- بقلم: د. رمزي النجار استاذ القانون الدستوري المساعد
الأصل أن عامة الناس لا يرجعون إلى دار الدنيا بعد موتهم، فالأموات لا يعودون، نضع حجرا كبيرا على قبورهم كي نضمن أن لا يعودوا، كما يقول الأديب التشيكي كونديرا، ولكن في فلسطين يراود الكثير من الناس الأمل بأن يعودوا وخاصة إذا كانوا بحجم ياسر عرفات، تحدث الكثيرون وفي مناسبات متجدده عن رحيل أبو عمار وقالوا ليته يعود، وهنا يجب أن نفرق بين أمرين: ياسر عرفات نفسه، وأيام ياسر عرفات، بالنسبة للشخص ذاته، فهذا موضوع متفق عليه بأنه قائد وطني ثوري جامع بامتياز مفجر الثورة وصانع حلم الدولة، بالنسبة لأيامه، فهذه أيضا متفق على أنها افضل بكثير من أيامنا اليوم عندما كانت غزة والضفة والقدس وطنا واحدا.
ومع اقتراب ذكرى رحيل ياسر عرفات سنعاود الاستماع إلى كلمات ومقابلات ومقالات متكررة تترحم على ياسر عرفات والتذكير بكلماته المأثورة في فترات حرجة من بين فوهات البنادق ووسط القتال والدمار والحصار، كما أطلقها في زمن السلام، وهناك من سوف يقارن بين ما كان عليه الوضع وما أصبح، فالنفس البشرية جانحة إلى تجاوز كل الحدود، لن ترضي بحال أقل مما اعتادت عليه، ومع ذلك يبقى الفرق كبير وجوهري بين الحياة في الماضي والحاضر والمستقبل، لذا لا تملك سوى الترحم على ما كان.
باعتقادي أنه لن تفيد ألاف المقالات أو الآهات في إعادة الموتى، لكن إرث فلسطين وياسر عرفات النضالي هو الباقي، فأرث ياسر عرفات لم يمت بعد، وعلى جميع القيادات ان تعيد بث روح نضالية جديدة في أبناء الوطن، روح الوحدة والتلاحم والتماسك الوطني ونبذ العصبية الحزبية المقيتة، فجميع فصائل العمل الوطني والقيادات مذنبون بحق الوطن وأبناؤه، لم تحافظوا على ياسر عرفات، وجلسنا نتباكى كيف حاصروا ياسر عرفات وقتلوه مسموما، وعوضنا ان نبادر بدعم والحفاظ على منظمة التحرير بوابة فلسطين نحو العالم الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، البيت الجامع والكيان الموحد لكل الشعب وقواه السياسية، وأن تطبقوا كلمات عرفات الذي كان يرددها باستمرار: "القضية ليست قضية "أبو عمار" إنما قضية حياة الوطن واستقلاله وكرامة هذا الشعب وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، فكلنا فداء للوطن الغالي فلسطين".
ياسر عرفات لن يعود، فهو في ذمة الله، وله من الله ما يستحق، لكن إرثه النضالي أو لنقل ما تبقى من إرث الثورة الفلسطينية التي حافظت على وحدة الوطن والثوابت الوطنية والقرار الوطني المستقل، فبالوحدة فقط نحمي مشروعنا الوطني ونحشد له عناصر الصمود والقوة والمنعة، وننتصر لعذابات شعبنا، هو كل ما بقي كخارطة طريق نسير عليها للاستفادة من هذا الإرث الكبير الذي تركة ياسر عرفات باعتباره مدخلا أساسيا نحو الحرية والاستقلال الوطني.
قد يتحسس البعض من عبارة "إرث عرفات" فالنقل "إرث الثورة الفلسطينية" الذي كان مناضلا صلبا شامخا صامدا صابرا، وليس مستحيلا ان يعود، هذا إن أردنا له حقا ان يعود، دعونا ننفض أيدينا عن كل خلافاتنا وتغليب الوحدة والمصلحة الوطنية كم فعلنا من قبل في عهد عرفات، فكلنا لبعض ونحن لبعض، ولحمنا ودمنا واحد ودمنا اقرب لنا من بعض الدول العربية والأطياف الأخرى، ولنتذكر قول شاعرنا الكبير أحمد دحبور: "أوضح من نار على علم يزهو به بلد".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت