- بقلم :د.محمد الحافي
دخلت العلاقات الفلسطينية الامريكية في أزمة حقيقية بعد اقدام الرئيس الأمريكي ترامب على نقل السفارة الامريكية للقدس والاعتراف بالمدينة عاصمة موحدة لإسرائيل، وهذا ازال بالنسبة للفلسطينيين أي امكانية للتفاوض حول الرؤية الامريكية للحل "صفقة القرن"، حيث اتخذت القيادة الفلسطينية حينها موقفاً حاسماً لجهة رفض الصفقة بل واسقاطها، وحينها قال الرئيس محمود عباس كلمته الشهيرة (لا حل بدون القدس). رغم حجم الضغوط التي نتجت عن التواطؤ الاقليمي والدولي مع الصفقة والموقف الامريكي إلا أن القيادة الفلسطينية تمترست حول موقفها، ما ادخل السلطة الفلسطينية في حصار سياسي واقتصادي خانق جراء وقف المساعدات الدولية وخصوصاً الأمريكية للسلطة الفلسطينية.
تولي بايدن الحكم وأعلن عن توجهات مغايرة تجاه القضية الفلسطينية، وصرح بأنه مع احياء مسار التسوية السياسية بين الفلسطينيين واسرائيل، وعبر عن قناعته بضرورة تطبيق حل الدولتين، وإنه سيعمل على ترميم العلاقة مع السلطة الفلسطينية، وقد اكد على ذلك في مناسبات عدة، إلا أن القرارات التي نفذها ترامب تركت تداعيات دراماتيكية على مستويات مختلفة للقضية الفلسطينية والعلاقة مع الولايات المتحدة واسرائيل، وجعلت مستقبل تسوية الصراع معقد خصوصاً في ضوء المتغيرات على الساحة الاسرائيلية وخروج نتنياهو من رئاسة الوزراء لصالح ائتلاف حكومي موسع، لكنه هش وغير متجانس. لكن الواضح أن الولايات المتحدة تدعم هذه الحكومة ولا ترغب البته بعودة نتنياهو للحكم.
أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد توليه، أنه يعتزم إعادة فتح قنصلية بلاده في القدس الشرقية، كما أعلن وزير خارجيته أنتوني بلينكن في مايو الماضي، أن إدارته ستعيد فتح القنصلية في القدس المحتلة، المسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين، موضحاً دورها الدبلوماسي وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني.
في المقابل رفضت الحكومة الاسرائيلية فتح القنصلية واعتبرتها خطوة خطيرة وتتناقض مع اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة موحدة لاسرائيل. تحول ملف فتح القنصلية لأزمة بين الطرفين في ضوء اصرار بايدن على تنفيذ هذه الخطوة الهامة، وقد وافقت لجنة الصرف بالكونجرس في مايو الماضي على تخصيص تمويل لاعادة فتح القنصلية في القدسن وحينها أعلن وزير الخارجية بلينكن أن الولايات المتحدة ستسير قدماً في عملية فتح القنصلية لكن دون تحديد موعد.
تشير التقديرات إلى أن ادارة بايدن أجلت هذه الخطوة الحساسة إلى ما بعد إقرار الكنيست الاسرائيلي للموازنة التي اقرتها الحكومة، وهذا ما يمنح الحكومة الاسرائيلية الاستمرارية ومزيداً من الاستقرار،أما في حال لم يقر الكنيست الموازنة بموافقة 61 عضوا؛ فإن الائتلاف الحكومي سينهار، وهذا ما لا تريده ادارة بايدن، خصوصاً في ظل تربص نتنياهو بالائتلاف الحاكم. ويرى مراقبون أن خطوة اعادة فتح القنصلية قد تضعف موقف الائتلاف الحكومي وتقلل من فرص اقرار الموازنة وبالتالي اسقاط الحكومة.
ويبدو أننا الآن بانتظار اقرار الموازنة بالقراءة الثالثة خلال الساعات القادمة وفي حال أقرت نكون بصدد الحكم على مدى التزام الإدارة الأمريكية بفتح اقنصليتها في القدس، وتنفيذ وعوداتها تجاه الفلسطينيين خصوصاً فيما يخص تطبيق رؤية حل الدولتين وما يجب أن يسبق ذلك من اجراءات وتعهدات أعلنتها الولايات المتحدة للعالم اجمع.
ونرى بأن التحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية عالمياً وإقليمياً ومحلياً تنعكس على موقفها من القضية الفلسطينية، خصوصا مع تزايد الأصوات الأمريكية والعالمية التي تنادي بوقف الانحياز الأعمى لإسرائيلن ووقف خرقها المستمر للقانون الدولي ووقف سياساتها العنصرية والإجرامية ضد الفلسطينيين، والتي تضر بصورة أمريكا على المستوى العالمي.
المطلوب فلسطينياً:
في ضوء التحول في الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية سواء الرسمي أو الشعبي، ترسخت قناعة لدى البعض في الأوساط السياسية الأمريكية بأن استمرار إسرائيل في التنكر للحقوق الفلسطينية يعرضها لمخاطر متزايدة ويؤثر سلباً على المصالح الأمريكية العليا. وهنا يبرز التساؤل حول إمكانية البناء على الموقف الأمريكي، وما هو المطلوب فلسطينياً للاستفادة من ذلك لصالح القضية الفلسطينية؟ ونلخص هنا النقاط التالية:
- التأكيد على أن يكون أي تحرك سياسي لتسوية القضية الفلسطينية يتم ضمن مرجعية دولية (مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة)، ونرى أنه من الضروري العمل فلسطينياً على توصيل الرواية الفلسطينية للعالم عبر توظيف كل الإمكانات المتاحة استعداداً لمعركة دبلوماسية مضنية.
- العمل على إنجاز توافقات سياسية داخلية تؤدي لبناء موقف فلسطيني موحد بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية يستطيع إقناع العالم.
- استثمار مخرجات التصعيد الأخير دبلوماسياً للتأكيد على شرعية مقاومة الفلسطينيين للممارسات الإسرائيلية العنصرية.
- تفعيل الدور الدبلوماسي الرسمي والشعبي في التأكيد على أن حفظ الحقوق الفلسطينية المعترف بها دولياً هو المدخل الوحيد لتسوية الصراع مع إسرائيل، والتشديد على أن استمرار احتلال إسرائيل هو السبب المباشر لتفجر الأوضاع واستمرار العنف.
- توظيف العلاقات مع المكونات الأمريكية المختلفة (رسمياً وشعبياً) للإقرار بالحقوق الفلسطينية المعترف بها دولياً والانفتاح على المجتمع المدني الأمريكي، وخصوصاً مراكز الأبحاث لتوصيل الرواية الفلسطينية.
- توظيف المنصات الرقمية ووسائل الإعلام العربية والأجنبية لفضح الممارسات العنصرية الإسرائيلية حول العالم، وذلك لحشد الرأي العام العالمي لدعم الموقف الفلسطيني والضغط على الادارة الأمريكية للاتزام والاقرار بالحقوق الفلسطينية بحسب قرارات الشرعية الدولية.
اكاديمي وباحث دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت