الصمود أم الانهيار

بقلم: خليل ماهر عطاالله

خليل ماهر عطاالله
  • خليل ماهر عطاالله

     يواجه القطاع الخاص الفلسطيني في قطاع غزة خطر الانهيار التام وذلك بفعل الاحتلال الاسرائيلي، الذي زادت قسوته في النصف الأول من عام 2006 عندما فرض الاحتلال حصاراً خانقاً بعد سيطرة حركة حماس على القطاع، ومع انتشار جائحة كورونا التي القت بظلالها وأثرت بشكل كبير على واقع الاقتصاد المحلي والعالمي، في ديسمبر 2019، والذي أصبح كابوساً لاحق الدول بأجمعها، وفي قطاع غزة المنهار مسبقاً، أصبح واقعا مُعاشا، فقد اقتحم فيروس كورونا المستجد قطاع غزة المغلق في مايو 2020، وبدأ سباق ضد الزمن للحيلولة دون وقوع الكارثة، التي أثرت على كافة مناحي الحياة في القطاع.

     فمنذ بدأ الجائحة عصفت الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة في غزة بعمل القطاع الخاص الاقتصادي الذي بدأ بتقليص أعداد العاملين وتخفيض ساعات العمل اليومية، وصولاً إلي تكبد العديد من الخسائر وفقدان القدرة الإنتاجية وتسريح العديد من العاملين. فحسب تقرير مركز الاحصاء الفلسطيني بلغ عدد العاملين في المؤسسات الاقتصادية العاملة في القطاع الخاص والأهلي في فلسطين ضمن الانشطة الاقتصادية 505,182 عاملاً (331,161 عاملا في الضفة الغربية، 174,021 عاملا في قطاع غزة)، بانخفاض نسبته 8.1% مقارنة بالعام 2019، وكانت أنشطة التجارة الداخلية والخدمات قد ساهمت بالنسبة الاكبر لهذا الانخفاض (حيث بلغت مساهمتهما بهذا الانخفاض 34.5% للتجارة الداخلية و%29.7 للخدمات).

     وبالنظر إلى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة فقد أظهرت تقارير صادرة عن شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية، أن معدل الناتج المحلي الإجمالي بلغ (-12.3%) خلال العام 2020، وهذا يدل على ضعف وسلبية النمو الاقتصادي في قطاع غزة الأمر الذي انعكس سلباً على نشاط القطاع الخاص.

      كما أظهر التقرير ذاته أن معدل نمو التسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص انخفض بشكل ملحوظ خلال العام 2020 مقارنة بالأعوام السابقة، حيث وصلت عام 2018 إلى (8.63) وفي عام 2019 كانت (5.09) وتراجعت عام 2020 إلى (5.24) وهذا بالتالي انعكس على قدرة القطاع الخاص في الاستثمار وزيادة الإنتاج بشكل سلبي.

       وبما أن الاستثمار يتأثر بما يطرأ على سعر الصرف للعملة الوطنية من تقلبات على سعر الصرف الحقيقي الذى ينتج عادة من برامج الإصلاح الاقتصادي المعروضة على الدول النامية والذى يأتي مصحوباً بارتفاع معدل التضخم نتيجة لزيادة الصادرات وقلة الواردات وارتفاع أسعارها، مما يؤدي لانخفاض عام في الإنفاق كما أن ذلك سيؤدي لارتفاع أسعار الفائدة التي تؤثر سلباً على الاستثمار، فقد اظهر التقرير الصادر عن شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية وجود فجوة كبيرة بين سعر الفائدة على الودائع وسعر الفائدة على القروض بالعملات الرئيسية الثلاث ( الدولار الامريكي – الدينار الاردني – الشيكل الاسرائيلي) وذلك يعود لعدم وجود رقابة مباشرة من سلطة النقد على البنوك العاملة في قطاع غزة، إلي جانب عدم وجود سياسة واضحة تجاه سعر الفائدة، وعدم وجود بنك مركزي يتحكم في سعر الفائدة بالقروض والودائع، وهذا ما يؤثر على الاستثمار الخاص.

       بدورها تؤثر الضرائب مباشرة وبشكل سلبي على الاستثمار الخاص من خلال تأثيرها على الدخول المتاحة للقطاع العائلي، كما تؤدي إلى نقص الادخار والحد من الاستثمار، وبحسب التقرير ذاته أظهرت النتائج ارتفاع معدل نمو الإيرادات الضريبة في عام 2017 حيث بلغ 21.2%، إلا انه انخفض بشكل كبير خلال العام 2020 حيث وصل إلى -3.40، وهذا نتيجة عدم قدرة القطاع الخاص على الالتزام بدفع الضرائب إضافة لإغلاق العديد من المنشآت والمشاريع في القطاع الخاص.

     بالإضافة لما سبق فإن القطاع الخاص في قطاع غزة تأثر وبشكل كبير من خلال تذبذب معدل نمو إجمالي الإيرادات الفلسطينية الذى انخفض على التوالي في عامين 2018 حيث كانت -2.79% و 2019 -4.79%  وذلك بسبب الاوضاع الاقتصادية التي تمر بها فلسطين وقطاع غزة بشكل خاص من إغلاق معابر ومنع وصول المواد الخام بفعل الحصار الاسرائيلي المفروض على القطاع منذ 15 عاماً، بالإضافة لجائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على أغلب القطاعات الاقتصادية، هذا إلى جانب عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي وارتفاع الديون الخارجية التي وصلت عام 2020 إلي 1,324.6 والتي لم يتم استثمارها بالشكل السليم من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتنشيط المشاريع الانتاجية، فأغلب الدين الخارجي موجه لسد العجز في الموازنة العامة.   

      ومن أجل التعافي من هذه الانتكاسة التي يتعرض لها القطاع الخاص ومنع الانهار التام وتعزيز صموده لابد من العمل على دعم البنية التحتية للتحول للاقتصاد الرقمي من خلال انشاء صندوق وطني دولي لدعم التنمية التكنولوجية في فلسطين وقطاع غزة على وجه الخصوص، والعمل على تشجيع الاستثمار في هذا القطاع، وجلب الخبرات وتطويرها، إلى جانب اقامة علاقات دبلوماسية ذات بعد رقمي وتكنولوجي تعاوني مع دول ذات مستوى عال ومتقدم في هذا المجال. ومن جانب أخر لابد من العمل السريع على دعم قطاع الأعمال بالخدمات والكهرباء والمياه والصرف الصحي، ورفع كامل للقيود المفروضة على قطاع غزة، وانهاء الحصار الخانق والاستثمار في بناء ميناء بحري وجوي، وزيادة حجم الاستثمار في القطاع.

ولتحقيق التنمية الاقتصادية والتخفيف من حدة البطالة لابد من العمل على تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال دعمها وتسهيل أعمالها، كذلك لابد من وجود خطة انقاذ استراتيجية تنموية من أجل النهوض بالقطاع الخاص في قطاع غزة.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت