالم العربي والإسلامي، تستحق أن تدرس كأنموذج ناجح لتحرير القدس مرة أخرى."
وزاد بالقول: "لا شك أن ملتقاكم هذا سيكون غنيًّا بدراسة مختلف جوانب تجربة القائد صلاح الدين الأيوبي، وسيستلهم منها الدروس والعبر المفيدة، لكي تكون معينًا لنا، ولكل من لا يزال يتمسك بالقدس وفلسطين في هذه الأمة".
وتحدث النخالة عن "حالة التشرذم والانقسام والتقاتل والخلاف التي كانت تعيشها الأمة قبل تحرير بيت المقدس، ما أغرى أعداءها من الفرنجة الصليبيين بغزوها وانتزاع بيت المقدس، من بين أيديها"، مضيفا: "امتد الاحتلال الصليبي من البوسفور شمالاً إلى بور سعيد جنوبًا، مخضعًا كل الساحل في بلاد الشام، ومع ذلك نجح القائد صلاح الدين في توحيد الأمة، وتصويب الاتجاه إلى القبلة الأولى، وهذا يمنحنا الأمل والثقة بأنه يمكن التغلب على مفردات الهزيمة في أمتنا، وأنه يمكن إعادة توحيد جهد الأمة وجهادها نحو القدس، فالقدس تجمعنا، وهي عنوان وحدتنا وعزة أمتنا".
وأشار الأمين العام للجهاد الإسلامي، إلى أن القائد صلاح الدين مهد لتحرير بيت المقدس، مستفيدًا من المدارس النظامية، والتي أعدّت جيلاً جديدًا من الشباب المدرك لقضيته، ولدوره في تحرير الأمة ومواجهة الغزاة، بكل الإعداد النفسي والفكري والعسكري".
وتابع قائلا:" كما اعتمد صلاح الدين على العلماء المجاهدين، وأعاد إلى المساجد دورها في حياة المسلمين، وأعاد العمل بنظام القضاء العادل بين الناس، وأحيا سنّة الوقف بين المسلمين، ليكون الجميع شركاء في النصر، وليصبح التحرير مشروع أمة بأكملها".
وأوضح النخالة أن" صلاح الدين الأيوبي عمل على تحقيق تنمية قادرة على تمويل المجهود الحربي، وأصلح الأوضاع الاقتصادية والمالية في مصر والسودان، ومنع الاحتكار، وشجّع على العلوم، واستفاد من ذلك لتطوير القدرات العسكرية، وتجييش الجيوش، وسعى إلى توحيد الأمة، وتجاوز النزاعات والفتن المذهبية، ونشر روح التسامح بين أفرادها، في وقت كان لا يهادن فيه المتخاذلين، والمتعاونين مع الأعداء، وساعده في ذلك علماء ربانيون أفذاذ، عملوا على تحقيق الوحدة الإسلامية."
ولفت إلى أن" صلاح الدين حاصر الاحتلال الصليبي، من خلال الحملات التي خاضها في الجزيرة العربية، وصولاً إلى اليمن، وجهّز جبهة نهر الأردن، وأعاد توحيد وادي النيل ووادي الفرات، ليكون الإطباق على الغزاة الصليبيين محكمًا، ويمنع عنهم المدد والعون."
واستطرد النخالة: رغم ما استغرقه ذلك الإعداد والتخطيط المحكم من جهد ووقت، لكن القائد صلاح الدين الأيوبي لم يتخل يومًا عن الاشتباك المسلح مع الغزاة المحتلين، فاستمرت المناوشات على جبهة مصر في دمياط، ولم يهادن الغزاة يومًا، ولم يسعَ إلى التفاوض معهم".
وأكد أن" عظمة ما قام به القائد صلاح الدين الأيوبي هو أنه خاض الصراع على جبهتين، الجبهة الداخلية، وكانت استراتيجيته في ذلك الوحدة والتسامح، وتجميع الصفوف باتجاه هدف واحد جامع، والجبهة الخارجية، واستراتيجيته في ذلك عدم المهادنة، ومواصلة القتال، وعدم موالاة الظالمين أو عملائهم"، مشيرا إلى "أن هذه الإستراتيجية أثمرت نصرًا مؤزرًا في حطين، ودخول بيت المقدس، فكان القائد صلاح الدين بحق مجددًا وموحدًا ومحررًا، واستحق أن يخلد اسمه في التاريخ."
وقال النخالة: "ندرك تمامًا الفارق التاريخي بين الأمس واليوم وندرك أن الهجمة الغربية المعاصرة ضد أمتنا أشد تعقيدًا بكثير من أيام الغزو الصليبي"، لافتا إلى أن "الهجمة الغربية الحالية ضد أمتنا التي وصلت إلى ذروتها بزرع الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، خدمة لمشروع الهيمنة والاستعمار والسيطرة، يدعمها اليوم نظام عالمي يمسك بمفاصل الاقتصاد والسياسة، ويمتلك أعتى منظومة عسكرية في التاريخ، واستطاع تفتيت الأمة وتجزئة الوطن العربي والإسلامي، وزرع التغريب من خلال تدمير منظومات التعليم والوقف والقضاء، وأرغمنا على تبني منظومات لا تمثلنا، ولا تنسجم مع قيمنا ومبادئنا وديننا الحنيف."
واستدرك بالقول: "ومع ذلك نقول، إن تجربة القائد صلاح الدين ما زالت تصلح في خطوطها العامة كاستراتيجية يمكن البناء عليها، لصياغة مشروع تحرير معاصر، يقوم على أساس توحيد الجهد والجهود باتجاه بيت المقدس، ومقاومة التغريب الذي فرض على أمتنا في نواحي حياتنا كافة، وبناء جيل مسلم مجاهد، واستعادة العلماء لدورهم الرباني في هداية الأمة وقيادتها، وإعادة توحيد جبهات الأمة ضد المحتل، وتحقيق تنمية حقيقية على قاعدة المقاومة، لا على قاعدة الارتهان لنظام عالمي ظالم ومستكبر، وفي الوقت ذاته، استمرار مشاغلة العدو واستنزافه، وعدم الرضوخ له، أو التهادن معه، أو التفاوض معه، أو التسليم له، تحت أي ظرف من الظروف" مؤكدا أن "ذلك كله ممكن، إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية، والرؤية الصائبة، والإخلاص."
وزاد النخالة يقول: "إننا في حركة الجهاد الإسلامي، ومنذ انطلاقة حركتنا، نؤمن أن تحرير فلسطين مشروع أمة، لا مشروع فصيل أو شعب بمفرده، وأن الأمة تحتاج إلى نهضة حقيقية لإنجاز مشروع التحرير والتحرر من الهيمنة الغربية، واستعادة ثقتها بمنظوماتها الفكرية والعلمية وقدراتها الذاتية"."
وشدد على أن" ما تقوم به قوى المقاومة في فلسطين، هو إدامة الاشتباك مع العدو الصهيوني، بانتظار أن تستعيد الأمة نهضتها ووحدتها، على قاعدة الإسلام العظيم، والجهاد في سبيل الله، لتحرير القدس من أعدائها، وفتح فصل جديد من فصول الرسالة الإسلامية."
وأردف الأمين العام للجهاد:" إننا على ثقة كاملة بأن المواجهات التي خاضتها قوى المقاومة وتخوضها ضد الكيان الغاصب، واستمرار شعبنا الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، من شأنه أن يجدد في الأمة روح الجهاد والتحرير، وهي ترى شباب فلسطين يسطرون إبداعات في اختراق المنظومات العسكرية والأمنية والاستخبارية الصهيونية، رغم قلة النصير".
وتساءل النخالة: كيف سيكون الحال لو أن الأمة بأكملها تقف وراءهم، وتدعمهم، وتقوم بواجبها في تحرير مقدساتها؟".