مجدداً، عاد الأسرى الستة الذين تمكنوا من انتزاع حريتهم من سجن "جلبوع" للقاء، ولأول مرة منذ إعادة اعتقالهم شوهدوا سوية.
وبوجوه لم تفارقها البسمات، تبادلوا القبل والتحيات بأياديهم التي لم يثقلها التكبيل بالأصفاد.
اللقاء لم يكن وجاهيا، إلا أنه وللمرة الأولى رأى الأسرى الستة وجوه بعضهم عبر شاشات المحاكم، منذ أن انتزعوا حريتهم فجر السادس من أيلول/ سبتمبر الماضي.
فيديو قصير من دقيقة واحدة، التقط من قاعة محكمة الاحتلال في الناصرة، كان كفيلاً بتبديد جو الإحباط الذي خيّم منذ إعادة اعتقال الأسرى الستة، وبث روح الأمل من جديد في نفوس الملايين من الفلسطينيين ومناصري الحرية حول العالم.
لقاء جمع الأسرى ببعضهم ولو من خلال النقل التلفزيوني، كان بطلب من المحامين، الذين أكدوا أن من تصفهم إسرائيل بـ"المتهمين"، يواجهون ملفاً واحداً، الأمر الذي يحتم ظهورهم بشكل متزامن في الجلسة ذاتها، إن لم يكن وجاهياً فمن خلال الإنترنت.
ويقول محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين خالد محاجنة، "حين دخلنا إلى قاعة المحكمة، طالبنا بعرض الأسرى جميعهم على شاشة واحدة وليس كل أسير على حدة كما حدث في المحاكمات السابقة، لأن لائحة الاتهام التي وجهت لهم واحدة".
تأخر انعقاد الجلسة بعض الوقت، لإمهال المفاوضات بين طواقم الدفاع والمحكمة والنيابة الإسرائيليتين حول ظهور الأسرى المعاد اعتقالهم في شاشة، إلى أن أمرت هيئة المحكمة إدارة السجون و"الشاباك" بذلك.
ويشير محاجنة، إلى أن تنفيذ أمر المحكمة بعرض الأسرى في شاشة واحدة، وتمكينهم من رؤية بعضهم البعض استوجب بعض الوقت، خاصة أن كل أسير يتواجد في عزل مختلف وتم تفريقهم على سجون بعيدة.
ويضيف: "بالفعل، كانت فرصة لطيفة أن الأسرى شاهدوا بعضهم البعض، كانوا بالأساس يرفعون علامة النصر يتبادلون التحيات والابتسامات، وذلك فيه الكثير من الرسائل، أهمها أن المعنويات في مكانها عالية رغم إعادة اعتقالهم، وأنهم أبناء قضية واحدة ومجموعة موحدة.. وأن الجو العام الإيجابي خلال المحكمة فاق سوداوية الأوضاع التي يعايشها هؤلاء الأسرى منذ إعادة اعتقالهم، مروراً بالتحقيق لدى مخابرات الاحتلال ثم نقلهم إلى العزل في سجون مختلفة، وكان واضحاً عدم استسلامهم لمحاولات اغتيال عزيمتهم وروحهم المعنوية".
وبسبب العقوبات التي فرضتها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى الستة بعد عملية انتزاع حريتهم، حيث تم وضعهم على قائمة الـ"خطر" لاحتمالية تمكنهم من الهرب؛ تقرر الاستمرار في تكبيلهم حتى خلال العرض على المحكمة، وزج كل منهم في زنزانة انفرادية في أقسام العزل، وتفريقهم على عدة سجون، وإخضاعهم للمراقبة على مدار الساعة وبالكاميرات حتى في المرحاض ووقت الاستحمام، وإقامة محاكم "تأديبية" لهم، ومنعهم من الخروج للساحة أو شراء الحاجيات من "الكانتينا"، وسحب كل الأدوات الكهربائية كالتلفاز والراديو وسخان الماء.
ويضيف: "الأسرى أجمعوا خلال التحقيق معهم بعد إعادة اعتقالهم على أن انسداد آفاق الحرية بعد السنوات الطويلة التي قضوها في السجون، وغياب أمل خروجهم من المعتقلات دون أي إجراء استثنائي كالهروب أو ضمن صفقة تبادل، لذلك اتخذوا القرار الجماعي بالخروج من سجن (جلبوع) عبر النفق".
الأسير المحرر عصمت منصور، اعتبر أن الفيديو الذي انتشر للأسرى الستة وهم يتبادلون التحية وبعض الإشارات والابتسامات، يعكس أنهم بدأوا يدركون أبعاد قصة تمكنهم من انتزاع الحرية من سجن "جلبوع"، لذلك حرصوا في ظهورهم الأخير على إرسال إشارات تدلل على علو معنوياتهم.
ويقول: "بعد حادثة الهروب، ربما لم يكونوا قد أدركوا أهمية الخطوة التي قاموا بها ولا الرمزية التي صاحبت قصتهم والتفاعل المحلي والعالمي الذي رافقها. الآن أصبحوا يلتقون بأسرى ومحامين ويدركون أهمية كل كلمة وصورة وأثرها على الرأي العام، وبدأوا يلتفتون إلى أهمية ما قاموا به وانعكاس ذلك بالاهتمام العالمي، كما أن ظهورهم عكس ذلك سيكسر شعباً بأكمله الذي تعلق بهم وبقضيتهم وعاد لاحتضان قضية الأسرى في سجون الاحتلال باهتمام أكبر".
ويؤكد منصور أن رسائل الأسرى الستة فاقت في وضوحها وقوتها الإشارات التي سعى الاحتلال لإظهارها، ومنها الإبقاء على تكبيلهم رغم عدم قانونية ذلك، ووضعهم أمام الكاميرات وفي خلفياتهم علم إسرائيل.
ويضيف: "في المقابل، رفعوا إشارات النصر والابتسامات وخرجوا أمام الكاميرات بوجوه بدى عليها الراحة، حتى يظهروا بنوع من التحدي ويبعثوا برسائل إيجابية، رغم ظروف اعتقالهم الصعبة للغاية".
ولفت إلى رموز أخرى حرص الأسرى الستة على تبادلها، ومنها ما يشير إلى أرقام دللت عليها أصابع أياديهم، وقال إن ذلك يتضمن رسائل طمأنة حول أماكن اعتقالهم.
"كانوا يشيرون لبعضهم ببعض الأرقام، وقد يكون ذلك في إشارة إلى الأقسام أو الغرف التي يقبعون فيها، لا سيما أنهم وبعد نقلهم إلى سجون مختلفة لا يعرفون أخبار بعضهم البعض، وبالتالي ربما حاولوا طمأنة بعضهم عن أماكن تواجدهم وفي أي سجن أو أي قسم يتواجدون " يقول منصور.
رئيس نادي الأسير قدورة فارس، أكد أنه لا يمكن للأسرى الستة الذين أعيد اعتقالهم بعد انتزاعهم الحرية من سجن "جلبوع"، أن يظهروا بصورة مخالفة لتلك التي شاهدها العالم اليوم.
وقال: "هؤلاء مناضلون يجب أن يتمتعوا بروح معنوية عالية، لأنهم يعلمون أنهم يمثلون الشعب الفلسطيني، وظهورهم بهذا الشكل اللائق ينم عن إيمان وعن متانة داخلية رغم الظروف الشاقة التي مروا بها خلال الفترة الماضية، بعد إعادة اعتقالهم".
وشدد فارس على أن الأسرى الذين يعيشون مرارة العزل والقمع والظروف بالغة القسوة، إلا أنهم رفضوا أن يمنحوا أي جهة كانت شعوراً بالانكسار.
وأضاف: "ليس بإمكانهم إلا أن يرسلوا بإشارات الفخر والاعتزاز والقوة والتحدي، وهم يدركون أن عكس ذلك غير مقبول لا لأهاليهم ولا لأبناء شعبهم، ولا حتى للاحتلال الذي يتمنى رؤيتهم منكسرين، فهم مؤمنون برسالتهم وحقهم في الحرية".
ورأى فارس أن رسالات الأسرى لبعضهم عبر الشاشة، لا تحمل دلالات وطنية فحسب، بل فيها أحاسيس إنسانية، حيث عبروا فيها عن اشتياقهم إن كان للآخرين أو للتجربة التي عايشوها سوية على مدار سنوات التخطيط والحفر والخروج وانتزاع الحرية.
"بكل تأكيد هم مشتاقون أحدهم للآخر، ومن تجمعك به علاقة دم ومغامرة وإثارة ستكون بينكما روابط أكثر متانة وأكثر عمقاً ومفعمة بالعاطفة، لذلك حينما رأوا بعضهم البعض هذا ضخ فيهم قدراً كبيراً من الراحة والطمأنينة"، يقول قدورة فارس.
وقدمت نيابة الاحتلال صباح اليوم الأحد، لما تسمى "محكمة صلح الناصرة" لائحة اتهام مفصلة ضد الأسرى الستة المعاد اعتقالهم وخمسة أسرى آخرين.
وأوضحت الهيئة أن لائحة الاتهام تضمنت 20 بنداً، حيث تم توجيه تهمة الهروب للأسرى الستة: محمود عارضة، ومحمد عارضة، وأيهم كممجي، ومناضل نفيعات، ويعقوب قادري، وزكريا زبيدي، وتوجيه تهمة التستر والمساعدة على الهروب للأسرى: محمود أبو اشرين، وقصي مرعي، وعلي أبو بكر، ومحمود أبو بكر، وإياد جرادات.
ومن خلال لائحة الاتهام، تم إسقاط البنود الأمنية التي قُدمت في البداية بحق هؤلاء الأسرى الستة من قبل مخابرات وشرطة الاحتلال.
وأعاد جيش الاحتلال اعتقال الأسيرين الأسيرين أيهم كممجي ومناضل نفيعات بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر الماضي شرق مدينة جنين، والأسيرين زكريا الزبيدي ومحمد العارضة قرب قرية أم الغنم في منطقة الجليل الأسفل في 11 أيلول/سبتمبر الماضي، وكذلك أعاد اعتقال الأسيرين محمود العارضة ويعقوب قادري بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر الجاري في الناصرة.
ويوم الخميس الماضي، أقدمت إدارة سجون الاحتلال، على تفريق الأسرى في عزل خمسة سجون مختلفة.
ونقل الأسيران محمود العارضة ومناضل انفيعات إلى عزل سجن (أيالون الرملة)، والأسير زكريا الزبيدي إلى عزل سجن (إيشل)، والأسير محمد عارضة إلى سجن (عسقلان)، والأسير أيهم كممجي إلى عزل سجن (اوهلي كيدار) في بئر السبع، والأسير يعقوب قادري لعزل سجن (ريمونيم).