تقرير رسمي يكشف عن فشل إسرائيلي في تحضير خطط لمواجهة أزمة المناخ

صورة لمحطة طاقة في الخضيرة.

 كشف تقرير رسمي إسرائيلي جديد بأن الغالبية الساحقة من الوزارات والهيئات الإسرائيلية فشلت في تحضير خطط لمواجهة أزمة المناخ المتفاقمة.

وقوبل التقرير الرسمي حول شكل ومدى الاستعدادات الحكومية لمواجهة أزمة المناخ بتغطية استثنائيّة وحتى بقلقٍ غير مسبوق، سواء في وسائل الإعلام أو لدى الجهات الناشطة والمهتمّة بجودة البيئة، إذ أنه ركّز الضوء على المخاطر التي باتت معروفة للمهتمّين والدارسين، ولكنه وضعها في سياق فشل الحكومات الإسرائيلية المتراكم ليس في حماية البيئة فقط، بل أيضاً في حماية المواطنين. وصفحات التقرير تقدّم صورةً لمخاطر في ازدياد وتفاقم، ويكاد لا يوجد قطاع مدنيّ واحد لا يعاني من مصاعب ومشاكل وقصور في الأداء، مما يحمل تهديدات حقيقية في المستويات المنظورة والوسطى والاستراتيجية.

هذا التقرير الخاصّ الذي صاغه مراقب الدولة حول موضوع أنشطة حكومة إسرائيل واستعداداتها لأزمة المناخ، وُضع على طاولة الكنيست، وعُرض على الجمهور عشيّة انعقاد لجنة المناخ العالميّة التي تلتئم مطلع شهر تشرين الثاني الحالي، في أوج حقبة يتّخذ فيها العالم قرارات سياسيّة حاسمة ستؤثر تأثيرا بالغا على الطريقة التي سنواجه فيها هذه الأزمة العالمية، التي يُتوقّع أن ترافقنا في العقود القريبة، كما جاء في المقدّمة.

يقول المراقب إن التقرير الحالي يتميّز بأبعاد عدة؛ أولها أنّ رقابة الدولة قد ارتأت معالجة هذا الموضوع الآخذ بالتشكّل من خلال طرح رؤية مستقبلية رغبةً في وضع مستند شامل بأيدي صناّع القرار، كي يساعدهم على التهيؤ لهذه المسألة متعدّدة الأبعاد ومواجهتها. ثانيا، يشمل التقرير تحليلاً للمخاطر في مجالات مختلفة، لا سيّما مخاطر ماليّة، وأخرى تتعلق بالحيّز المادي، ومخاطر جيو- سياسية، ويشير إلى ضرورة دمج هذه المخاطر في مجمل التهديدات القوميّة، وفي معالجة مجمل المواضيع الاستراتيجية التي تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة. ثالثا: تتعامل فصول التقرير مع هذه القضيّة في عدد من الأصعدة: الصعيد الذي يشمل العديد من الوزارات والهيئات الجماهيرية العامة؛ الصعيد القطاعي- العام، الخاص والمدنيّ؛ الصعيد الذي يشمل قطاعات اقتصاديّة كالطاقة والمواصلات؛ والصعيد الدوليّ. هذه الأصعدة تتداخل فيما بينها وتستوفي فحصاً شاملاً للموضوع. رابعا: يشمل فصل التلخيص في هذا التقرير - فيما يشمل-تحليل الفجوات التنظيمية والأدائية التي تمكّن مواجهتها من تحسين أداء الحكومة عند معالجتها لموضوع المناخ، حيث أن رقابة الدولة تتقصى أثر المشاكل الجذرية.

أزمة المناخ تحمل أخطارا غير متوقعة من الناحية الأمنية

جزم التقرير بأن معظم الوزارات والمديريات الحكومية لم تحضّر أية خطة على الإطلاق للتعامل مع أزمة المناخ. وحدّد 84% منها كمن قصّرت في هذا. بل إن 90% من تلك الهيئات لم تكلّف نفسها عناء الاتصال بوزارة المالية لتلقي ميزانيات مقرّة لهذا الغرض. وحتى "الخطة الوطنية للصحة والبيئة"، التي أقرتها الحكومة في شهر آذار 2016، قبل نحو 5 أعوام، لم تقدّم حتى الآن إلى وزيري الصحة وحماية البيئة لنيل التعقيب والموافقة عليها ولم يتم تقديمها للغرض الإقرار النهائي الى الحكومة.

تطرّق هذا التقرير إلى ما يحظى بالأهمية الكبرى والاهتمام الأكبر لدى الإسرائيليين: أي الأمن. فقد ذكر المراقب أنه حتى من الناحية الأمنية، تحمل أزمة المناخ أخطاراً غير متوقعة على إسرائيل. وكشف أنه فقط في العام 2020، بدأت وزارة الجيش والجيش الإسرائيلي في دراسة كيفية تأثير تغير المناخ عليهما. ومع ذلك، فحتى تموز من العام الجاري، 2021، ما زال الاستعداد للأزمات في مرحلة الفحص والدراسة الأولية لا أكثر، ولم يتم بعد تشكيل طواقم عمل لصياغة خطط عمل ملموسة من شأنها معالجة المخاطر المتعلقة بنظام الدفاع في السنوات القادمة، كجزء من خطة متعددة السنوات وعلى المدى المتوسط إلى الطويل.

ويشير التقرير إلى العناصر المركزية المقلقة من ناحية أمنيّة كما تعرفها المنظومة العسكرية والأمنية، كالتالي: الخوف من النشاط في بيئة تسودها درجات حرارة عالية وظروف بيئية قاسية؛ زيادة كبيرة في المهام والأعباء لحماية الجبهة الداخلية المدنية في ظروف الظواهر الجوية الشديدة التطرّف؛ وتكييف البنية التحتية والمرافق مع الظروف المناخية المتغيرة غير المستقرة. من جانب آخر نبّه التقرير الى الجغرافيا الاستراتيجية وتأثيرها على استقرار المنطقة والأنظمة وتفاقم الأزمات القائمة. وفي هذا الصدد حذّر من المخاطر التي قد تأتي من جهة دول أخرى، بما في ذلك انهيار دول، وموجات ضخمة من اللاجئين، وتوترات أمنية.

يضع التقرير الإسرائيلي معطياته ومستخلصاته في السياق العالمي: فيكتب أنه منذ العام 1961 كان هناك انخفاض بنسبة 21% في الناتج الزراعي العالمي بسبب التغيّر المناخي، والذي لا يؤثر على المحاصيل فقط بل أيضاً على العمال. فمن فحص أجرته وزارة الزراعة مؤخراً تبيّن أن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بإسرائيل بسبب الكوارث الطبيعية في العقد الماضي بلغت قيمتها 3.5 مليار شيكل حتى الآن، وهو مبلغ يشمل الإصابات الجسدية وأضرار الممتلكات الخاصة والعامة وكذلك البنية التحتية. التقدير الذي يبشر أيضاً بالتغيرات في السنوات الأخيرة هو تقدير "صندوق الأضرار الطبيعية"، حيث قدّر إجمالي مطالبات المزارعين بالتعويض للعامين 2018 و2019، عن الأضرار الطبيعية، بحوالي 300 مليون شيكل كل عام - بزيادة حوالي 45% مقارنة بالسنوات السابقة.

ازدياد متفاقم لانقطاع التيار الكهربائي بسبب حدّة الطقس

كذلك، يحذر المراقب من أن الآثار غير المباشرة لتغير المناخ يمكن أن تنعكس أيضاً على ازدياد متفاقم لانقطاع التيار الكهربائي خلال حلول الظواهر الجوية الشديدة. فمن جهة ستكون هناك زيادة ملحوظة في الطلب على الكهرباء، وليس فقط في فصلي الشتاء والصيف، بل أيضاً في الفترات الانتقالية. من جهة أخرى، تشير البيانات التي تم جمعها إلى انخفاض إنتاج الكهرباء في الأيام الحارة بشكل ملحوظ. وخلص التقرير إلى أن "النتيجة ستكون الوصول إلى ذروة في الطلب على الكهرباء، وهو الأمر الذي يشكل خطراً متزايداً لحدوث اضطرابات في إمدادات الكهرباء".

وتطرقت التحليلات في هذا الشأن إلى المعلومات التي قدمتها شركة الكهرباء رداً على طلب المراقب في آب الماضي، ولفتت إلى أن هناك توقعات "بزيادة الطلب على الكهرباء وإلحاق أضرار بالبنية التحتية للكهرباء بما في ذلك المحطات الفرعية وخطوط النقل والتوزيع، وفي الحالات المتطرّفة إلحاق أضرار بمحطات إنتاج الكهرباء". كذلك، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات المتزايدة والرياح الشديدة "قد تلحق أضراراً مؤقتة أو دائمة بمحطات الطاقة التابعة لشركة الكهرباء الموجودة في المناطق الساحلية ومحطات الطاقة وخطوط الطاقة ومحطات التحويل الفرعية الموجودة في داخل البلاد". وأشار التقرير إلى أن التغير المناخي قد يتضمن زيادة في عدد موجات الجفاف وموجات الحرارة، مما قد يلحق الضرر أيضاً بالبنية التحتية لشبكة إنتاج وتوزيع لكهرباء ويسبب أيضاً زيادة في وتيرة الحرائق الكبيرة، بما في ذلك ما يُعرف بـ"العواصف النارية".

يبيّن التقرير أنه مقارنة مع قائمة الدول الـ29 في منظمة OECD، تحتل إسرائيل المرتبة الأولى في القائمة مع اعلى نسبة انبعاث للفرد. ورغم مساحتها الصغيرة فالانبعاثات فيها تشبه دولة متوسطة. واشار إلى أنه خلافاً للدول الاخرى، لم تحدد وزارة الطاقة هدفا للتحول الى الطاقة النظيفة المتجددة حتى العام 2050. وبشأن خفض الانبعاثات تم إقرار هدف، ولكن لم تقدم الوزارة معلومات مفصلة في الخطة التي نشرتها في نيسان 2021 حول كيفية تطبيق نيتها للتوصل إلى ذلك الهدف.

ويذكّر التقرير أنه: على أساس أبحاث علميّة تراكمت في العقود الأخيرة، يتبلور إدراك عالمي بأنّ استمرار انبعاث غازات الدفيئة بالأحجام الحالية سيؤدي إلى ارتفاع تركيزها في الغلاف الجوي، ومن ثم إلى تغييرات مناخية حادة؛ وستترتب على ذلك أزمة آخذة بالتشكل تشمل دولاً وقطاعات مختلفة، والتي ستؤدي إلى تدهور اقتصاديّ، وصحّي، وبيئي عالمي؛ وأنّ منع تحقّق هذا السيناريو يتطلّب نشاطا عالميا شاملا لتقليص انبعاث غازات الدفيئة من خلال الانتقال إلى اقتصاد خال من الكربون.

المواجهة الناجعة لتقليص غازات الدفيئة والتهيؤ للأضرار المناخية، تتطلّب تغييرا في المفاهيم والتصورات، لا تشكّل بحسبها أزمة المناخ موضوعا بيئيا بل أزمة بنيويّة- هيكليّة تهدّد العديد من المنظومات الحياتيّة، وعليه فهي ترتبط بمجمل الأنشطة الحكوميّة. فبينما جرى في الكثير من الدول الإعلان عن حالة طوارئ مناخيّة، وشُرِع باتخاذ خطوات على المستويين الوطنيّ والمحليّ من خلال الإدراك بأنّ أزمة المناخ تشكّل مركّباً مهماً في خارطة المخاطر، لم يحدث هذا في إسرائيل بعد.

وبكلمات التقرير: لقد تمخض النشاط الرقابيّ عن عدد من النواتج التي تظهر أنّ التغيير في المفاهيم والتصورات لم يحصل بعد في دولة إسرائيل؛ وأن الأجسام التي اتخذت إجراءات من أجل تحسين عملية التهيؤ للأزمة المناخية قليلة؛ وأنّ إسرائيل من الدول القليلة في العالم التي لم تشرع بعد بالعمل على أساس خطة استعداد قوميّة مموّلة ومصادق عليها، على الرغم من أنّها تقع في منطقة معرضة لمخاطر كبيرة، وعليه فهي معرّضة لمزيد من مخاطر التغيرات المناخية؛ وتبيّن أنّ أزمة المناخ لم تشكل بعد جزءا من خارطة التهديدات القوميّة؛ ولم يجر بعد تطبيق الخطوات اللازمة للحدّ من انبعاث غازات الدفيئة، وأعاقت خلافات بين الوزارات (وما زالت تعيق) قدرة إسرائيل على الوفاء بتعهّداتها وغاياتها في مجال تقليص كميّات غازات الدفيئة المنبعثة، والانتقال إلى استخدام الطاقة المتجدّدة؛ ولم يجر بعد في إسرائيل تذوّت المخاطر الكامنة في التغيير المناخي وتأثيراتها على الاقتصاد وعلى الجهاز الماليّ؛ وما زالت إسرائيل تقبع في أسفل القائمة من بين الدول التي قمنا باستعراضها في مجال التجديد والابتكار المناخي.

التوصية: اقتصاد يقلّ فيه استخدام الكربون وانتقال إلى طاقة خضراء

يوصي التقرير الرقابي بفحص الصعوبات في البنية التنظيميّة والأدائية القائمة، ومن بينها تشتيت الصلاحيات بين جهات حكومية عديدة وتجزئة كل واحد من سبل معالجة أزمة المناخ؛ وفجوة هيكلية بين مسؤولية الجسم العامّ عن مجال معين وبين صلاحيّته للعمل في هذا المجال. كلّ هذه الأمور تصعّب على تسوية التوتّر القائم بين الغايات الجماهيريّة العامة المختلفة والحسم فيما بينها. ويوصي أيضا بوجوب تحديد الانشغال بأزمة المناخ كغاية جوهريّة، يقع على عاتق الحكومة بمجمل الوزارات، وأنّ الموضوع سيعالَج من خلال هيئة قومية تمكّن من الحسم على أساس التوازن بين مصالح عامّة متصادمة، ومسارات اتخاذ قرارات في ظروف عدم اليقين، والتي قد تفضي إلى إدخال تغيير جذريّ في القطاع الاقتصاديّ.

وهو يقدّر بأن هذا الأمر سيُساهم في تحسين التخطيط الحكوميّ طويل الأمد برؤية شاملة، في سبيل التوجه نحو اقتصاد يقلّ فيه استخدام الكربون، ويقوم بدمج اعتبارات مناخية في عمل الحكومة. وهنا قدّم التقرير توصية إضافيّة تتمثّل في تعزيز البنية التحتيّة المعلوماتية العلمية والاقتصادية والتكنولوجية المطلوبة لهذا الأمر، والعمل على أن تقوم البنى التحتية والموارد القومية والتمويل العامّ والخاصّ بدعم انتقال دولة إسرائيل الى اقتصاد يقل فيه استخدام الكربون، والدفع نحو قيام الدولة بما هو مطلوب كي تفي بتعهداتها وغاياتها في مجال تقليص انبعاث غازات الدفيئة.

في ملخص الأمر، كما يكتب المراقب، ثمة تحدّ أمام الحكومة في إسرائيل يتمثّل في مسائل إدارة المخاطر على المستوى القومي، وضرورة رسم مسار يفضي إلى بناء اقتصاد يقلّ فيه استخدام الكربون، والنموّ الأخضر، والانتقال إلى طاقة خضراء من ناحية، والاستعداد الأمثل - من الناحية الأخرى- للمخاطر المترتّبة على التغييرات المناخية على مستوى الفرد، والموارد والطبيعة.حسب  موقع المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"

 

 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - مدار